اتهامات لعون بمحاولة الإطاحة بـ«الطائف» ومصادرة صلاحيات رئيس الحكومة

فريقه يراهن على الفراغ

TT

اتهامات لعون بمحاولة الإطاحة بـ«الطائف» ومصادرة صلاحيات رئيس الحكومة

لم يقفل رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الأبواب أمام معاودة التشاور مع الرئيس ميشال عون في الأمور المتعلقة بتشكيلها، لكنه يربط توجّهه إلى بعبدا بجواب عون على التشكيلة الوزارية المتكاملة التي أودعه إياها في الجولة الثالثة عشرة من المشاورات، وإلا لما صرّح أخيراً - كما يقول رئيس حكومة سابق - بأن اعتذاره عن عدم تأليفها ليس على جدول أعماله حتى الساعة، وإن كانت مهلة التشكيل ليست مفتوحة، آملاً في أن تكون زيارته المقبلة لبعبدا حاسمة.
ويؤكد رئيس الحكومة السابق الذي فضّل عدم ذكر اسمه أنه كان في مقدور عون أن يبادر إلى استيعاب ردود الفعل على ورقة الإحضار التي أصدرها المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لو أنه بادر استباقاً للبيان الذي صدر عن رؤساء الحكومات السابقين إلى طلب رفع الحصانة عن أكبر مسؤول وصولاً إلى أصغرهم، بدلاً من أن ينصاع إلى نصائح فريقه السياسي الذي كان وراء إصدار البيان في رده على رؤساء الحكومات.
ويلفت لـ«الشرق الأوسط» إلى أن عون ارتكب في ردّه على رؤساء الحكومات خطأً بقوله إن توقيت البيان مريب فيما رئيس الجمهورية يبذل جهداً لتشكيل الحكومة، ويقول إنه كان في غنى عن الإشارة إلى هذه النقطة، لأنه بذلك يصر على تجويف اتفاق الطائف من مضامينه والعودة بتشكيل الحكومة إلى ما كان عليه قبل سريان مفعوله، حيث إن رئيس الجمهورية يختار الوزراء ويسمي من بينهم رئيساً للحكومة.
ويرى رئيس الحكومة السابق أن القاضي بيطار بإصداره ورقة إحضار بحق دياب أراد التصويب عليه، لكن الهدف يكمن في استهداف الجهود التي يبذلها ميقاتي لتشكيل الحكومة وصولاً إلى تعطيلها بانسداد الأفق أمام إزالة العقبات التي تؤخر ولادتها، ويقول إن عون استجاب لـ«نصائح» فريقه السياسي بعدم تسهيل مهمة ميقاتي ما لم يسلّم بشروطه لتشكيل الحكومة.
ويكشف أن عون يخطط منذ الآن لوضع يده على التشكيلة الوزارية بإصراره على الثلث المعطّل الذي يتيح له الإمساك التحكّم بقراراتها تحسُّباً لتعذُّر إجراء الانتخابات النيابية في موعدها في ربيع 2022، وإلا لم يكن ميقاتي مضطراً للقول «إننا في كل اجتماع نبدأ كأننا في المربع الأول»، في إشارة إلى أن من يؤخّر تشكيلها ليس هو وإنما رئيس الجمهورية.
ويؤكد أن من يشكّل الحكومة هو الرئيس المكلّف الذي وحده يتحمّل مسؤولية المثول أمام البرلمان طلباً لنيل الثقة أو لمحاسبته، ويعتبر أن ما قاله عون حول الحكومة يشكّل مخالفة للدستور وينمّ عن رغبته بتعديل اتفاق الطائف بالممارسة بعد أن استحال عليه تعديله في النصوص، علماً بأن رهان الفريق السياسي لعون على احتمال عدم إجراء الانتخابات النيابية ليس في محله.
ويعزو السبب إلى أن عون سيقحم نفسه في اشتباك سياسي مع المجتمع الدولي الذي يراهن على إنجازها كمحطة لإعادة تكوين السلطة وإنما بتقليص نفوذ الطبقة السياسية التي يحمّلها مسؤولية انهيار البلد وعدم استجابتها لتطلعات اللبنانيين في إحداث تغيير يدفع باتجاه إنقاذه.
ويتهم رئيس الحكومة السابق ميشال عون بالكيدية وبالجنوح إلى إلغاء الآخرين ليدير وحده البلد من دون إشراك القوى السياسية، وهو بذلك يعود به إلى ما كان عليه في عام 1988 عندما رأس الحكومة العسكرية وخاض شتى أنواع الحروب ومنع انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للرئيس أمين الجميل المنتهية ولايته الرئاسية، إلى أن تقرر دولياً وإقليمياً إخراج عون من بعبدا.
