كمامات «كورونا» تلوث العالم

TT

كمامات «كورونا» تلوث العالم

هبّت رياح «كورونا»، فأربكت حسابات العالم، وألقت بظلالها على شتى مناحي الحياة، مثل السياسة والاقتصاد، والسفر والحياة الاجتماعية، والعلاقات بين الدول. وبعد أن كان العلم الحديث يركز على التوصل إلى لقاحات أو أدوية أو بروتوكولات علاجية للتصدي لهذه المحنة الصحية التي ألمّت بالبشرية، بدأ العلماء يلتفتون إلى أن هذه الجائحة لها أضرار أخرى جانبية لم تكن في الحسبان، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.
فمنذ تفشي جائحة كورونا بداية العام الماضي، أصبحت كمامات الوجه، وغيرها من وسائل الحماية الشخصية التي تستخدم للوقاية من الفيروس المستجد ضرورة لا غنى عنها للبشر بشكل عام، وللعاملين في قطاع الصحة بصفة خاصة.
ومع تزايد الطلب على كمامات الوجه من نوعية «إن 95» التي تستخدم لمرة واحدة، أصبح واضحاً للعيان، أن هذه الكمامات لها أضرار مالية وبيئية ضخمة، حيث تشير التقديرات إلى أن جائحة كورونا تتسبب في نفايات طبية لا تقل عن 7299 طناً يومياً، وتتكون معظمها من كمامات وجه من النوعية التي تستخدم لمرة واحدة، بل وحتى مع تراجع حدة الجائحة في بعض دول العالم، ما زال من المتوقع أن يستمر العاملون في الحقل الطبي في ارتداء هذه الكمامات معظم أوقات عملهم.
وكشفت دراسة حديثة أجراها معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا لبحث الآثار المالية والبيئية لاستخدام أنواع كمامات الوجه المختلفة، عن أنه من الممكن خفض هذه التكلفة بشكل كبير عن طريق استخدام أنواع الكمامات التي يمكن ارتداءها أكثر من مرة. وأثبتت هذه الدراسة، أن تعقيم الكمامات من نوعية «إن 95»، بحيث يستطيع العاملون في مجال الصحة استخدامها لأكثر من يوم واحد، يمكن أن يخفض من الأضرار البيئية والمالية لهذه الكمامات بنسبة 75 في المائة على الأقل، مقارنة باستخدام كمامة جديدة عند التعامل مع كل مريض.
ويقول جيوفاني ترافيرسو، طبيب الجهاز الهضمي والباحث بمعهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا، إن «استخدام وسائل حماية قابلة للاستخدام أكثر مرة لن يؤدي فقط إلى خفض كبير في النفقات، بل أيضاً سوف يحد من النفايات بشكل ملموس».
وخلصت الدراسة التي أوردتها الدورية العلمية الطبية «بريتيش ميديكال جورنال أوبن»، إلى أن استخدام كمامات وجه من نوعية «إن 95» مصنوعة من مادة السيليكون قد يساعد في خفض أكبر في كمية النفايات الطبية. ويعكف ترافيرسو وفريقه البحثي على تطوير مثل هذه الكمامات، التي لا تتوافر في الأسواق في الوقت الحالي.
وفي المراحل الأولى من تفشي «كورونا»، كان هناك نقص في كمامات «إن 95»، واضطر العاملون بالمجال الطبي في كثير من المستشفيات إلى ارتداء كمامة وجه واحدة طوال اليوم بدلاً من تغيير الكمامة عند التعامل مع كل مريض، وفي وقت لاحق، بدأت بعض المستشفيات في استخدام أنظمة لتعقيم الكمامات بواسطة بخار مادة بيروكسيد الهيدروجين؛ وهو ما كان يسمح بارتداء الكمامة الواحدة لأيام عدة. وبدأ ترافيرسو وزملاؤه العام الماضي في تطوير كمامات «إن 95» قابلة لإعادة الاستخدام مصنوعة من السيليكون ومزودة بمرشح للهواء يمكن تغييره أو تعقيمه بعد الاستخدام. وكانت هذه الكمامات مجهزة بحيث يمكن تعقيمها بالسخونة أو المبيضات من أجل استخدامها أكثر من مرة.
