روائع العمارة الأندلسية في الإسكندرية

معرض فوتوغرافي يضم 89 عملاً لـ28 مصوراً مصرياً وإسبانياً

TT

روائع العمارة الأندلسية في الإسكندرية

منذ بداية إنشائها عام 332 قبل الميلاد على يد الإسكندر الأكبر، وهي موعودة بأن تصبح عنواناً للسحر والفن والجمال، ومهما بدا أننا عرفنا نهاية القصة، نتفاجأ بأن مدينة الإسكندرية المصرية ما تزال تخفي كنوزاً تخطف الدهشة من العيون، من هنا تأتي أهمية معرض التصوير الفوتوغرافي الذي ينظمه حالياً المركز الثقافي الإسباني «معهد ثربانتس» بحي الدقي بالجيزة (غرب القاهرة)، الذي تعكس الأعمال المعروضة فيه جانباً منسياً من ملامح تلك المدينة الساحلية المصرية، وهي العمارة الأندلسية التي تحمل ملامح وخصائص فنية، شديدة الخصوصية.
ويبرز المعرض جماليات الأساليب المعمارية في بناء مساجد مدينة الإسكندرية العريقة التي تنطق بالإبداع وتوحي بالرهبة والخشوع كطراز فريد ضمن المدارس المختلفة للعمارة الإسلامية، حيث تمكن المصورون المشاركون بالمعرض من تجسيد جماليات هذا المعمار الفني من حيث الزخارف والقباب والأعمدة، وثنائيات الظل والنور، وتجليات الكتلة والفراغ، فضلاً عن تنوع اللقطات الذكية ما بين الليل والنهار.
وبحسب صفاء رجب، المدير التنفيذي لمعهد «ثربانتس» بالإسكندرية، فإن الأعمال المشاركة تعكس وعياً جمالياً بمفهوم التصوير الفوتوغرافي نفسه، فضلاً عن الحساسية المدهشة التي تتضمنها اللقطات المختلفة للمساجد، رغم أن معظم المشاركين هم من الهواة، بل إن بعضهم يمارس التصوير لأول مرة، وقد بلغت عدد تلك الأعمال 89 عملاً أبدعها 27 مصوراً مصرياً، فضلاً عن مصور إسباني يقيم بالإسكندرية هو خوسيه ميجل، حيث كان الهدف تصوير مساجد تقع ضمن خمس مناطق بالمدينة هي «سيدي أبو العباس، سيدي جابر، سيدي الشاطبي، سيدي ياقوت، سيدي الطرطوشي»، وقد اختيرت الأعمال الفائزة للعرض في القاهرة ضمن مسابقة نظمها معهد ثربانتس بالإسكندرية بالتعاون مع «نادي الكاميرا» تحت عنوان «الأندلسيون في الإسكندرية 2021».
ووفق للدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف مكتبة الإسكندرية، فإن أبرز خصائص العمارة الأندلسية بالإسكندرية زيادة مساحات الجوامع، علو وسمك جدرانها، ورفع أسقف المساجد على أعمدة رخامية جميلة، وارتفاع منارات المساجد، مع الاهتمام الفائق بالزخارف الداخلية الكتابية والنباتية والهندسية»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «مسجد أبو العباس المرسي بمنطقة بحري بالإسكندرية أحد أهم مساجد مصر على الطراز المعماري الأندلسي، حيث أشرف على تصميمه وبنائه المعماري الإيطالي ماريو روسي، والمسجد له عدد من السمات غير التقليدية مثل وجود واجهة ذات لون غير شائع وهو اللون الأصفر، كما تتكون تلك التحفة المعمارية من أربعة قباب عظيمة وأعمدة ثمانية الشكل، صحيح أن تصميمات الأرابيسك التي يحفل بها ليست جديدة، إلا أن تنفيذها ببراعة شديدة يجعلها تنطق بالإبداع، تماماً كما هو الحال في المنارة المرتفعة، ويمتاز المسجد بالزخارف التي تعكس براعة فنان الخط العربي على مر الزمان».
ويشير الدكتور عبد البصير إلى أن «بناء هذا المسجد يحتوي على عدد من الأفكار المدهشة كذلك، فقد استغنى المصمم عن الفناء أو الصحن الأوسط، نظراً لضيق المساحة في منطقة شديدة الكثافة السكانية رغم افتتاحه عام 1945. كما استورد (روسي) أعمدته من إيطاليا ليصبح أول مسجد في مصر تستورد بعض قطعه من الخارج، كما أنه أول مسجد يمزج بين تصميم مسجد قبة الصخرة ومسجد السلطان حسن، الذي يعد درة التاج في العمارة الإسلامية بالقاهرة.
السؤال الآن كيف ومتى وصل الأندلسيون من إسبانيا إلى مصر؟ طرحنا الموضوع على د. طه زيادة، الباحث في التاريخ الأندلسي ورئيس المركز الإعلامي بالسفارة الإسبانية بالقاهرة، أوضح قائلاً: «كانت البداية في عهد الخليفة الأندلسي، أبو الوليد هشام بن عبد الرحمن الداخل الملقب بـ«الرضا»، «757 - 796 ميلادية»، حيث كان هناك العديد من حركات التمرد، سواء في الشمال وتحديداً بإقليم الباسك واستورياس وجاليثيا أو في الجنوب في قرطبة عاصمة الخلافة نفسها. ومن أشهر وقائع التمرد تلك ما قام به البربر ضد هذا الخليفة، محاولين خلعه. وقد كان رد فعل الدولة الأندلسية حازماً وقوياً، فتم وأد التمرد وقمع الاحتجاج وعلى إثر ذلك رحل آلاف الأندلسيون من قرطبة نحو العديد من البلدان ومن بينها مصر التي وفد إليها، نحو 15 ألفاً أندلسياً، استقر معظمهم في الإسكندرية. ولم يكن اختيار تلك المدينة عشوائياً، بل لأسباب عديدة منها تشابه الطبيعة الجغرافية، سواء على البحر أو في الجبل، مع طبيعة المدن التي جاءوا منها في الأندلس.
وكان من ضمن الوافدين الأندلسيين إلى الإسكندرية عدد من مشاهير الفقه والتاريخ والأئمة مثل الشاطبي، أحد أشهر علماء الحديث، المولود 538 هجرية من مدينة شاطبة في بالنثيا، وأبو العباس المرسي من مدينة مرسية، وقد أطلقوا اسم المنشية اشتقاقا من «لا مانشا» التي اتحدر منها «الكيخوتة» أشهر أعمال ثربانتيس الأدبية.
ويضيف زيادة: «هناك القرطبي، نسبة إلى قرطبة، ودفن بمحافظة المنيا (صعيد مصر) حسب بعض المصادر، وكذلك الفقيه الإمام الطرطوشي المدفون بمدينة الإسكندرية، والذي ولد في مدينة طرطوسة الأندلسية عام 451 ميلادية، واسمه أبو بكر محمد بن الوليد بن خلف، المعروف بأبي بكر الطرطوشي.