ويضيف أن الظروف السياسية الراهنة لم تعد كما كانت عندما رأس عون الحكومة العسكرية، وبالتالي بات يستحيل عليه اليوم تطييف الخلاف حول تشكيل الحكومة أو الرهان على التمديد للبرلمان الحالي، بذريعة تعذُّر إجراء الانتخابات النيابية على أن ينسحب على رئاسة الجمهورية، وبذلك يكون قد تجاوز الخطوط الحمر، لأنه سيواجه إجماعاً دولياً يفرض عليه التسليم بمبدأ تداول السلطة. وفي هذا السياق، يسأل ما إذا كان عون يخطط من خلال تعطيله تشكيل الحكومة ليقيم وحيداً في بعبدا لأن حليفه «حزب الله» كان أول من رفض بلسان أمينه العام حسن نصر الله ورقة الإحضار التي أصدرها القاضي البيطار بحق دياب، وهو يلتقي في رفضه مع رؤساء الحكومات والمفتي الشيخ عبد اللطيف دريان في خطبته النارية التي استهدف من خلالها عون مباشرة.
ومع أنه لا يريد أن يستبق رد فعل دياب في حال دعوته لحضور اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع أو تلك التي يرأسها عون، فإنه في المقابل يعتقد بأن دياب قبل إصدار ورقة الإحضار بحقه غير دياب ما بعد إصدارها، وبالتالي لن يوفّر الغطاء السياسي لعون كما في السابق، لأن دعم رؤساء الحكومات والمفتي دريان له أدى إلى حشره في الزاوية ولم يعد في مقدوره بأن يتصرف كأن شيئاً لم يكن، إلا إذا أخطأ الرؤساء في تقديرهم للقرار الذي سيتخذه.
ويكشف مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط» أن ما يعطّل تشكيل الحكومة لا يعود إلى الخلاف حول أسماء الوزراء وتوزيعهم على الحقائب فحسب، وإنما إلى أن الفريق السياسي المحسوب على عون الذي يديره رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بدأ يخطط للقيام بانقلاب على الطائف بذريعة استرداد صلاحيات رئيس الجمهورية والحفاظ على حقوق المسيحيين، وصولاً إلى وضع اليد على البلد كخطوة وقائية في حال تقرر ترحيل إجراء الانتخابات.
ويؤكد أن إقحام البلد في الفراغ يبقى «المرشح» الأول لباسيل إذا تعذّر عليه الوصول إلى رئاسة الجمهورية، ويقول إن «الثنائي الشيعي» كان وراء الطلب من ميقاتي بضرورة التريُّث وعدم الاعتذار إصراراً منه على أن يعطي المشاورات فرصة جديدة، لكنه بدأ يدرك أن لعون حسابات أخرى وهو يعوّل الآن على الموقف الذي سيعلنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في رسالته التي يوجهها إلى اللبنانيين بعد غد (الثلاثاء)، لمناسبة مرور 43 سنة على إخفاء مؤسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام موسى الصدر في ليبيا، مؤكداً أنه سيضع النقاط على الحروف بلا مهادنة.
ويبقى السؤال: هل يستمر عون في افتعال العراقيل التي تؤخر تشكيل الحكومة ضارباً عرض الحائط بالنصائح الفرنسية أو الأميركية التي تدعوه للإسراع بتشكيلها وتسهيل مهمة الرئيس المكلف؟ أم أنه يخطط للهروب إلى الأمام وإنما هذه المرة بتسعير الأجواء الطائفية بعد أن استحال عليه إمكانية اختراق الساحة الإسلامية بعد أن رسم «حزب الله» لنفسه مسافة سياسية عن حليفه؟ مع أن البعض لم يفقد الأمل بولادة الحكومة وهذا ما كان يراهن عليه الحزب التقدمي الاشتراكي بلسان مصادره التي تعزو التأخير إلى رغبة ميقاتي بتحسين شروطه في التركيبة الوزارية وإنما قبل أن تقع الواقعة بين عون والسنّة على المستويين السياسي والروحي وبينهم من هم على خلاف مع نادي رؤساء الحكومات.



