لماذا يعمل علماء «كاوست» على تعديل جينات الدُّخن الأفريقي؟

خصائصه الغذائية والبيئية تؤهله للزراعة الواسعة في السعودية

الاستهداف الجيني لدُخن «الفونيو» قد يؤدي إلى إنتاجية أعلى وحبوب أكبر
الاستهداف الجيني لدُخن «الفونيو» قد يؤدي إلى إنتاجية أعلى وحبوب أكبر
TT

لماذا يعمل علماء «كاوست» على تعديل جينات الدُّخن الأفريقي؟

الاستهداف الجيني لدُخن «الفونيو» قد يؤدي إلى إنتاجية أعلى وحبوب أكبر
الاستهداف الجيني لدُخن «الفونيو» قد يؤدي إلى إنتاجية أعلى وحبوب أكبر

من الممكن تحسين محصول حبوب الدُّخن الأفريقي لينمو في الأراضي الجافة القاحلة بالمملكة العربية السعودية باستخدام معلومات الجينوم الخاص به، إذ يلائم «الفونيو» - أحد أنواع حبوب الدُّخن الأفريقي - هذه البيئة جيداً، لكنه لم يُدجَن بذات القدر الذي حظيت به محاصيل الحبوب الرئيسية، مثل القمح والأرز والذرة.

تحسين جيني
وقد يؤدي استهداف جينات هذا النبات إلى إنتاجية أعلى وحبوب أكبر، وهو ما يعمل عليه علماء من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست).
يقول الدكتور سايمون كراتينجر، عالم النبات في «كاوست» الذي قاد الدراسة، إن «80 مليون شخص يستوطنون شبه الجزيرة العربية ويضطرون إلى استيراد 90 في المائة من طعامهم، ولا يمكن زراعة محاصيل الحبوب الأساسية التي توفر 50 في المائة من السعرات الحرارية اليومية للسكان في هذه المنطقة بسبب نقص المياه العذبة، والتربة الفقيرة، ودرجات الحرارة المرتفعة»، مشيراً إلى أن «الفونيو» يُعد نباتاً غذائياً مذهلاً ينمو في المناطق الجافة والحارة ذات التربة الفقيرة، «ويتمثل هدفنا طويل الأمد في تحسين فونيو الدُخن والإبقاء على خصائصه الاستثنائية»، حسب قوله.
ورغم وجود «الفونيو» لأكثر من 5 آلاف عام، فإن تلك الحبوب تعد من أنواع المحاصيل المهملة وغير المستغلة حيث يشار إليها أحياناً باسم «المحاصيل المفقودة» أو «المحاصيل الثانوية». ورغم أهميتها الثقافية والغذائية المذهلة مثل توفيرها للعديد من فيتامينات بي، وكذلك المعادن مثل الكالسيوم والحديد والنحاس والزنك والمغنيسيوم، فإنها لم تنل حظها من الدراسات والأبحاث العلمية بالشكل الأمثل.
ولإجراء هذه الدراسة، حلّل باحثو «كاوست» بالتعاون مع فريق دولي من العلماء، جينومات نباتات فونيو الدُّخن المُدَجَن والبري من جميع أرجاء أفريقيا، ثم قارنوها بجينومات محاصيل الحبوب الأساسية.
وقد أظهرت التحليلات أن اثنين من جينات «الفونيو» قد تعرضا للانتقاء. وكان أحد هذين الجينين، ويسمى (DeGs5 - 3A) مشابهاً جداً لجين في الأرز يعمل على تنظيم عَرْض الحبة ووزنها. وقد أظهر ذلك الجين غياباً تاماً للتنوع في «الفونيو المُدَجَن»، وهو ما يشير إلى أن النباتات المحتوية على هذا الجين النشط قد انتُقِيت اصطناعياً من أجل إنتاج حبوب أكبر. كما وجِد الجين الآخر، والمسمى (DeSh1 - 9A) متحوراً في بعض أنواع «الفونيو المُدَجَن»، والذي يشبه طفرة أخرى في الأرز الأفريقي المُدَجَن. وتقلل هذه الطفرة من فقدان البذور من خلال عملية تعرف بالتشظّي، وهو ما يعد مفيداً للأصناف البرية، إذ يضمن ذلك انتشار البذور والإنبات الطبيعي في البيئة، بيد أنه يقلل من إنتاجية المحاصيل المزروعة. كما اكتُشِفَت أيضاً تنوعات جينية أخرى منتقاة في محاصيل الحبوب الأساسية أظهرت تسلسلاً نيوكليوتيدياً شبيهاً بنباتات الفونيو البرية.
وللتغلّب على هذه المشكلة، يقول الدكتور مايكل أبروك، باحث ما بعد الدكتوراه في «كاوست»: «إن تعديل تلك الجينات، باستخدام تقنية التحرير الجيني على سبيل المثال، قد يؤدي إلى تحسين الفونيو بصورة ملحوظة بإنتاج بذور أكبر دون فقدان أي منها».