ويقول ترافيرسو في تصريحاته التي أوردها الموقع الإلكتروني «ساي تيك ديلي» المتخصص في العلوم والتكنولوجيا، إن «رؤيتنا كانت تتمثل في أنه إذا كانت لدينا منظومة لإعادة استخدام الأقنعة، فإنه من الممكن أن نخفض التكلفة»، مضيفاً أن «الغالبية العظمى من كمامات الوجه التي تستخدم لمرة واحدة لها تأثير ملموس على البيئة، حيث إنها تستغرق وقتاً طويلاً للغاية كي تتحلل. وأثناء الجائحة، تتركز الأولوية على حماية البشر من الفيروس، وبالطبع هذه المسألة تظل هي الأولوية، ولكن على المدى الطويل، علينا أن نتدارك الأمر ونفعل الصواب، ولا بد أن نفكر بجدية في تقليل الآثار السلبية لهذه الكمامات على البيئة».
وفي إطار الدراسة، قرر الفريق البحثي في معهد ماساشوسيتس اختبار أكثر من سيناريو لاستخدام كمامات الوجه أثناء الجائحة، بما في ذلك ارتداء كمامة «إن 95» للتعامل مع كل مريض على حدة، أو ارتداء كمامة واحدة على مدار اليوم، أو إعادة استخدام الكمامة بعد تعقيمها بواسطة الأشعة فوق البنفسجية أو بيروكسيد الهيدروجين، وأخيراً استخدام قناع جراحي واحد على مدار اليوم.
وأظهرت التحليلات، أنه إذا ما استخدم كل شخص يعمل في المجال الطبي بالولايات المتحدة كمامة وجه جديدة من نوعية «إن 95» عند فحص كل مريض خلال الأشهر الستة الأولى من تفشي الجائحة، فإن إجمالي عدد الكمامات المطلوب سوف يصل إلى 4.‏7 مليار كمامة بتكلفة تبلغ 4.‏6 مليار دولار، وسوف ينتج من ذلك 84 مليون كيلوغرام من النفايات (بما يوازي وزن 252 طائرة بوينغ طراز 747). أما في حالة تطبيق استراتيجية استخدام كمامات الوجه القابلة للاستخدام أكثر من مرة، توصل فريق الدراسة إلى أن ذلك سيؤدي إلى خفض ملموس في التكلفة وحجم النفايات، حيث إنه إذا ما استخدم كل عامل رعاية صحية كمامة «إن 95» مستعملة بعد تعقيمها بواسطة الأشعة فوق البنفسجية أو بيروكسيد الهيدروجين، فإن التكلفة سوف تنخفض إلى ما بين 4.‏1 مليار و7.‏1 مليار دولار خلال ستة أشهر، مع تراجع حجم النفايات إلى ما بين 13 و18 مليون طن (بما يوازي ما بين 39 و56 طائرة بوينغ).
وتؤكد جاكلين تشو، وهي طبيبة في مستشفى ماساشوسيتس العام، أن «كمامات الوجه جاءت لتبقى خلال المستقبل المنظور، وبالتالي من الضروري دمج عامل الاستدامة في استخدامها هي وغيرها من وسائل الحماية الشخصية التي تؤدي إلى تفاقم مشكلة النفايات الطبية».
ورغم دور حملات التطعيم في الحد من انتشار فيروس كورونا، يرى ترافيرسو أن الأطقم الطبية سوف تستمر على الأرجح في استخدام كمامات الوجه خلال المستقبل القريب للوقاية، ليس فقط من فيروس كورونا، ولكن من باقي أمراض الجهاز التنفسي مع الإنفلونزا.