«شروق الشمس» الأميركية لإعمار غزة... هل تؤخر الخطة العربية الشاملة؟

فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«شروق الشمس» الأميركية لإعمار غزة... هل تؤخر الخطة العربية الشاملة؟

فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

تسريبات أميركية تشير لوجود خطة بشأن إعمار جزء من قطاع غزة، تحمل اسم «شروق الشمس» أعدها فريق يقوده جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترمب، والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بينما تتعثر «الخطة العربية الشاملة» بشأن الإعمار الذي يعد أبرز ملامح المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بالقطاع المتعثرة حالياً.

تلك الخطة الأميركية المتداولة، تأتي بينما تبحث مصر إقامة مؤتمر لتمويل إعمار كامل غزة بالشراكة مع واشنطن بعد تأجيله نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ويعتقد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه عودة لمخططات تهجير الفلسطينيين مجدداً رغم الرفض المصري والعربي، ما قد يطرح 3 سيناريوهات: المضي في تلك الخطة الأميركية الجزئية في رفح الفلسطينية، ومن ثمّ تأجيل نظيرتها العربية الشاملة؛ أو الدمج بين الخطتين دون تهجير؛ أو تعطيل كل الخطتين لتعثر إتمام الاتفاق».

وتحدث تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، الجمعة، عن خطة أعدها كوشنر وويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» بين الحكومات الأجنبية والمستثمرين لتحويل ركام غزة إلى وجهة ساحلية مستقبلية، ونقل سكان غزة «من الخيام إلى الشقق الفاخرة»، و«من الفقر إلى الازدهار»، دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

وبحسب المسودة «ستبلغ تكلفة المشروع الإجمالية 112.1 مليار دولار على مدى عشر سنوات»، على أن تلتزم الولايات المتحدة بتقديم منح وضمانات ديون لـ«جميع مسارات العمل المطروحة» خلال تلك الفترة، لكن التحديات هائلة، وفق الصحيفة، لافتة إلى أن إعادة إعمار غزة مشروطة بأن تقوم «حماس» بـ«نزع السلاح وتفكيك جميع الأسلحة والأنفاق».

وسيُنفّذ الإعمار عبر أربع مراحل، تبدأ من الجنوب في رفح وخان يونس، ثم تتجه شمالاً إلى «مخيّمات الوسط»، وأخيراً إلى العاصمة غزة، وتتضمن إحدى الشرائح، المعنونة بـ«رفح الجديدة»، تصوراً لجعلها «مقر الحوكمة» في غزة وموطناً لأكثر من 500 ألف نسمة، يعيشون في مدينة تضم أكثر من 100 ألف وحدة سكنية، و200 مدرسة أو أكثر، وأكثر من 75 منشأة طبية، و180 مسجداً ومركزاً ثقافياً.

وهذه التسريبات تأتي بعد نحو 8 أيام من نقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «تل أبيب وافقت مبدئياً على دفع تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة وأن تتحمل مسؤولية العملية الهندسية الضخمة، وذلك بعد طلب من الولايات المتحدة الأميركية، وستبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوب القطاع من أجل إعادة إعمارها».

طفل فلسطيني نازح ينتظر مع حاويته لتلقي حصص غذائية متبرع بها في مطبخ خيري في خان يونس (أ.ف.ب)

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد كوشنر، في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة، وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، يرى أن «خطة ترمب للسلام تعطي منذ البداية مساحة أكبر للأميركيين والإسرائيليين، والخطة الجديدة المطروحة للإعمار من جانب واشنطن، محاولة لتحقيق هدف تهجير الفلسطينيين مرة أخرى».

فيما يعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن «خطة شروق الشمس» تؤكد أن الولايات المتحدة لم تتخل عن فكرتها في ترحيل جزئي لسكان غزة مع ضخ استثمارات عقارية تحقق أمن إسرائيل فقط.

