«الفقر متعدد الأبعاد» ومصيبة اللبنانيين مع أثريائهم (تحليل)

أسرة فقيرة في شمال لبنان (أرشيف - رويترز)
أسرة فقيرة في شمال لبنان (أرشيف - رويترز)
TT

«الفقر متعدد الأبعاد» ومصيبة اللبنانيين مع أثريائهم (تحليل)

أسرة فقيرة في شمال لبنان (أرشيف - رويترز)
أسرة فقيرة في شمال لبنان (أرشيف - رويترز)

تحذير جديد أطلقته هذه المرة «لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا» (إسكوا) من تفاقم الانهيار الشامل في لبنان، ووصول تداعياته إلى فئات واسعة كانت في منأى عن معاناة الحرمان.
الموجز الذي حمل عنوان «الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان 2019 - 2021: واقع أليم وآفاق مبهمة» ينضم إلى عدد من التقارير المحلية والدولية التي ترسم صورة كالحة لحاضر ومستقبل اللبنانيين من كل النواحي، خصوصاً مع استمرار الاستعصاء السياسي، وامتناع التحالف السياسي الحاكم عن اتخاذ أي خطوة عملية للتخفيف من وطأة الأوضاع المتدهورة على المواطنين والمقيمين.
وكان «البنك الدولي» و«مرصد الأزمة» في الجامعة الأميركية في بيروت قد أشارا، في تقارير عدة، منذ أكثر من عام، إلى الارتفاع الهائل في نسبة الفقر، فيما تولّت جهات حقوقية، منها «المفكرة القانونية» و«نادي القضاة»، وغيرهما، التنبيه إلى تعميق الممارسات السياسية للأزمة الاقتصادية - الاجتماعية، عن وعي كامل.
الجديد في موجز السياسات الذي أصدرته «الإسكوا» هو تقديم تعريف جديد للفقر الذي يصفه بـ«الفقر متعدد الأبعاد»، الذي يتجاوز الحرمان المادي التقليدي ليشمل أيضاً الحرمان من الخدمات الصحية «والحصول على الأدوية، والخدمات والتعليم والعمل والمسكن والأصول والممتلكات».
يضيف الموجز المؤلَّف من ست صفحات أن الأسرة تُصنَّف «بأنها تعاني من الفقر المتعدد الأبعاد، إذا كانت تعاني من وجه واحد أو أكثر من الحرمان، حتى وإن لم تكن فقيرة مادياً»، ويقدم مثالاً على ذلك أن «الأسرة المحرومة من التيار الكهربائي... يمكن أن تصنّف فقيرة حسب مفهوم الفقر المتعدد الأبعاد، وذلك رغم إمكاناتها المادية التي تخوّلها الاشتراك في مولّد خاص للكهرباء، إذا كان ذلك متاحاً».
ليخلص الموجز إلى القول إنه «عند قياس أوجه الحرمان في لبنان، تصل نسبة الفقر المتعدد الأبعاد، بحسب أرقام (الإسكوا)، إلى 82 في المائة». أي أن ما يزيد على ثلاثة أرباع السكان بات في عداد الفقراء، حتى لو امتلك بعض القدرات المادية، ما دام غير قادر على الوصول إلى خدمات أساسية، مثل الأدوية والكهرباء والتعليم والرعاية الصحية.
وتقول «الإسكوا» إن نسبة مَن يعاني من الفقر المدقع متعدد الأبعاد من اللبنانيين تبلغ 34 في المائة، وتشمل الفئات التي يحيط بها أكثر من جانب واحد من الفقر الذي يحدده الموجز بستة أبعاد، هي عدم القدرة على توفير التعليم والصحة والخدمات العامة والمسكن والأصول والممتلكات، وأخيراً العمل والدخل. ويدخل في الأبعاد هذه عدد من المؤشرات التفصيلية.
ويقدم الموجز عدداً من الاقتراحات التي يرى واضعوه أنها تخفف من آثار الكارثة. وعلى غرار التقارير الأممية، لا تشير «الإسكوا» إلى كيفية تحقيق هذه الاقتراحات، ولا إلى العوائق السياسية التي تحول دون ذلك، داعية إلى إنشاء صندوق وطني للتضامن المجتمعي، ووضع خطة إنقاذ للنهوض بالقطاع الخاص، وتحديداً المؤسسات الصغيرة جداً والصغيرة والمتوسطة، وإيلاء اهتمام بكبار السن، والعمل على زيادة إنتاج الكهرباء.
مفهوم أن اقتراحات كهذه تدخل في باب البداهات، وأن العجز عن الوصول إلى اتفاق سياسي يعيق الخروج من الهاوية التي يقبع لبنان في قعرها. من دون أن يعني ذلك أن الاتفاق المذكور وحده كفيل بعلاج الأمراض العضال التي تفتك باللبنانيين منذ عقود.
ومن النقاط اللافتة للانتباه في موجز «الإسكوا» تقديره أن في وسع «ذوي الثروات في لبنان، ونسبتهم لا تتجاوز 10 في المائة من مجموع السكان، تسديد كلفة القضاء على الفقر، من خلال تقديم مساهمات سنوية لا تتعدى نسبة اثنين في المائة من ثرواتهم».
ولئن كانت المنظمات التابعة للأمم المتحدة تتجنب في العادة تقديم استنتاجات تنم عن موقف سياسي أو انحياز إلى فئة دون غيرها، فإن هذه الملاحظة المحقة تطرح أسئلة عدة ليس عن مدى ارتباط «ذوي الثروات» باللبنانيين الآخرين، أو بالأحرى الانفصال الشاسع بين الجماعتين فحسب، بل عن مصدر هذه الثروات والغاية من جمعها، وسبب عدم تخصيص، ولو اثنين في المائة منها، على ما تقترح «الإسكوا» للقضاء على الفقر.
تبدو هنا المفارقة مدهشة بين الواقع الذي يصفه الموجز من فقر وحرمان، ورفض «ذوي الثروات» تخصيص فتات لا يُذكر من أموالهم لإنجاز مهمة القضاء - وليس التخفيف من الفقر ولا تقليصه - على الفقر.
واضعو الموجز ربما لا يعرفون ما يعرفه اللبنانيون من أن الثروات المشار إليها إنما جاءت من سبل الفساد في الداخل والخارج، وأن أصحابها غير معنيين برفاه مواطنيهم، بل إن هذه الثروات هي في واقع الأمر أدوات لتعميق التبعية، وتأبيد الزعامات، ولو من خلال تجويع ملايين اللبنانيين وإذلالهم.


