إدارة بايدن تطلب استقالة مسؤولين موالين لترمب

عيّنهم في نهاية عهده بمجالس استشارية عسكرية

المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي خلال مؤتمر صحافي مساء الأربعاء (أ. ب)
المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي خلال مؤتمر صحافي مساء الأربعاء (أ. ب)
TT

إدارة بايدن تطلب استقالة مسؤولين موالين لترمب

المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي خلال مؤتمر صحافي مساء الأربعاء (أ. ب)
المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي خلال مؤتمر صحافي مساء الأربعاء (أ. ب)

في خطوة وصفت بالمخالفة لوعوده بالتعاون مع الجمهوريين، سواء في المواقع الوظيفية في إدارات الدولة أو في الكونغرس، طلبت إدارة الرئيس جو بايدن من عدد من المسؤولين الذين عينهم الرئيس السابق دونالد ترمب في مناصبهم في نهاية عهده الاستقالة.
وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي خلال مؤتمر صحافي مساء الأربعاء، أنه تم توجيه رسائل مباشرة إلى هؤلاء الأشخاص، تطلب منهم الاستقالة أو يتم إقالتهم. وقالت إنهم يتولون مناصب في المجالس الاستشارية لأكاديمية القوات الجوية ومعهد وست بوينت والأكاديمية البحرية. وهذه المناصب يجري شغلها لمدة 3 سنوات، وعادة ما يمتد شاغلوها للعمل بين إدارتين مختلفتين.
وقبل مغادرته منصبه عين ترمب عددا من أشد الموالين له في تلك المناصب، بينهم مستشارته السابقة كيليان كونواي، والمتحدث السابق باسم البيت الأبيض شون سبايسر ومدير حملته الانتخابية السابق كوري ليفاندونسكي ومدير الميزانية السابق راسل فوغت، وميغان موبس ودوغلاس ماكريغور سفيره السابق لدى ألمانيا، وهيربرت ماكماستر مستشار الأمن القومي السابق وجاك كين نائب رئيس الجيش السابق وجاي سوان القائد السابق لجيش الشمال وديفيد أوربان.
وتتهم بعض الأسماء التي طلب منها الاستقالة، بأنها كانت شخصيات إشكالية ومثيرة للجدل حتى خلال عهد ترمب، أمثال كونواي وسبايسر وفوغت. وقالت بساكي إن «هدف الرئيس هو هدف أي رئيس، ضمان وجود مرشحين وأشخاص يعملون في هذه المجالس مؤهلين للعمل فيها ويتماشون مع قيمه... لذا، نعم، كان هذا طلبا تم طرحه».
وأضافت «سأسمح للآخرين بتقييم ما إذا كانوا يعتقدون أن كيليان كونواي وشون سبايسر وآخرين، مؤهلون أم سياسيون للخدمة في هذه المجالس. متطلبات التأهيل لدى الرئيس ليست تمثيل حزبك، بل إذا كنت تتماشى مع قيم هذه الإدارة».
وعلى الفور تعرضت بساكي والرئيس بايدن لردود فعل غاضبة، سواء من المسؤولين الذين طلب منهم الاستقالة أو من الجمهوريين، الذين اعتبروا الخطوة مخالفة لكل وعود بايدن بالتعاون معهم، وبأنها ستزيد من الانقسام السياسي في واشنطن.
وقال سبايسر، الذي كان أول متحدث باسم البيت الأبيض خلال عهد ترمب، خلال ظهوره على برنامج مع محطة «نيوز ماكس» اليمينية، إنه لن يستقيل. وأضاف «لن أقدم استقالتي، وسأشارك في دعوى قضائية لمحاربة هذا الأمر». وانتقد سبايسر بساكي بشدة قائلا إنها «تجاوزت الحدود» بتصريحاتها. وأضاف «المتحدثون باسم البيت الأبيض لا يعلقون على المتحدثين السابقين أو الحاليين، وأنا احترمت ذلك ولم أرد على جين ولم أتفاعل معها، لكنها تجاوزت الحدود اليوم». وعرض تاريخه في الجيش، الذي وصفه أنه «أحد أعظم قرارات حياته»،
مشيرا إلى أنه تخرج من الكلية الحربية البحرية الأميركية وخدم تحت خمسة رؤساء مختلفين. ونشر فوغت الذي تم تعيينه في المجلس الاستشاري للأكاديمية البحرية في تغريدة على «تويتر»، الرسالة التي تلقاها من كاثي راسل، مديرة مكتب شؤون الرئاسة بالبيت الأبيض، تطلب منه الاستقالة أو إنهاء منصبه في وقت لاحق من يوم الأربعاء. وقال فوغت: «لا... إنها فترة ثلاث سنوات». وفي وقت لاحق قالت الأكاديمية البحرية إن النظام الأساسي لمجلس مستشاريها ينص على أن المعينين من قبل الرئيس يخدمون لمدة 3 سنوات، ويمكن أن يواصل عمله حتى يتم تعيين خلف له.
بدورها كتبت كونواي التي عينها ترمب في المجلس الاستشاري لأكاديمية القوات الجوية، ردا على طلب البيت الأبيض، أن الجهود المبذولة لإزالة العديد من المعينين من قبل ترمب كانت «تافهة وسياسية، إن لم تكن شخصية».
وأضافت «أنا لا أستقيل، لكن عليك أنت الاستقالة». وغردت ميغان موبس، وهي محاربة قديمة في أفغانستان، «أن كل فرد تم اختياره سابقا طُلب منه الاستقالة، وهي خطوة غير معقولة ولا تعبر عن الروح التي وعدت بها هذه الإدارة للحكم». وشكلت موجة طلبات الاستقالة الجديدة، أحدث محاولات إدارة بايدن للتخلص من أتباع ترمب،
في المجالس الاستشارية العسكرية. وكان وزير الدفاع لويد أوستن قد أطاح في أوائل شباط فبراير (شباط)، بمئات الأعضاء من اللجان الاستشارية في البنتاغون، كان ترمب قد عينهم في اللحظات الأخيرة من عهده، من بينهم ليفاندوفسكي ومستشار الحملة السابق ديفيد بوسي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