فيلم «200 جنيه» يعيد البطولة الجماعية للسينما المصرية

بمشاركة 18 فناناً من أجيال مختلفة

هاني رمزي تألق في تقديم التراجيديا بالفيلم (الشركة المنتجة)
أفيش الفيلم
هاني رمزي تألق في تقديم التراجيديا بالفيلم (الشركة المنتجة) أفيش الفيلم
TT

فيلم «200 جنيه» يعيد البطولة الجماعية للسينما المصرية

هاني رمزي تألق في تقديم التراجيديا بالفيلم (الشركة المنتجة)
أفيش الفيلم
هاني رمزي تألق في تقديم التراجيديا بالفيلم (الشركة المنتجة) أفيش الفيلم

هل يمكن لأفلام «البطولة الجماعية» أن تتصدر المشهد السينمائي المصري مقابل أفلام «البطل الأوحد»؟، وهل تحقق أفلام النجوم الذين يقتسمون البطولة معاً إيرادات أعلى من غيرها؟، أم يظل النص السينمائي هو البطل الذي يجمعهم أو يفرقهم حسب إقبال الجمهور أو انحساره.
في سباق الموسم الصيفي لهذا العام، تجمع 18 نجماً ونجمة لأول مرة في عمل سينمائي واحد، في فيلم «200 جنيه»، الذي يشارك في بطولته ليلى علوى، وأحمد السقا، وهاني رمزي، وغادة عادل، وخالد الصاوي، وإسعاد يونس، وأحمد آدم، وصابرين، وأحمد رزق، وأحمد السعدني، ومي سليم، وطارق عبد العزيز.
الفكرة الجديدة التي كتبها المؤلف أحمد عبد الله هي الأساس الذي انطلق منها الفيلم، ورغم قلة عدد المشاهد التي يظهر فيها كل ممثل، فإن لكل منهم بصمة على الدور الذي يؤديه، ويعد عبد الله، صاحب عدد من أفلام البطولة الجماعية الناجحة على غرار «كباريه، الفرح، ساعة ونص، سوق الجمعة».
أول أزمة قد تواجه فكرة البطولة الجماعية هي ترتيب أسماء الممثلين في مقدمة العرض، لهذا جاءت أسماء النجوم وفقاً لترتيب ظهورهم على الشاشة، كما قدم صناع العمل في تتر النهاية شكراً خاصاً لكل النجوم على دعمهم وتقديرهم لهذه التجربة، وكانت البطولة الحقيقية في الفيلم لعملة ورقية من فئة 200 جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 15.7 جنيه مصري)، حيث تظهر في أغلب المشاهد، وتصبح محور أحاديث الأبطال.
تبدأ أحداث الفيلم من خلال «عزيزة السيد»، التي تجسدها الفنانة إسعاد يونس، وهي سيدة فقيرة تسكن أحد الأحياء الشعبية، تخفي من معاشها ورقة بمائتي جنيه بعد أن طبعت اسمها فوقها، مما يوقعها في أزمة، لكنها لا تعلم بسرقة ابنها «أحمد السعدني» للورقة سوى في مشهد النهاية، وتقدم إسعاد يونس أداءً مميزاً ومعبراً عن تفاصيل الشخصية التي تعيدها للسينما بعد غياب دام 11 عاماً منذ مشاركتها في فيلم «زهايمر».
وفي سياق الأحداث يقدم المؤلف قصصاً وحكايات متباينة لشخصيات الفيلم، عبر رحلة العملة الورقية بين أبطال العمل، فنرى منهم الثري والفقير، المتعلم والجاهل، الكريم والبخيل، ويلقي الضوء على شخصيات تعاني كثيراً في سبيل الحصول على تلك الورقة، من بينها تلك التي يؤديها الفنان هاني رمزي، الذي تألق في تجسيد شخصية بعيدة عن ملعبه الأساسي (الكوميديا)، فقدم دوراً إنسانياً لعامل بسيط، يلجأ لحيلة تثير الشفقة حتى يقنع ابنته بشراء ملابس العيد من الأسواق الشعبية التي تناسب إمكاناته.
وعبّر رمزي في تصريحات لــ«الشرق الأوسط» عن سعادته بردود الأفعال التي تلقاها منذ بدء عرض الفيلم، مؤكداً أنه «تحمس كثيراً لدوره بعد قراءة السيناريو، إذ وجده غير تقليدي، وتجربة تستحق المساندة»، مشيداً بقدرات المخرج محمد أمين لاختياره في دور جديد.
وبسؤاله عن دوافعه لتقديم شخصية بعيدة عن الكوميديا، أجب قائلاً: «أردت أن أؤكد قدرتي على تقديم أدوار تراجيدية، لأعرف وقعها على الجمهور الذي اعتاد مشاهدتي في أعمال كوميدية فقط».
وقدم أبطال الفيلم أداءً جيداً يُحسب لهم، وبحسب النقاد فقد تماهت النجمة ليلى علوي مع شخصية «سلوى»، التي كانت تعمل مساعدة ملابس لنجمة كبيرة راحلة، واضطرت تحت وطأة مرض زوجها للعمل بائعة لبعض المنتجات الجلدية البسيطة.
ورغم ذلك، فإن كل شخصيات العمل ليست تراجيدية، فهناك أيضاً الكوميديا التي يفجرها النجم أحمد آدم بشخصية «صاحب العقار البخيل»، والذي يلقى في النهاية جزاء بخله، ويثير أحمد رزق الضحكات من خلال تجسيده لشخصية «مدرس» يقدم الدروس الخصوصية.
وترى الناقدة المصرية خيرية البشلاوي، أن الفيلم يبدو بسيطاً في ظاهره لكنه عميق في فكرته. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كان الفيلم يعرض رحلة عملة ورقية، فهو ينفذ من خلالها لدواخل البشر أنفسهم باختلاف طبقاتهم الاجتماعية والثقافية، فالمخرج محمد أمين من المخرجين الذين يدركون أهمية السينما كوسيط جماهيري، وأفلامه السابقة كلها تكشف عن ذلك، ومنها (فيلم ثقافي، بنتين من مصر، فبراير الأسود، ليلة سقوط بغداد)، كذلك المؤلف أحمد عبد الله لديه نفس الهم تقريباً لإيمانهما بالفيلم كعمل تثقيفي يطرح قضايا اجتماعية تحمل أكثر من بعد، لذا فقد قدما عملاً يطرح كثيراً من التساؤلات».
ولفتت إلى أن «فكرة البطولة الجماعية عرفتها السينما المصرية منذ بداياتها، لكنها باتت أكثر إلحاحاً أمام اجتياح المنصات والسوشيال ميديا، ولم يعد مقبولاً لدى الجمهور أن ينفرد نجم واحد بالبطولة المطلقة».


مقالات ذات صلة

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)