مقالات ذات صلة

تقرير أممي: آثار الحرب أدت إلى تراجع التنمية في غزة بما يناهز 69 عاماً

الاقتصاد فلسطينيون يتجمّعون في مواقع الغارات الإسرائيلية على المنازل والمباني السكنية في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (رويترز)

تقرير أممي: آثار الحرب أدت إلى تراجع التنمية في غزة بما يناهز 69 عاماً

توقع تقرير أممي جديد أن يرتفع معدل الفقر في دولة فلسطين إلى 74.3 في المائة في عام 2024، ليشمل 4.1 مليون من المواطنين.

«الشرق الأوسط» (عمان)
الاقتصاد أطفال ينتظرون الغداء في كوخهم بصنعاء (رويترز)

البنك الدولي: 26 من أفقر الدول تعاني ديوناً غير مسبوقة منذ 2006

أظهر تقرير جديد للبنك الدولي أن أفقر 26 دولة بالعالم، التي تضم 40 في المائة من أكثر الناس فقراً، تعاني أعباء ديون غير مسبوقة منذ عام 2006.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا لاجئ أفغاني يحمل لافتة خلال احتجاج أمام مكتب الأمم المتحدة في جاكرتا بإندونيسيا الاثنين (إ.ب.أ)

بعد 3 سنوات على عودة «طالبان» إلى الحكم... أفغانستان تعاني الفقر

بعد 3 سنوات على عودة «طالبان» إلى الحكم، تعاني أفغانستان ركوداً اقتصادياً كاملاً، فيما يغرق سكانها في الفقر وسط أزمة إنسانية متفاقمة.