مقالات ذات صلة

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

يوميات الشرق جزء من التجهيز يظهر مجموعة الرؤوس (جناح نهاد السعيد)

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

لا شيء يمنع الفنان الموهوب ألفريد طرزي، وهو يركّب «النشيد» المُهدى إلى عائلته، من أن يستخدم ما يراه مناسباً، من تركة الأهل، ليشيّد لذكراهم هذا العمل الفني.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
المشرق العربي الضربات الجوية الإسرائيلية لامست آثار قلعة بعلبك تسببت في تهديم أحد حيطانها الخارجية وفي الصورة المعبد الروماني
(إ.ب.أ)

«اليونيسكو» تحذر إسرائيل من استهداف آثار لبنان

أثمرت الجهود اللبنانية والتعبئة الدولية في دفع منظمة اليونيسكو إلى تحذير إسرائيل من تهديد الآثار اللبنانية.

ميشال أبونجم (باريس)
يوميات الشرق هضبة الأهرامات في الجيزة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)

غضب مصري متصاعد بسبب فيديو «التكسير» بهرم خوفو

نفي رسمي للمساس بأحجار الهرم الأثرية، عقب تداول مقطع فيديو ظهر خلاله أحد العمال يبدو كأنه يقوم بتكسير أجزاء من أحجار الهرم الأكبر «خوفو».

محمد عجم (القاهرة )
المشرق العربي الضربات الجوية الإسرائيلية لامست آثار قلعة بعلبك تسببت في تهديم أحد حيطانها الخارجية وفي الصورة المعبد الروماني
(إ.ب.أ)

اجتماع طارئ في «اليونيسكو» لحماية آثار لبنان من هجمات إسرائيل

اجتماع طارئ في «اليونيسكو» للنظر في توفير الحماية للآثار اللبنانية المهددة بسبب الهجمات الإسرائيلية.

ميشال أبونجم (باريس)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».