احتدام الخلاف بين الرئيس اللبناني وحاكم «المركزي»

بلاغ «بحث وتحرٍ» بحق رياض سلامة من دون قيمة قانونية

TT

احتدام الخلاف بين الرئيس اللبناني وحاكم «المركزي»

أفادت وسائل إعلام محلية لبنانية بأن المدعية العامة في جبل لبنان، القاضية غادة عون (المقربة من رئيس الجمهورية)، أصدرت بلاغ بحثٍ وتحرٍ بحق حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، لامتناعه عن المثول أمامها في ملفات قضائية كانت ادعت فيها عليه.
وكانت القاضية عون قد استدعت سلامة الأسبوع الماضي، في ملف التحويلات النقدية الحاصلة بين عامي 2019 و2021، كون لجنة الرقابة على المصارف مرتبطة بسلامة مباشرة. وقالت قناة «إل بي سي»، أمس، إن عون أصدرت بلاغ بحثٍ وتحرٍ لمدة شهر بحق سلامة.
ولا يصبح القرار نافذاً إذا لم يُحل إلى مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات لإحالته إلى الأجهزة الأمنية لتنفيذه. ونقلت وكالة «أخبار اليوم» عن مرجع قضائي تأكيده أن «أي جهاز أمني أو عسكري في لبنان غير مخول تنفيذ القرارات الصادرة عن القاضية عون بفعل أنها مجردة من صلاحياتها، بموجب قرار سبق أن أصدره عويدات، وبالتالي لا قيمة قانونية لما صدر عنها».
وقال المرجع القضائي إن كل الأجهزة الأمنية «تبلغت في السابق قرار القاضي عويدات بتوزيع صلاحيات القاضية غادة عون على 3 قضاة في النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، وبالتالي فإن أي قرار في أي ملف مالي يجب أن يكون صادراً عن الرئيس سامر ليشع، وليس عن عون التي سُحبت منها صلاحياتها بالنظر أو متابعة أي ملف مالي، خصوصاً أن قرار الرئيس عويدات ألزمها بتسليم كل الملفات التي بحوزتها».
وأشارت مصادر مالية وقضائية إلى أن قرار القاضية عون كان مفاجئاً، ولا يمكن عزله عن «صراع الإرادات» بين فريق رئاسة الجمهورية من جهة، ورأس السلطة النقدية المدعوم من فريق سياسي معارض لعون من جهة أخرى، وذلك بمعزل عن الحيثيات القانونية الخارجية التي حركتها دعاوى غير رسمية ودعاوى مضادة في بلدان أوروبية.
وبدا من القراءات السياسية والمالية للوقائع الجارية، وفقاً للمصادر المتابعة التي تواصلت معها «الشرق الأوسط»، أن الخلاف المستحكم حول استمرار دعم المحروقات ليس سوى رأس جبل الجليد الذي يطفو فوق سطح الأزمات والملفات الخلافية المتشعبة بين أفرقاء الداخل، ويطول الضغوط المتبادلة، وفي صلبها محاولات تأليف الحكومة التي يتولاها الرئيس نجيب ميقاتي، مع الإشارة إلى تسريبات إضافية لم يتم نفي مضمونها، توحي بضم ملف سلامة إلى الشروط أو حزمة الالتزامات المسبقة للحكومة الموعودة.
وفي الجانب التقني، أوضحت المصادر أن تمويل الدعم عموماً، والمحروقات خصوصاً التي تتطلب اعتمادات تتعدى 3 مليارات دولار سنوياً، يمثل معضلة حقيقية بعد انكشاف نضوب الاحتياط الحر لدى البنك المركزي، والتمادي بتأخير اعتماد البطاقة التمويلية المخصصة لسد الفوارق التي ستنجم عن وقف الدعم على المواد الأساسية. وبذلك، تباعدت المواقف «النقدية» بين صرامة المجلس المركزي لمصرف لبنان بعدم الصرف من التوظيفات الإلزامية بالدولار، بصفتها حقوقاً حصرية للمودعين في الجهاز المصرفي، وإصرار أصحاب القرار في السلطة التنفيذية القائمة على مواصلة الدعم، ولو بتعديل سقوف تسعير الدولار التمويلي، علماً بأن الدعم استنزف أكثر من 12 مليار دولار خلال 20 شهراً متتالياً من عمر الأزمة.
ونوهت المصادر بأهمية «التوقيت» الذي تزامن مع انكشاف الرغبة الرئاسية بعزل سلامة ومعاقبته، ولو من دون إفصاح مكتمل، وهو ما برز علناً عبر محاولة تحويل ملفه والتهم الرئاسية الموجهة إليه إلى جلسة استثنائية لحكومة تصريف الأعمال، ما لبثت أن جوبهت برفض انعقادها من قبل رئيسها حسان دياب، ثم تكرار المحاولة سريعاً عبر رسالة الرئيس عون بالمحتوى عينه إلى مجلس النواب، من دون تحقيق النتائج المتوخاة.
وتندرج هذه الوقائع تلقائياً، بحسب المصادر، ضمن سلسلة المستجدات الطارئة على حلبة «الكباش» بين الطرفين، وهو ما تجلى بداية بكشف سلامة عن قرار المجلس المركزي لمصرف لبنان وقف الدعم التمويلي للمحروقات، مؤكداً إبلاغ القرار إلى الاجتماع الوزاري والمالي الذي ترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون. وما لبث الفريق الرئاسي، بقيادة النائب جبران باسيل، أن شن حملة مضادة شعواء ضد الحاكم بمفرده، من دون شمول المجلس المركزي، بصفته صاحب القرار أو التطرق إلى مسؤوليات مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان.
وبدوره، لم يكن سلامة أقل صدامية بصراحته، وبتحميل المسؤولية لمن يطالب بمواصلة الدعم التمويلي، شارحاً في حديث إذاعي له منتصف الشهر الحالي: «تريدون أن نصرف من الاحتياطي الإلزامي، نحن حاضرون لذلك، لكن شرعوا الأمر»، مؤكداً أنه «لم نتخذ هذا القرار لنقوم بأي انقلاب سياسي، أو منع تشكيل الحكومة، هذا كله غير صحيح. وما يصورونه أن الحاكم اتخذ القرار منفرداً غير صحيح أيضاً، إنما المجلس المركزي هو الذي يقرر السياسات. أنا ملزم بقرارات المجلس المركزي، واليوم هناك حل بسيط يكمن في جلسة لمجلس النواب؛ لا يمكنني أن أتراجع عن القرار لأن هناك مؤسسة وقرارات صادرة عن المجلس المركزي يجب احترامها، ومصرف لبنان وقف إلى جانب اللبنانيين، وسيبقى إلى جانبهم، منذ بدء الأزمة، على الرغم من كل ما سمعناه، والتشكيك بسياساتنا، ودولارات مصرف لبنان هي التي أبقت لبنان واقفاً على رجليه».
لكن ما يجدر التوقف عنده ملياً هو البعد السياسي غير المألوف الذي عبر عنه سلامة، رداً على تصريحات «نارية» بحقه من قبل باسيل، إذ قال في هذه المجابهة: «أنا حاكم المصرف المركزي، وهو حاكم البلد، ولا أريد أن آخذ مكانه».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.