«الشرق الأوسط» (كابل)
الاقتصاد واحد من كل خمسة في أفريقيا يعاني من الجوع (فاو)

عدد الجياع في العالم يواصل ارتفاعه مع تفاقم الأزمات العالمية

نحو 733 مليون شخص واجهوا الجوع في العام الماضي، أي ما يعادل واحداً من كل أحد عشر شخصاً على مستوى العالم، وواحداً من كل خمسة في أفريقيا.

هلا صغبيني (الرياض)
أفريقيا رجال شرطة نيجيرية في أحد شوارع نيامي العاصمة بعد إعلان باريس عن عزمها على سحب قوتها العسكرية من النيجر (إ.ب.أ)

جيش النيجر يعلن مقتل 7 مدنيين في هجوم شنه «إرهابيون»

قُتل سبعة مدنيين هذا الأسبوع على يد «إرهابيين» في قرية بمنطقة تيلابيري في غرب النيجر، قرب بوركينا فاسو، حسبما أعلن الجيش الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (نيامي (النيجر))

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر
TT

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر

خلافاً للكثير من القادة الذين عاشوا في الظل طويلا، ولم يفرج عن أسمائهم إلا بعد مقتلهم، يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

النائب السابق، والإعلامي السابق، اختفى فجأة عن مسرح العمل السياسي والإعلامي، بعد اغتيال القيادي البارز عماد مغنية عام 2008، فتخلى عن المقعد النيابي واختفت آثاره ليبدأ اسمه يتردد في دوائر الاستخبارات العالمية كواحد من القادة العسكريين الميدانيين، ثم «قائداً جهادياً»، أي عضواً في المجلس الجهادي الذي يقود العمل العسكري للحزب.

ويعتبر حيدر قائداً بارزاً في مجلس الجهاد في الحزب. وتقول تقارير غربية إنه كان يرأس «الوحدة 113»، وكان يدير شبكات «حزب الله» العاملة خارج لبنان وعين قادة من مختلف الوحدات. كان قريباً جداً من مسؤول «حزب الله» العسكري السابق عماد مغنية. كما أنه إحدى الشخصيات الثلاث المعروفة في مجلس الجهاد الخاص بالحزب، مع طلال حمية، وخضر يوسف نادر.

ويعتقد أن حيدر كان المستهدف في عملية تفجير نفذت في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2019، عبر مسيرتين مفخختين انفجرت إحداهما في محلة معوض بضاحية بيروت الجنوبية.

عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية ضربت منطقة البسطة في قلب بيروت (أ.ب)

ولد حيدر في بلدة قبريخا في جنوب لبنان عام 1959، وهو حاصل على شهادة في التعليم المهني، كما درس سنوات عدة في الحوزة العلمية بين لبنان وإيران، وخضع لدورات تدريبية بينها دورة في «رسم وتدوين الاستراتيجيات العليا والإدارة الإشرافية على الأفراد والمؤسسات والتخطيط الاستراتيجي، وتقنيات ومصطلحات العمل السياسي».

بدأ حيدر عمله إدارياً في شركة «طيران الشرق الأوسط»، الناقل الوطني اللبناني، ومن ثم غادرها للتفرغ للعمل الحزبي حيث تولى مسؤوليات عدة في العمل العسكري أولاً، ليتولى بعدها موقع نائب رئيس المجلس التنفيذي وفي الوقت نفسه عضواً في مجلس التخطيط العام. وبعدها بنحو ثماني سنوات عيّن رئيساً لمجلس إدارة تلفزيون «المنار».

انتخب في العام 2005، نائباً في البرلمان اللبناني عن إحدى دوائر الجنوب.