ووفق «وول ستريت جورنال»، فإن «بعض المسؤولين الأميركيين الذين اطّلعوا على (خطة شروق الشمس) يبدون شكوكاً جدّيةً بشأن مدى واقعيتها. فهم يستبعدون أن توافق حركة (حماس) على نزع سلاحها لبدء تنفيذ الخطة». وذكرت الصحيفة أنه «حتى في حال حدوث ذلك، يشكّك المسؤولون في قدرة الولايات المتحدة على إقناع دول ثرية بتحمّل تكلفة تحويل بيئة ما بعد الحرب إلى مشهد حضري عالي التقنية».

وعلى مقربة من هذه الشكوك، قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في تصريحات الجمعة: «لن تقنع أحداً بالاستثمار في غزة إذا كان يعتقد أن حرباً أخرى ستندلع بعد عامين أو ثلاثة»، وأضاف: «لدينا ثقة كبيرة بأننا سنحصل على المانحين لجهود إعادة الإعمار والدعم الإنساني على المدى الطويل».

ويرى حسن أن روبيو يتحدث بحديث إسرائيل نفسه بشأن نزع سلاح «حماس»، ومن الصعب بدء المرحلة الثانية في ضوء عدم تحقيق التزاماتها مثل نشر «قوات الاستقرار» ونزع سلاح الحركة.

تلك التسريبات الأميركية، جاءت بعد نحو 17 يوماً من إعلان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني، يوهان فاديفول: «أننا نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

تجمع فلسطينيون نازحون لتلقي حصص غذائية تبرع بها أحد المتبرعين في مطبخ خيري في خان يونس (أ.ف.ب)

وبعد ذلك قال رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، في جلسة بـ«منتدى الدوحة»، أخيراً: «إننا سنواصل دعم الشعب الفلسطيني، لكننا لن نمول إعادة إعمار ما دمره الآخرون»، ووصفت وقتها تلك التصريحات القطرية، من جانب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بأنها «ضغط على واشنطن لدفع إسرائيل لتنفيذ انسحاب وبدء إعمار».

وكان مؤتمر إعمار قطاع غزة الذي كانت ستنظمه القاهرة في نهاية نوفمبر الماضي، أجل دون ذكر السبب، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف لـ«الشرق الأوسط»، نهاية الشهر الماضي، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن ما يطرح أميركياً قد يؤخر عملية الإعمار وفق «الخطة العربية الشاملة»، مشيراً إلى أن تعثر مؤتمر الإعمار بسبب عدم إنهاء المرحلة الأولى وعدم انسحاب إسرائيل. وحول المتوقع، إزاء الخطة الجديدة للإعمار، أوضح أنه يمكن التزاوج بين الخطتين العربية والأميركية شريطة ألا يحدث تهجير للفلسطينيين.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني أن مستقبل الإعمار قد يشهد المضي في الخطة الأميركية بشكل منفرد، وتأخير الخطة العربية الشاملة، أو استمرار التعثر لعدم إنهاء المرحلة الأولى وعدم دخول أي من الخطتين حيز التنفيذ.


الأمم المتحدة: احتجاز الحوثيين موظفينا يُهدد العمل الإنساني في اليمن

المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)
المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)
TT

الأمم المتحدة: احتجاز الحوثيين موظفينا يُهدد العمل الإنساني في اليمن

المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)
المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)

أدانت الأمم المتحدة بشدة قيام الجماعة الحوثية باحتجاز 10 موظفين أمميين إضافيين في 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في خطوة وصفتها بـ«الاحتجاز التعسفي»، محذّرة من أن هذا التصعيد يُهدد بشكل مباشر استمرارية العمل الإنساني في اليمن.

وحسب المنظمة الدولية، ارتفع إجمالي عدد موظفيها المحتجزين لدى الجماعة إلى 69 موظفاً، ما يضع واحدة من كبرى عمليات الإغاثة في العالم أمام مخاطر غير مسبوقة.

وقال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في بيان، إن هذه الاحتجازات «تجعل إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين غير قابلة للاستمرار»، مشيراً إلى أن القيود المفروضة على عمل المنظمة تؤثر بشكل مباشر على ملايين اليمنيين المحتاجين، وتحرمهم من الحصول على المساعدات المنقذة للحياة، في بلد أنهكته الحرب والفقر وانهيار الخدمات الأساسية.

المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك (الأمم المتحدة)

وأضاف دوجاريك أن الأمين العام دعا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأفراد المحتجزين تعسفياً، بمن فيهم موظفو الأمم المتحدة، والعاملون في المنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى أفراد من البعثات الدبلوماسية، مطالباً الحوثيين بإلغاء إحالة موظفي المنظمة إلى الملاحقة القضائية.

وشدّد البيان الأممي على ضرورة احترام القانون الدولي، بما في ذلك الامتيازات والحصانات الممنوحة للأمم المتحدة وموظفيها، مؤكداً أن هذه الحصانات «أساسية لتمكين العمل الإنساني في بيئة آمنة ومحايدة»، ولا يمكن التفريط بها دون تعريض حياة العاملين والمستفيدين من المساعدات للخطر.

تحذير من شلل الإغاثة

يأتي هذا التحذير الأممي في ظل تصعيد متواصل من جانب الحوثيين ضد المنظمات الدولية؛ حيث تتهم الجماعة موظفين أمميين وعاملين في المجال الإنساني بالتجسس لصالح أطراف خارجية، وهي اتهامات تنفيها الأمم المتحدة بشكل قاطع، وتؤكد أنها لا تستند إلى أي أدلة.

وترى منظمات حقوقية أن هذه الاتهامات تُستخدم غطاءً لاعتقالات تعسفية واسعة، تستهدف تكميم الأصوات المستقلة وإحكام السيطرة الأمنية في مناطق نفوذ الجماعة.

طائرة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي بعد إقلاعها من مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)

وخلال السنوات الماضية، لجأ الحوثيون إلى توظيف الجهاز القضائي الخاضع لهم ليكون أداةً للضغط والترهيب، عبر إحالة معارضين وصحافيين وموظفين أمميين إلى محاكم متخصصة بتهم تتعلق بالأمن القومي أو «التخابر»، في مسار يقول مراقبون إنه يقوّض العدالة، ويزيد من عزلة مناطق سيطرة الجماعة التي تحوّلت إلى أشبه بمعتقل كبير.

وتؤكد الأمم المتحدة أن استمرار هذه الممارسات يجعل من الصعب الحفاظ على وجود إنساني فعّال في صنعاء ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة الحوثيين، خصوصاً في ظل المخاطر المتزايدة التي يتعرض لها الموظفون المحليون والدوليون.

وعلى الرغم من ذلك، تُشدد المنظمة على التزامها بمواصلة تقديم الدعم الإنساني لملايين اليمنيين، مع تحذيرها من أن أي تصعيد إضافي قد يفرض إعادة تقييم للأنشطة الإنسانية في بعض المناطق.

مخطط تفجيري

في سياق موازٍ، أعلنت الأجهزة الأمنية في محافظة مأرب (شرق صنعاء) عن تحقيق إنجاز أمني نوعي، تمثل في ضبط قيادي بارز تابع للجماعة الحوثية المدعومة من النظام الإيراني، في عملية استباقية استندت إلى معلومات استخباراتية دقيقة ومتابعة ميدانية مكثفة.

ونقل الإعلام الرسمي عن مصدر أمني في شرطة مأرب قوله إن الأجهزة الأمنية نفذت العملية «باحترافية عالية»، بعد رصد تحركات القيادي الحوثي (ع.ع.د)، الذي كلفته الجماعة بقيادة عدة خلايا إرهابية داخل المحافظة. وحسب المصدر، كانت هذه الخلايا تعمل على استهداف الأمن والاستقرار وقيادات مدنية وعسكرية، من خلال تصنيع وزراعة العبوات الناسفة في مناطق متفرقة.

حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء دعا إليه زعيم الجماعة (أ.ف.ب)

وأوضح المصدر أن العملية نُفذت بتنسيق محكم بين مختلف الأجهزة الأمنية في المحافظة، وأسفرت عن مداهمة مخبأ القيادي الحوثي والقبض عليه، وضبط عدد من العبوات الناسفة المموهة، إضافة إلى أجهزة ومعدات خاصة بعمليات التفجير. وأشار إلى أن المخبأ كان يُستخدم وكراً لتصنيع العبوات الناسفة، ومقراً لإدارة الخلايا الإرهابية وتوجيه عملياتها.

ولفت إلى أن الجماعة الحوثية كانت تُعدّ هذا القيادي ليكون بديلاً عن القيادي السابق أحمد قطران، الذي أُلقي القبض عليه في وقت سابق، وظهر لاحقاً في تسجيل مصوّر بثه الإعلام الأمني، تضمن اعترافات حول مخططات تخريبية استهدفت محافظة مأرب.

وأكّد المصدر الأمني أن التحقيقات مع القيادي الحوثي المضبوط لا تزال جارية، تمهيداً لإحالته إلى القضاء المختص بعد استكمال الإجراءات القانونية، مشيراً إلى أن هذا الإنجاز يضاف إلى سلسلة من النجاحات الأمنية التي حققتها أجهزة الأمن في مأرب خلال الفترة الماضية، ويعكس مستوى الجاهزية واليقظة في مواجهة التهديدات الحوثية.


مأرب تشكو نقص المساعدات وضغط النزوح الإضافي من الشرق

مأرب تضم أكثر من 209 مخيمات مكتظة بالأسر النازحة (إعلام حكومي)
مأرب تضم أكثر من 209 مخيمات مكتظة بالأسر النازحة (إعلام حكومي)
TT

مأرب تشكو نقص المساعدات وضغط النزوح الإضافي من الشرق

مأرب تضم أكثر من 209 مخيمات مكتظة بالأسر النازحة (إعلام حكومي)
مأرب تضم أكثر من 209 مخيمات مكتظة بالأسر النازحة (إعلام حكومي)

تشهد محافظة مأرب اليمنية (شرق صنعاء)، تصاعداً مقلقاً في موجات النزوح المقبلة من محافظتَي حضرموت والمهرة، في ظل التطورات الأمنية والعسكرية الأخيرة، ما فاقم من حدة الأزمة الإنسانية في المحافظة التي تعدّ أكبر مركز لاستقبال النازحين داخلياً منذ اندلاع الحرب التي فجَّرها الحوثيون أواخر 2014.

ومع استمرار تدفق الأسر النازحة، أطلق مسؤولون محليون نداءات عاجلة للمنظمات الإنسانية والإغاثية للتدخل السريع، محذرين من أن أي تأخير في الاستجابة سيقود إلى مزيد من المعاناة الإنسانية، والضغط غير المسبوق على الموارد والخدمات الأساسية.

وبحسب مصادر حكومية وتقارير أممية، استقبلت مأرب نحو 51 في المائة من حركة النزوح الجديدة خلال الفترة الأخيرة، في وقت تؤوي فيه المحافظة نحو 65 في المائة من إجمالي 4.5 مليون نازح داخلي في اليمن.

وأكدت الأمم المتحدة أن نحو 5 آلاف شخص نزحوا خلال الأيام الماضية من محافظة حضرموت باتجاه مأرب؛ نتيجة الأحداث التي شهدتها المحافظة منذ مطلع الشهر الحالي، وسط مخاوف من اتساع رقعة النزوح إذا استمرَّ التصعيد.

توقف الدعم في مأرب أدى إلى خسارة 45 في المائة من إجمالي المساعدات (إعلام حكومي)

في هذا السياق، أطلق محمد بن جلال، مدير عام مديرية مدينة مأرب ورئيس المجلس المحلي، نداءً عاجلاً إلى شركاء العمل الإنساني والتنموي، المحليين والدوليين، إضافة إلى الحكومة اليمنية، داعياً إلى سرعة الاستجابة للاحتياجات المتزايدة للنازحين. وأوضح أن الوضع الإنساني في المحافظة بات يتطلب تدخلاً سريعاً وفعالاً، محذراً من أن التأخير يعني تفاقم المعاناة الإنسانية، وازدياد الضغط على الموارد المحدودة.

تحذير من الانهيار

حدَّد المسؤول المحلي محمد بن جلال أولويات التدخل الإنساني في محافظة مأرب، مشيراً إلى الحاجة الملحة للمساعدات الغذائية والدوائية لأكثر من 234 ألف أسرة نازحة في المحافظة.

كما شدَّد على أهمية ضمان استمرار دعم برامج الإيواء والخدمات الأساسية في المخيمات والتجمعات السكانية، إلى جانب توفير دعم تنموي متكامل يخفف الضغط على الخدمات العامة، ويسهم في استقرار المجتمعات المستضيفة والنازحة على حد سواء. وطالب الجهات المانحة والمنظمات الدولية بإبداء مرونة أكبر في معايير التسجيل؛ لتسهيل وصول المساعدات إلى المستحقين في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة.

مأرب استقبلت 51 في المائة من حركة النزوح الجديدة لحضرموت والمهرة (إعلام حكومي)

وأكد المسؤول المحلي أنه يوجه هذا النداء بصفته مسؤولاً وإنساناً يلامس معاناة النازحين بشكل يومي، مشيراً إلى أن مأرب تتحمل العبء الأكبر من أزمة النزوح في اليمن منذ عام 2015. واستناداً إلى الإحصاءات الرسمية، أوضح أن المحافظة تستضيف أكثر من 65 في المائة من إجمالي النازحين في البلاد، كما تستقبل أكثر من نصف حركة النزوح الجديدة، وفقاً لتقارير منظمة الهجرة الدولية.

أرقام صادمة

وفقاً للسلطات المحلية، يبلغ عدد المخيمات التي تستضيف النازحين في مأرب 209 مخيمات، إلى جانب أعداد كبيرة من الأسر التي تقيم في مدينة مأرب وضواحيها. وتشير الإحصاءات إلى وجود نحو 234 ألف أسرة نازحة بحاجة ماسة إلى المساعدات الغذائية، في وقت تواجه فيه السلطات المحلية تحديات جسيمة؛ نتيجة الزيادة السكانية المفاجئة. فقبل الحرب، لم يكن عدد سكان المحافظة يتجاوز 400 ألف نسمة، بينما تستضيف اليوم أكثر من مليونَي نازح.

وفيما يتعلق بالأمن الغذائي، أوضح بن جلال أن نسبة الاحتياج ارتفعت بنحو 13 في المائة خلال عام 2025، متوقعاً أن تصل إلى 25 في المائة خلال العام المقبل إذا لم تُتَّخذ إجراءات عاجلة. وأرجع ذلك إلى التراجع الملحوظ في حجم المساعدات منذ منتصف العام الماضي، حيث أدى توقف بعض الوكالات الإنسانية عن تقديم الدعم إلى خسارة نحو 45 في المائة من إجمالي المساعدات الإنسانية، بحسب إعلام حكومي.

رجل يحمل دلاءً مملوءة بالماء في مخيم السلام للنازحين داخلياً في عدن (أ.ف.ب)

وأشار المسؤول المحلي إلى أن مأرب تواجه موجات نزوح جديدة بشكل شبه يومي من محافظتَي حضرموت والمهرة، واصفاً الوضع بـ«الاختبار القاسي لصمود المحافظة». وقال إن مأرب التي فتحت أبوابها لجميع اليمنيين تستحق أن تكون نموذجاً للتعافي والاستقرار، لا ساحة لانهيار إنساني جديد، مؤكداً أن السلطات المحلية تمد يدها للشركاء من أجل العمل المشترك لتحويل محنة النزوح إلى فرصة للبناء والتنمية.

موجة نزوح جديدة

أكدت الأمم المتحدة، عبر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أن التصعيد العسكري الأخير في حضرموت، لا سيما في مدينة سيئون ومحيطها، أدى إلى موجة نزوح جديدة لمئات الأسر.

وأوضح المكتب أن غالبية هذه الأسر كانت قد نزحت سابقاً من محافظات شمالية خاضعة لسيطرة الحوثيين إلى حضرموت، قبل أن تُجبَر مجدداً على النزوح نحو مأرب أو إلى مناطق أخرى داخل حضرموت.

وحذَّر «أوتشا» من أن موجات النزوح من حضرموت إلى مأرب لا تزال مستمرة، وأن استمرار تدفق النازحين يسهم بشكل كبير في زيادة العبء الإنساني القائم في المحافظة، التي تعاني أصلاً من محدودية الموارد وتراجع تمويل المساعدات الإنسانية.

ودعا المكتب الأممي المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده لدعم الاستجابة الإنسانية في مأرب، ومنع تدهور الأوضاع إلى مستويات أكثر خطورة.