«قانون السايس»... شوارع مصر تودع الانتظار المجاني للسيارات

القاهرة والجيزة تبدآن تطبيقه وسط اعتراضات

«قانون السايس»... شوارع مصر تودع الانتظار المجاني للسيارات
TT

«قانون السايس»... شوارع مصر تودع الانتظار المجاني للسيارات

«قانون السايس»... شوارع مصر تودع الانتظار المجاني للسيارات

ظلت سارة محمود، موظفة بالقطاع الخاص في مصر، والمقيمة بحي الدقي بالجيزة (غرب القاهرة)، تشكو لسنوات طويلة من صعوبة العثور على أماكن لركن سيارتها في شوارع العاصمة المكتظة بآلاف السيارات، ومن مضايقات «السايس» الذي يعطي لنفسه حق فرض تعريفة غير موحدة لركن السيارات في الشوارع ذات الملكية العامة، ورغم تفاؤلها العام الماضي، بالضجة الإعلامية التي صاحبت إقرار «قانون السايس» وروجت له باعتباره «المخلص من مشاغبات «السايس»، و«الموفر» لأجرة ركن سياراتها بأحد الجراجات الخاصة بجوار المنزل والتي تبلغ 600 جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 15.7 جنيه مصري)، لكنها فوجئت بـ«فرض القانون رسوم انتظار مرتفعة جداً مقارنة بتعريفة السايس»، على حد تعبيرها.
وبدأت بعض أحياء محافظتي القاهرة والجيزة تطبيق «قانون السايس»، وسط اعتراضات من بعض المواطنين على رسوم الانتظار في الشوارع الرئيسية والجانبية وأسفل العقارات، وعدم وضوح كيفية تطبيقه.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى وجود 2200 موقف سيارات عشوائي، لكن الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة المحلية والحكومية، يقدرها بأكثر من ستة آلاف موقف عشوائي، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: إن «أماكن انتظار السيارات العشوائية تهدر على الدولة ما لا يقل عن 88 مليار جنيه على الأقل في صورة مخالفات أو رسوم أو حتى رخصة للسايس، والتي تتراوح قيمتها من ألف إلى ثلاثة آلاف جنيه حسب المكان».
وصدق الرئيس عبد الفتاح السيسي على القانون رقم 150 لعام 2020 في يوليو (تموز) 2020، وينص على «إنشاء لجنة بكل محافظة ومدينة لتنظيم انتظار السيارات، تتولى تحديد أماكن الانتظار، والرسوم المقررة على انتظار المركبات بهذه الأماكن، وأجاز القانون للمحافظ أو رئيس جهاز المدينة بالمجتمعات العمرانية الجديدة طرح حق الاستغلال لكل جزء من أماكن الانتظار بالمحافظة أو المدينة للشركات أو الأفراد بحد أقصى عشر سنوات، وفرض القانون عقوبة على كل من تولى مهمة السايس دون ترخيص، بالحبس مدة لا تتجاوز 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تزيد على 10 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ورغم ذلك فإن عرفة يشدد على أن «قانون السايس يحتاج إلى مراجعة، لأنه لا يتضمن استخدام التكنولوجيا، كما لا ينص على توقيتات محددة للتنفيذ، وبالتالي بدأت محافظتان فقط تنفيذه في بعض الأحياء».
وأعلنت محافظة الجيزة بدء تنفيذ القانون في بعض شوارع حي الدقي برسوم تبلغ 10 جنيهات للانتظار المؤقت للسيارة الملاكي، و20 جنيهاً للانتظار المؤقت للسيارة نص النقل، و30 جنيهاً للانتظار المؤقت للحافلات الكبيرة، و300 جنيه شهرياً للمبيت أسفل العقار.
وتتساءل سارة بنبرة غاضبة «كيف سيتم تنظيم مبيت السيارات أسفل العقارات، وما الخدمة التي سيحصل عليها المواطن نظير الرسوم، خصوصاً أن معظم من يضعون سياراتهم أسفل العقارات يتعاملون مع بوابين أو سايس في الشارع يقوم بتنظيف السيارة وحجز مكان الانتظار نظير مقابل مادي، فهل سيدفع المواطن مرتين؟». متوقعة «ارتفاع أسعار ركن السيارات بالجراجات الخاصة بسبب زيادة الإقبال عليها ومحدودية مساحتها».
ويفضل الكثير من المواطنين في مصر ركن سيارتهم الخاصة في جراجات خاصة تتراوح أسعارها ما بين (350 جنيه إلى 700 جنيه) حسب تميز كل منطقة، وعدم ركنها في الشوارع لتفادي حوادث السير وتعرضها لصدمات وحوادث مفاجئة، أو سرقتها، بالإضافة إلى قيام عمال الجراجات بتنظيفها وحمايتها من السرقة.
ويقول محمد عبد الله، عامل في جراج خاص في حي الدقي، لـ«الشرق الأوسط» إن «مهمته في الجراج لا تقتصر على حجز مكان للسيارة بل تتضمن حمايتها وتنظيفها، كما أنه متعاقد مع بعض المواطنين للعناية بسياراتهم خارج الجراج»، متسائلاً: «كيف سيتم تنظيم أماكن انتظار السيارات في الشارع، وكيف أتولى مهمة تنظيفها ورعايتها».
ورغم تأكيد بعض المسؤولين على أن القانون يهدف إلى إعادة الوجه الحضاري للشوارع المصرية ومنع تكدس السيارات ومواجهة بلطجة «السايس»، فإن الكثير من المواطنين كتبوا تعليقات غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، أشاروا فيها إلى ارتفاع أسعار انتظار السيارات في القانون مقارنة بالسايس.
بينما أشاد عدد من أعضاء مجلس الشعب بالقانون، إذ قال المهندس أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، في تصريحات تلفزيونية، إن «القانون يعظم موارد الدولة، ويخدم المواطن بما يقضي على المشاهد الفوضوية بشكل كامل».
ويشير عرفة إلى أن «القانون يسمح بإسناد عملية التنظيم للشركات الخاصة، لكن التسعير المعلن من قبل محافظة الجيزة غير واضح، والأسعار المنشورة في وسائل الإعلام مبالغ فيها، وأعتقد أنه يجب مراجعتها».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».