دبي تستضيف «من قلبي سلام لبيروت»

22 فيلماً من 22 بلداً

الممثلة دارين حمزة تشارك في لجنة التحكيم للمهرجان
الممثلة دارين حمزة تشارك في لجنة التحكيم للمهرجان
TT

دبي تستضيف «من قلبي سلام لبيروت»

الممثلة دارين حمزة تشارك في لجنة التحكيم للمهرجان
الممثلة دارين حمزة تشارك في لجنة التحكيم للمهرجان

مهرجانات ومناسبات عديدة تُؤجّل في لبنان حتى إشعارٍ آخر بسبب الأزمات المتلاحقة التي تشهدها البلاد. فبعد إعلان جائزة الـ«موركس دور»، مؤخرا عن نقل موعد حفلها الذي كان مقرراً في 18 الحالي إلى تاريخ يعلن في حينه، ها هو مهرجان الأفلام «من قلبي سلام لبيروت» يحذو حذوها ويقرر إقامة المهرجان في دبي. لماذا دبي؟ «لأننا ودبي جيران» يقول مدير المهرجان بلال خريس، ويتابع في حديث لـ(الشرق الأوسط): «لأن كل التسهيلات التي نحتاجها للحفل متوفرة. كنا ننوي تنظيم المهرجان في مبنى اليونيسكو في بيروت برعاية وتوجيهات من وزارتي الثقافة والإعلام، إلا أن تدهور الأوضاع الاقتصادية وانقطاع التيار الكهربائي وفقدان مادتي البنزين والمازوت، يحولان دون انطلاق المهرجان في لبنان».
المهرجان في نسخته الأولى تواجهه عقبات كثيرة. ففرص استضافة بعض المشاهير وتوفير كل التقنيات المحيطة به، دفعت بمنظميه إلى التفكير بحلول سريعة تنقذهم من الوضع المتردي الذي وجدوا أنفسهم فيه. فالتحضيرات للمهرجان كانت قد بدأت منذ أشهر قليلة. جرى الاتصال بالبلدان الراغبة في المشاركة، كما تألفت لجنة متخصصة تشرف على اختيار الأعمال الملائمة. ومن بين 2922 فيلماً خضعوا لمراحل تصفيات متتالية، وصل 22 فيلماً من 22 بلداً عربياً وأجنبياً إلى التصفيات النهائية. كما تشكل مجلس إدارة المهرجان من مجموعة نجوم لبنانيين وعرب، وبينهم الممثل الكويتي داوود حسين كمشرف عام وسوزان نجم الدين نائب رئيس المهرجان والمخرجة ورندلى قديح مدير عام مساعد، وغيرهم. كما يشارك في لجنة التحكيم الممثلة دارين حمزة وميمو مانشيتي من إيطاليا وتوماس وورنر من أميركا، إضافة إلى السيناريست السوري مازن طه وغيرهم.
ويعلق مدير المهرجان المخرج السينمائي بلال خريس في معرض حديثه: «لقد لفتنا تعاون دول عديدة معنا، أبدت رغبتها في المشاركة، من خلال أفلام سينمائية قصيرة تتراوح مدتها بين 4 و22 دقيقة. ومن بين هذه الدول المكسيك وأوكرانيا وإسبانيا والبرازيل ومصر والبرتغال وغيرها. ونحن على اتصال دائم مع المخرجين المشاركين الذين يتوقون لمعرفة التاريخ النهائي لإقامة المهرجان».
المهرجان وبعد اتخاذ القرار بنقله إلى دبي، اتخذ عنواناً يرمز إلى العلاقة الوطيدة بين البلدين «من دبي سلام لبيروت». ويقول خريس: «لم نرغب في إلغائه لأننا نتمسك باستمرارية دور لبنان الريادي الفني. ومعه سنزرع الأمل من جديد في عودة بيروت إلى الخريطة الثقافية الفنية العالمية. ولعل تهافت مخرجين أجانب وعرباً للمشاركة فيه، دفعنا إلى الإصرار على إطلاق النسخة الأولى من المهرجان، ولو كان من بلد شقيق ومجاور وداعم لبلدنا».
تتنوع الأفلام المشاركة في المهرجان لتشمل موضوعات مختلفة تدور بين عالمي الخيال والواقع والنمط التجريبي إضافة إلى الدراما الكلاسيكية. وتطغى الواقعية والتراجيديا على الأفلام المشاركة من أفريقيا وأميركا وسريلانكا والفلبين. بعضها يتناول مشكلات الإدمان والعنصرية والفقر والعنف كفيلم «Khlesa» أمّا الأفلام المشاركة من روسيا فهي تلامس بشكل لافت العبثية والسوريالية. وبعضها الآخر حمل الواقع القاسي والأليم كما في فيلم «ذا بور بيبل». ومن الأفلام اللبنانية المشاركة في المهرجان «ذا هيرل» ويحكي عن الواقع اللبناني المتأثر بالأزمة المادية. بدورها تقدم الأفلام المصرية المشاركة موضوعات تتعلق بالجيل الجامعي، وغموض المصير الذي ينتظره كفيلم «دبلة سها». ومن الموضوعات التي تتناولها الأفلام المكسيكية المشاركة، تلك التي تدور حول قضايا الحريات المجتمعية في ظل جائحة «كوفيد - 19» والرقابة الرقمية. ويعلق بلال خريس: «كان من المهم جداً أن تشارك معنا أفلام حصدت جوائز عالمية كالفيلم الأوكراني (وندروول). فهي تمثل الثقة التي يعيرها لنا صناع السينما العالمية، ولا سيما في بريطانيا وأميركا وبينها فيلم (oxed)».
بعض الأفلام المشاركة في المهرجان تأتي نتاج ورشات عمل بين شباب ومخرجين عالميين كأصغر فرهاي، وقد تم ترشحها إلى مرحلة النهائيات في المهرجان كفيلم «Fire extinguisher». ويقول خريس «إنّ لجنة المهرجان منفتحة على مختلف التجارب، ولا تضع شروطاً مسبقة سوى دعم الإبداع بكل شرائحه وأطيافه».
ومن الأفلام المشاركة من البحرين واليمن «ركود» و«الحاكم»، وسيُعرضا خلال الأيام الخمسة من المهرجان.
من المتوقع أن يقام المهرجان في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل ويوضح خريس: «نتواصل حالياً مع جهات رسمية وخاصة في دبي، إضافة إلى شركات تتولى رعاية المهرجان. صحيح أنّ المشاركة كانت مجانية، ولكننا في الوقت نفسه نحتاج إلى من يساعد لإقامته على المستوى المطلوب. وهو ما دفع ببعض الشركات الخاصة في دبي إلى دعمنا وتوليها رعاية المهرجان».
تشمل الجوائز التسع المقدمة للفائزين في المهرجان فئات عديدة وبينها «أفضل ممثل» و«أفضل ممثلة» و«أفضل مخرجة» و«أفضل مخرج» و«أفضل فيلم» و«أفضل سيناريو» و«أفضل موسيقى تصويرية»، وغيرها.
ويختم بلال خريس لـ«الشرق الأوسط»: «حزنت كون مدينتي لن تستطيع استضافة مهرجان (من قلبي سلام لبيروت). ولكنني في الوقت نفسه آمل أن أقدم لها الدعم والمساندة من خلال إبقائها على الخارطة الثقافية الفنية. لقد فكرنا في إطلاق النسخة الأولى في تونس أو مصر، ولكننا رسينا على دبي، بسبب إقامة عدد كبير من الفنانين العرب والأجانب فيها، وهو ما سيسهل علينا تأمين الحضور والوهج المطلوب. فدبي بلد صاحب أرضية غنية، ومنصة رائعة لإطلاق أعمال فنية على مختلف المستويات. نتوق إلى إقامة المهرجان في موعده، كما أننا اخترنا الجائزة لتكون مجسماً عن طائر الفينيق الذي يرمز إلى بيروت التي طالما نفضت عنها الرماد لتولد من جديد».


مقالات ذات صلة

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)