شريحة لا يستهان بها من جيل اليوم لم تعش تجربة إرسال مكتوب بواسطة البريد إلى صديق أو عزيز. فوسائل التواصل الاجتماعي ألغت هذه الخدمة، التي كانت الوحيدة المعتمدة عند أهالينا، للتواصل مع الآخر مسافراً كان أو مقيماً.
مسرحية «رسائل حب» تتطرق إلى زمن تبادل الرسائل. كما تحرك الحنين لتلك الحقبة. العمل هو ترجمة لنص الأميركي آي آر غيرناي ومن إخراج لينا أبيض. أما بطولته فتعود إلى جوزيان بولس ونديم شماس. يبدأ عرضها في 9 سبتمبر (أيلول) الجاري على خشبة «مسرح مونو» في الأشرفية ولمدة شهر كامل.
تقول بطلة المسرحية جوزيان بولس في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إذا سألنا أحداً من الشباب اللبناني عن أحدث مرة كتب فيها رسالة إلى شخص ما، لَتفاجأنا بأن غالبية هذا الجيل لم يعتمد الرسائل المكتوبة يوماً. فوسائل التواصل الاجتماعي ألغت هذه الخدمة منذ سنوات طويلة، وقلة من هؤلاء الشباب يعرفونها أو سمعوا بها».
إذاً إلى من تتوجهون في هذه المسرحية؟ ترد: «في كل مرة أنتج أو أعمل على مسرحية، أحرص على أن يكون جمهورها من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، التي تهوى هذا الفن. ولكن بالتأكيد من مارس هذه العادة في الماضي من الجيل القديم سيستمتع، كونها تحرك لديه الحنين لزمن الرسائل. فجميعنا كتبنا رسالة إلى صديق أو عزيز لمناسبة أو لأخرى.
وكنا ننتظر الرد من الطرف الآخر بحماس وشوق كبيرين. كنا ننتظر نحو شهر أو أكثر ليصل إلينا الجواب. كل ذلك دفعني إلى البحث في أدراجي عن رسائل كتبتها أو تلقيتها. اطّلعت عليها بفرح، وعندما قرأت نص المسرحية كنت كمن يستعيد هذه الذكريات بصورة غير مباشرة».
وعن الدور الذي تجسده في المسرحية توضح: «أتقمص دور الفتاة ميليسا منذ كانت في الثامنة من عمرها، عندما التقت صديقها آندي، لغاية بلوغها ستين سنة واسترجاعها ذكرياتها معه. هذه الذكريات يسترجعانها معاً من خلال رسائل تبادلانها قبل أن تفرّق بينهما الحياة. وخلالها نروي قصة حياة جرت بين الاثنين، وتعبر عن مشاعر مختلفة وُلدت بينهما كالحب والحزن والفكاهة والحنين وغيرها».
وتروي جوزيان أنها رغبت في أن تعيش هذه التجربة على طريقتها، كي تلامسها عن قرب على الخشبة. ولذلك بحثت في ذكرياتها المدونة وقصدت مركز البريد وأرسلت مكتوبين، أحدهما إلى فرنسا وآخر إلى أميركا. وتعلق: «حتى اليوم لم أتلقَّ أي جواب على رسالتي، ولكني أردت اختبار هذه الخدمة من جديد.
واللافت أن أحد المسؤولين في البريد سألني: لماذا أقفل الرسائل فيما المطلوب أن تقدّم مفتوحة ليتأكد من محتواها كرقابة ذاتية؟ فاجأني هذا التدبير في زمن أصبحت وسائل التواصل مفتوحة والعولمة تحكمها».
وتشير بولس إلى أن مخرجة العمل لينا أبيض عرفت كيف تعيد عقارب الزمن إلى الوراء، وكيف تُخرج العمل بعيداً عن نسخته الأميركية.
وعمّا إذا تمت لبننة العمل ليواكب بمضمونه إيقاع حياتنا المحلية ترد: «لا أبداً ولكن أسلوب الإخراج أسهم في قلب مجريات القصة، وكنا نشعر بالسعادة ونحن نقوم بالتمارين الخاصة بنا».
تؤدي جوزيان في المسرحية دور الطفلة ميلسيا في الثامنة من عمرها، لتنتقل بعدها إلى عمر المراهقة، وصولاً إلى شخصية غنية في منتصف عمرها. وتعلق: «لقد استطعت أن أعود طفلة ليس من ناحية الشكل أو اللباس بل من ناحية التمثيل. دأبت على مراقبة أطفال بهذا العمر، كي أحفظ حركات ولغة أجسادهم. فدوري جميل جداً ويختلف عن الأدوار التي قدمتها من قبل، ولذلك استمتعت به كثيراً».
وتؤكد جوزيان بولس أن غالبية التمارين للعمل حدثت عبر تطبيق «زووم» بسبب الجائحة. أما أحداث المسرحية فتجري ضمن ديكورات لمشغل فني مهجور، يسوده الأبيض مما يسهم في إبراز الأداء التمثيلي. كما يشارك بطلَي العمل على الخشبة عازفُ الساكسوفون كاريغ غارابيتيان، وحضوره وعزفه يشيران إلى الوقت. وتُعرض المسرحية بالفرنسية، وهي المترجَمة عن نص إنجليزي.
وتعلق جوزيان بولس: «قد تكون آخر مسرحية متحدثة بالفرنسية، لأن مسرحيات من هذا النوع لم تعد تتناسب وأسعار البطاقات المحددة لها. كما أني ولشدة انغماسي في التحضير للعمل، شعرت كأني أنا من ألّفها. فاسترجاع مشاعر انتظار وصول الرسالة وسرعة نبض القلب لمجرد لمسك لها، وكذلك انكماش المعدة، وما إلى هناك من إشارات ترافق حماس تسلم الرسالة، كانت بمثابة متعة كبيرة».
في النسخة الأميركية لمسرحية «رسائل حب» يجلس الممثلان إلى طاولة ويبدآن في قراءة النص. أما في نسختها اللبنانية فإن بطليها سيمثلان النص وهما ينظران إلى الجمهور والجدار والأرض. وهي إشارات إلى مواقف إنسانية عند استرجاع الذكريات.
ومن الموضوعات التي تتناولها المسرحية تلك التي تتحدث عن المشكلات النفسية وحالات الإدمان والزواج والطلاق والصداقة والطفولة والمراهقة وغيرها. وتقول جوزيان بولس: «سيُمضي الحضور نحو 80 دقيقة مع نص مشوّق فيه الكوميديا والحزن والفرح ومشاعر مختلطة.
فهنا الابتسامة لن تكون مجانية وفارغة، بل تحمل معاني كثيرة في طياتها». فبالنسبة لجوزيان بولس العمل المسرحي هو بمثابة طاقة أمل، وهدفها الاستمرار فيه كعلامة بقاء بعيداً عن الاستسلام.
مسرحية «رسائل حب»... حنين إلى زمن البريد
تحكي قصة حياة جرت أحداثها على الورق
مسرحية «رسائل حب»... حنين إلى زمن البريد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة