المخرجة جين كامبيون: بطلات أفلامي يبحثن عن الحرية

تشترك في مسابقة مهرجان فنيسيا بعد أيام

TT

المخرجة جين كامبيون: بطلات أفلامي يبحثن عن الحرية

بعد 12 سنة على ابتعادها عن الأضواء والمهرجانات، تعود المخرجة النيوزلندية (التي تعمل وتعيش في أستراليا) جين كامبيون إلى المناسبات السنوية الكبرى. المرّة الأخيرة التي توجهت فيها لمهرجان سينمائي كبير وقعت سنة 2009، عندما أمّت مهرجان «كان» بفيلمها العاطفي «نجم مشع» (Bright Star).
«نجم مشع» هو أيضاً آخر فيلم أنجزته إلى أن أقدمت خلال صيف وشتاء عام 2020 على تصوير فيلمها الجديد «قوّة الكلب» (Power of the Dog). في منتصف العام الماضي، بدأت عمليات ما بعد التصوير، وهذه استغرقت نحو عام كامل تبعاً لانتشار وباء «كوفيد - 19». وفي 26 من يوليو (تموز)، أنجزت النسخة النهائية من الفيلم لحساب شركة «نتفلكس» المنتجة التي أرسلته إلى إدارة مهرجان «فنيسيا» الذي سيفتتح دورته الـثامنة والسبعين في الأول من سبتمبر (أيلول) الآتي، وهذا بدوره لم يتردد في قبوله ضمن المسابقة.
صوّرته في نيوزيلاند، لكن أحداثه تقع في الغرب الأميركي (ولاية مونتانا، سنة 1925). تروي فيه حكاية عاطفية (كشأن أعمالها الأخرى عموماً) حول الرجل الذي يسيء لنفسه من دون أن يدري. وسيلته في ذلك سوء معاملته للمرأة التي يحب ما يدفعها للزواج من رجل آخر. هذا يقلب حياته، ويدعوه لمراجعة نفسه أملاً في إصلاح العطب الذي أصاب عائلته.

- تقدير ونقد
وُلدت جين كامبيون قبل 67 سنة في مدينة ويلنغتون في نيوزيلاند ودرست الفن في لندن أولاً ثم في سيدني، أستراليا بهدف التحوّل إلى رسّامة. لكنها ألغت الفكرة لاحقاً عندما قررت أن تدخل عرين السينما.
أمّت، تبعاً لذلك القرار، الأفلام القصيرة، وأرسلت أول فيلم قصير لها، وعنوانه «قشر» (Peel)، للاشتراك في مهرجان «كان» السينمائي سنة 1982، حيث خرجت من هناك بجائزة ذهبية لهذه الفئة من الأفلام.
عندما قامت بعد سبع سنوات حققت فيها خمسة أفلام قصيرة أخرى، بعرض فيلمها الطويل الأول «سويتي» في ذلك المهرجان، ووُوجه بالصفير غالباً. هذا لم يمنعها من الاستمرار ولو أنها عموماً تأخذ نفساً طويلاً بين الفيلم والآخر، خصوصاً في السنوات الأخيرة.
في عام 1990، حققت «ملاك على طاولتي» (An Angel at My Table) لتتبعه بعد ثلاث سنوات بفيلمها الأشهر «البيانو» الذي فاز بسعفة مهرجان «كان» الذهبية. Portrait of a Lady («بورتريه سيدة»، 1996) كان فيلمها التالي ثم Holy Smoke بعده بثلاثة أعوام آخر، وبعد أربع سنوات فيلم لم يشهد عروضاً كثيرة عنوانه In the Cut، وصولاً إلى «برايت ستار» (2009)، وبعده هذا الفيلم الجديد.
اختيار «مهرجان فنيسيا» ليس جديداً عليها؛ إذ شاركت فيه سابقاً عبر فيلميها «هولي سموك» و«بورتريه سيدة». وكلا هذين الفيلمين يتمحور حول المرأة كذلك أفلامها السابقة لها. هي صوت المرأة في السينما النيوزلندية - الأسترالية كما يصفونها هناك، ويوافق عدد لا بأس به من النقاد الغربيين عليه.
حفلت أفلامها بتقديرات نقدية عالية، لكن هذا لم يمنع انتقادات مختلفة حتى عندما أنجزت أحد أفلامها الأهم، وهو «بورتريه سيدة» الذي اقتبسته عن رواية هنري جيمس المنشورة سنة 1881. معظم النقد السلبي دار حول حقيقة المعالجة المعصرنة التي قامت المخرجة بها لرواية كلاسيكية. لكن هذه المعالجة يمكن لها، وعلى نحو صحيح، أن تعتبر ميزة الفيلم، وليست نقيصته. ما ليس هناك من تفسير مقنع له البرودة التي سرت على أحداث وشخصيات الفيلم كما لو أن المخرجة فضلت اتخاذ موقع شخصي بعيد عما تعرضه.
المقابلة التالية تمّت قبل توجهها القريب لـ«مهرجان فنيسيا» لجانب الممثلين الرئيسيين، وهما بندكت كمبرباتش وكرستن دنست.

- الرواية تعيش في الداخل
> كوني لم أشاهد الفيلم بعد يدفعني للتساؤل حول ما الذي دفعك لتحقيق هذا الفيلم؟
- عندما قرأت رواية توماس سافاج قبل عدة سنوات... أعتقد حال نشرها سنة 2002. أدركت أن علي أن ألغي مشروعاً آخر كان يعيش في مخيّلتي منذ فترة. فكّرت في لو أن ذلك المشروع داهمني كما داهمني هذا الفيلم، لما ترددت في إنجازه. أنا بطيئة القرارات وحذرة في الاختيار. رواية توم سافاج أذهلتني بما ترويه في صميم شخصياتها وفي الطبيعة الشاسعة الذي اختارها المؤلف موقعاً لروايته. قررت زيارة المكان الذي اختاره، وحسناً أني فعلت ذلك، لأنني اكتسبت ملامح روحانية ونفسية عميقة.
> الكلب في العنوان هو صفة رمزية لبطل الفيلم «فِل»، إذا ما كان ذلك صحيحاً...
- صحيح. «فِل» في الرواية شخص متناقض. تخاله في البداية ليبرالياً منفتحاً ومتحرراً، لكنه يكشف حين اتخاذه القرارات عن عجز في التواصل مع الآخرين، حتى بالنسبة للمرأة التي يحب.
> أفهم أن عدة سنوات مرّت قبل أن تزوري المكان الذي دارت فيه الأحداث إذن؟ أسأل لأن زيارتك تمّت سنة 2018 بعد أعوام كثيرة من قراءتك لها.
- صحيح. خلال هذه السنوات لم يفتر حماسي لهذه الرواية، وربما مرور السنوات عمل لصالحي، لأنني في الحقيقة أحتاج لوقت أعايش فيه ما أريد تصويره. الرواية، أقصد أي رواية، عليها أن تعيش في داخل المخرج الذي يطمح لنقل ما فيها من أجواء وأفكار. طبعاً هذا لا يحدث مع كل مخرج. البعض يستلهم أسرع من البعض الآخر. لكن الاستلهام ليس كل شيء. زيارتي لمونتانا، ولحيث عاين الكاتب الأماكن التي زارها، كانت مهمّة جداً وترجمت في بالي ما قرأته. أصبحت الصورة واضحة تماماً عندي.
> هناك إجماع واضح على أن أفلامك تتمحور حول المرأة أولاً. ما الرسالة التي تريدين إيصالها إلينا في هذا الصدد؟
- نعم. بطلات أفلامي عادة وليس دائماً نساء. وكما حال العديد من مجتمعاتنا، بما فيها الغربية، فإنهن يبحثن في أفلامي عن الاستقلالية الذاتية؛ عن اتخاذ القرار بمعزل عن الضغوط وحتى بمعزل عن الرجل أو المجتمع الذي تبنّى أن الرجل يقود والمرأة تتبع.
في اعتقادي أن هذا الدور طبيعي بالنسبة لي. أنا لا أتحدث من منطلق التفضيل بين الرجل والمرأة، بل من منطلق الحاجة لأن تحقق المرأة ما ترغب هي في تحقيقه. هذا كان، مثلاً، السعي الأول لبطلة فيلمي «البيانو».
> نال «البيانو» السعفة الذهبية لأفضل فيلم سنة 1993، وكنت بذلك أول امرأة نالت هذه السعفة، والمرأة الوحيدة التي فازت بها حتى خرجت نتائج مهرجان «كان» هذا العام بفوز جوليا دوكورنو عن فيلم «تيتان». كيف تنظرين إلى هذا الواقع؟
- لا أعتقد أنني أستطيع التعقيب على الاختيارات ذاتها. أقصد اختيارات لجنة التحكيم، ولم أشاهد معظم الأفلام التي عرضها مهرجان «كان» منذ سنة 1993، حتى أحلل المسألة كما ترغب. لكن في العموم يوحي لي ما ذكرته، وهو بالمناسبة ناتج عن ملاحظة مهمّة، أن المسألة لافتة وربما غير قابلة لتفسير مقبول. كما ذكرت، لا أستطيع تحديد أحقية من فاز أو لم يفز. رغم هذا تبدو الملاحظة في محلها.
> كنتُ رئيسة لجنة التحكيم سنة 2014 والجائزة الأولى ذهبت إلى رجل.
- صحيح. نالها «وِنتر سليب» (Winter Sleep) لكن المسابقة كانت مليئة بالأفلام التي تستحق الفوز والجائزة الثانية في الأهمية منحناها إلى «الأعاجيب» (The Wonders). وكان ذلك بعد نقاش طويل، كما أذكر، لكنه انتهى بالإجماع.