مقالات ذات صلة

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

الصين: شاركنا القدر الأكبر من بيانات كوفيد-19 مع مختلف الدول

قالت الصين إنها شاركت القدر الأكبر من البيانات ونتائج الأبحاث الخاصة بكوفيد-19 مع مختلف الدول وأضافت أن العمل على تتبع أصول فيروس كورونا يجب أن يتم في دول أخرى

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد أعلام تحمل اسم شركة «بيونتيك» خارج مقرها بمدينة ماينتس الألمانية (د.ب.أ)

«بيونتيك» تتوصل إلى تسويتين بشأن حقوق ملكية لقاح «كوفيد»

قالت شركة «بيونتيك»، الجمعة، إنها عقدت اتفاقيتيْ تسوية منفصلتين مع معاهد الصحة الوطنية الأميركية وجامعة بنسلفانيا بشأن دفع رسوم حقوق ملكية للقاح «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بفيروس كورونا على نحو مطرد (أ.ف.ب)

الصحة العالمية تعلن عن حدوث تراجع مطرد في وفيات كورونا

بعد مرور نحو خمس سنوات على ظهور فيروس كورونا، تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بهذا الفيروس على نحو مطرد، وذلك حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية في جنيف.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
TT

الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)

فرضت الصين عقوبات على 10 شركات دفاعية أميركية، اليوم (الخميس)، على خلفية بيع أسلحة إلى تايوان، في ثاني حزمة من نوعها في أقل من أسبوع تستهدف شركات أميركية.

وأعلنت وزارة التجارة الصينية، الخميس، أن فروعاً لـ«لوكهيد مارتن» و«جنرال داينامكس» و«رايثيون» شاركت في بيع أسلحة إلى تايوان، وأُدرجت على «قائمة الكيانات التي لا يمكن الوثوق بها».

وستُمنع من القيام بأنشطة استيراد وتصدير أو القيام باستثمارات جديدة في الصين، بينما سيحظر على كبار مديريها دخول البلاد، بحسب الوزارة.

أعلنت الصين، الجمعة، عن عقوبات على سبع شركات أميركية للصناعات العسكرية، من بينها «إنستيو» وهي فرع لـ«بوينغ»، على خلفية المساعدات العسكرية الأميركية لتايوان أيضاً، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

مركبات عسكرية تايوانية مجهزة بصواريخ «TOW 2A» أميركية الصنع خلال تدريب على إطلاق النار الحي في بينغتونغ بتايوان 3 يوليو 2023 (رويترز)

وتعد الجزيرة مصدر خلافات رئيسي بين بكين وواشنطن. حيث تعد الصين أن تايوان جزء من أراضيها، وقالت إنها لن تستبعد استخدام القوة للسيطرة عليها. ورغم أن واشنطن لا تعترف بالجزيرة الديمقراطية دبلوماسياً فإنها حليفتها الاستراتيجية وأكبر مزود لها بالسلاح.

وفي ديسمبر (كانون الأول)، وافق الرئيس الأميركي، جو بايدن، على تقديم مبلغ (571.3) مليون دولار، مساعدات عسكرية لتايوان.

وعدَّت الخارجية الصينية أن هذه الخطوات تمثّل «تدخلاً في شؤون الصين الداخلية وتقوض سيادة الصين وسلامة أراضيها».

كثفت الصين الضغوط على تايوان في السنوات الأخيرة، وأجرت مناورات عسكرية كبيرة ثلاث مرات منذ وصل الرئيس لاي تشينغ تي إلى السلطة في مايو (أيار).

سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني تبحر بالقرب من جزيرة بينغتان بمقاطعة فوجيان الصينية 5 أغسطس 2022 (رويترز)

وأضافت وزارة التجارة الصينية، الخميس، 28 كياناً أميركياً آخر، معظمها شركات دفاع، إلى «قائمة الضوابط على التصدير» التابعة لها، ما يعني حظر تصدير المعدات ذات الاستخدام المزدوج إلى هذه الجهات.

وكانت شركات «جنرال داينامكس» و«شركة لوكهيد مارتن» و«بيونغ للدفاع والفضاء والأمن» من بين الكيانات المدرجة على تلك القائمة بهدف «حماية الأمن والمصالح القومية والإيفاء بالتزامات دولية على غرار عدم انتشار الأسلحة»، بحسب الوزارة.