سلالة مستزرعة
ويضيف أبروك: «يتمثل هدفنا التالي في إنتاج سلالة مستزرَعة من الفونيو تحوي جميع خصائص الحبوب الحديثة، ولكنها تحتفظ بخصائصها الأصلية التي تساعدها على تحمُّل الجفاف، وسرعة النُضج، والقدرة على النمو في التربة الرّمليّة».
حدَّد الباحثون أيضاً العوامل التي أثَّرت في التنوع الجيني لحبوب «الفونيو» في أنحاء أفريقيا. تقول حنين أحمد، طالبة مرحلة الدكتوراه في «كاوست»: «لم تكن التكيفات مع المناخ أمراً مثيراً للدهشة؛ فالفونيو المستزرع في منطقة الساحل في مالي يتطلب خصائصَ مختلفة عن النوع المستزرع في المناطق شبه الاستوائية في جنوب توغو».
غير أن الأمر المثير للدهشة، وفقاً لحنين أحمد، يَكْمُنُ في الصلة التي وُجدت بين الأنماط الجينية للفونيو ومجموعات اللغات العرقية في أفريقيا، فعلى سبيل المثال، كانت هناك اختلافات جينية لافتة بين سلالات الفونيو التي جُمِعَت من شمال توغو وجنوبها. ورغم أن هذا التنوع يرتبط على نحو جزئي بالمناخ، فإنه يمكن أن يُعزَى إلى الاختلافات الثقافية التي أدت إلى تقييد تشارك البذور بين مزارعي المنطقتين.
وجدير بالذكر فإن حبة «الفونيو» تعد ذات أهمية في التراث الثقافي في العديد من دول غرب أفريقيا، حيث يتم استخدامها في الاحتفالات المختلفة. ورغم أهميتها الثقافية لشعوب تلك المنطقة، كما أنها قابلة للزراعة بشكل كبير، إلا أنها لم تُستغل بشكل جيد على مر ذلك التاريخ الطويل.
من جانبه، يرى كراتينجر أن «الفونيو» يعتبر محصولاً شبه مُدَجَّن يُظْهِر شكلاً من التكيف مع الممارسات الزراعية.
وعن أهمية النتائج، يضيف: «يمكن أن تُفضِي التحسينات إلى حبوب جديدة من الممكن زراعتها على نطاق واسع وبشكل مستدام في البيئات الجافة والحارة».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني
TT

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

صمم نظام ذكاء اصطناعي جديد توربين رياح لأول مرة في التاريخ، وفقاً لمطوره.

نظام ذكاء هندسي ثوري

وأعلنت شركة «EvoPhase» البريطانية أن الذكاء الاصطناعي الخاص بها تخلى عن جميع القواعد الراسخة في هندسة مثل هذه الأجهزة. وبناءً على اختباراتها، فإن اختراعها أكثر كفاءة بسبع مرات من التصميمات الحالية.

تتكون «شفرة برمنغهام» The Birmingham Blade -كما تسمي الشركة التوربين- من ست أذرع موازية للأرض متصلة بمحور عمودي مركزي. وتحتوي كل ذراع على شفرة رأسية، وسطح به موجتان تغيران زاوية هجومهما عبر ارتفاعها وطولها.

لعمل مع سرعات رياح منخفضة

يتم تحسين توربينات الرياح التقليدية لسرعات رياح تبلغ نحو 33 قدماً في الثانية. في المقابل، تم تصميم «الشفرة» لسرعات الرياح المتوسطة المنخفضة النموذجية للمناطق الحضرية مثل برمنغهام، والتي تبلغ نحو 12 قدماً في الثانية. هذا يزيد قليلاً عن ثمانية أميال (13كلم تقريباً) في الساعة.