- طريق إلى الفيلم الجيد
> بدأت العمل على أفلام قصيرة ونلت أيضاً السعفة في هذا المجال قبل سبع سنوات على ما أعتقد من فوزك بالسعفة عن «بيانو».
- تقصد فيلم «Peel».
> نعم. السؤال إذا ما كان تحقيق فيلم قصير هو الوسيلة الناجحة للانتقال بعد ذلك إلى الفيلم الطويل أم لا؟
- ليس هناك من شرط في هذا الوضع كما تعلم. كثيرون أقدموا على تحقيق أفلامهم الطويلة من دون المرور عبر باب الفيلم القصير. لكن في رأيي أن تحقيق أفلام قصيرة من شأنه أن يكون تدريباً جيداً.
أقصد أنه في الواقع لا تستطيع أن تصبح مخرجاً جيداً وأنت جالس اليوم وراء الكومبيوتر أو لمجرد رغبتك في أن تصنع أفلاماً. عليك أن تكتب وعليك أن تتابع وعليك أن تصنع نفسك بنفسك، وكثيرون صنعوا أنفسهم بأنفسهم من دون حتى دراسة السينما في المعاهد. هما كلمتان: الجدية والعزيمة.
> هل هناك مخرجون تتابعين أعمالهم أكثر من سواهم أو مخرجون تأثرت بهم؟
‫ - نعم. هناك هامش عريض من المخرجين ولكل واحد اختلافه عن الآخر. تابعت أفلام ألان رينيه وجان رنوار وفيم فندرز وبرايان دي بالما ونيكولاس روغ. لروغ تأثير كبير كذلك على ديفيد لينش.‬
> ما العنصر الأهم الذي لا غنى عنه عندما تقفين وراء الكاميرا لتحقيق فيلم لك؟
- بالنسبة إليّ أحاول توفير أفضل الوسائل للإحساس بالحكاية وشخصياتها. أفتح بالي وصدري لكي أستقبل الحكاية التي أريد أن أسردها وألم بكل ما تحتويه من مشاعر وأمارات نفسية أو عاطفية. لا أدري إذا كنت شاهدت مسلسل «China Girl» الذي كتبته للتلفزيون. واجهتني هنا معضلة البحث عن الطريقة التي أستطيع بها الحفاظ على النص، من فقدان الاهتمام الذاتي بشخصياته وبالمفارقات المختلفة التي تقع لبطلته طوال الوقت. هذا كان التحدي الأكبر.
> أي من أفلامك تعودين إلى مشاهدته أو لديه عندك تفضيل خاصّ؟
- أعتقد «بورتريه سيدة» (The Portrait of a Lady) هو الفيلم الذي أعود إليه أكثر من سواه. هذا بسبب قصّته القوية، وأعتقد أنني بذلت فيه الكثير لأجعله فيلم جيد والنقاد وافقوا، ولو أن كثيرين لم يقدّروا الجهد الكبير الذي بذلته نيكول كدمان فيه للأسف.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».