وتم تحسين التصميم للعمل بين المباني الشاهقة التي تنتج أنماط اضطراب تؤثر على فاعلية تصميمات التوربينات الحضرية الأخرى. وإذا ثبت أن هذا صحيح، فقد يفتح التصميم الباب أمام إنتاج كهرباء غير محدود في المباني المكتبية والسكنية بتكلفة تكاد تكون معدومة.

يقول ليونارد نيكوسان، كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة، في بيان صحافي: «كان استخدام الذكاء الاصطناعي ضرورياً للتحرر من التحيزات طويلة الأمد التي أثرت على تصميمات التوربينات خلال القرن الماضي. سمح لنا الذكاء الاصطناعي باستكشاف إمكانيات التصميم خارج نطاق التجارب البشرية التقليدية».

وفقاً لنيكوسان، تمكن المصممون من «توليد واختبار وتحسين أكثر من 2000 تصميم لتوربينات الرياح في غضون أسابيع قليلة، ما أدى إلى تسريع عملية التطوير لدينا بشكل كبير وتحقيق ما كان يستغرق سنوات وملايين الجنيهات من خلال الطرق التقليدية».

سحر «التصميم التطوري»

«التصميم التطوري الموجه بالذكاء الاصطناعي» هو منهجية تقوم على نفس فكرة الانتقاء الطبيعي. تبدأ العملية بتوليد آلاف المتغيرات التصميمية التي يتم تقييمها وفقاً لوظيفة «البقاء للأفضل»، والتي تحدد مدى نجاح كل متغير في تلبية أهداف المشروع. ويختار الذكاء الاصطناعي أفضل البدائل لاستخدامها أساساً لتكرارات جديدة، وإعادة الجمع بين الميزات وتنويعها لتطوير إصدارات محسنة.

تتكرر هذه الخطوات حتى يصل الذكاء الاصطناعي إلى حل يحقق تحسين جميع العلامات المهمة مثل الكفاءة الديناميكية الهوائية، والاستقرار الهيكلي، والوزن، أو الاكتناز.

تقول الشركة إن عمليتها تتجنب التحيزات البشرية الموجودة في الهندسة التقليدية. بطبيعتها، تكون الهندسة التقليدية محدودة بالأفكار والمعرفة السابقة.

من ناحية أخرى، يستكشف الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من الاحتمالات دون القيود في العقل البشري. عندما تجمع بين جيل الذكاء الاصطناعي والتكرار التطوري، يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج مبتكرة تتحدى غالباً الفطرة السليمة ولكنها لا تزال تعمل.

إن نهج التصميم التطوري هذا ليس جديداً تماماً، إذ استخدمت صناعة الطيران والفضاء برامج بهذه القدرات لسنوات. ومثلاً استخدمت شركة «إيرباص»، بالتعاون مع شركة «أوتوديسك»، عملية مماثلة لتصميم حاجز مقصورة خفيف الوزن للغاية لطائراتها من طراز A320وظهرت النتيجة مستوحاة من هياكل العظام الطبيعية، ما أدى إلى انخفاض الوزن بنسبة 45 في المائة مقارنة بالهياكل المماثلة المصممة بالطرق التقليدية.

كما طبقت شركة «جنرال إلكتريك» الخوارزميات التطورية في إعادة تصميم حامل محرك نفاث جديد، مما أدى إلى انخفاض وزن القطعة بنسبة 80 في المائة. وتستخدم وكالة «ناسا» أيضاً هذه التقنية منذ سنوات، ففي عام 2006 استخدمت الوكالة خوارزمية تطورية لتصميم «هوائي متطور».

نجاح توربين «برمنغهام بليد»

لقد طبق فريق المصممين بقيادة الدكتور كيت ويندوز - يول من جامعة برمنغهام هذه العملية التطورية لحل مشكلة تكافح العديد من تصميمات التوربينات لمعالجتها: كيفية العمل بكفاءة في البيئات الحضرية، حيث تكون الرياح أبطأ وأكثر اضطراباً بسبب المباني.

ويقول نيكوسان: «كنا بحاجة إلى توربين يمكنه التقاط سرعات الرياح المنخفضة نسبياً في برمنغهام مع إدارة الاضطرابات الناجمة عن المباني المحيطة. وكان لا بد أن يكون التصميم أيضاً مضغوطاً وخفيف الوزن ليناسب التركيبات على الأسطح».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»