أعلنت أوساط الرئاسة الفرنسية، أمس، أن الرئيس إيمانويل ماكرون، اختار نقل رفات المغنية الأميركية جوزفين بيكر، إلى مقبرة العظماء وسط باريس. ومن المقرر أن تجري مراسم النقل في الثلاثين من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. بهذا تكون بيكر التي تحمل الجنسية الفرنسية أيضاً أول امرأة سوداء ترقد تحت قبة مبنى «البانثيون».
وكان الرئيس الفرنسي قد استقبل في «الإليزيه»، الشهر الماضي، خارج مواعيده الرسمية، وفداً من المثقفين الذين حملوا إليه التماساً لنقل جوزفين بيكر من مرقدها الحالي في مقبرة بإمارة موناكو إلى مقبرة في باريس، نظراً لدورها في صفوف المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية. وبعد أسابيع قلائل وافق الرئيس على الطلب بتشجيع من زوجته السيدة بريجيت. وسبق لماكرون أن قرر وضع رفات سيمون فاي، الوزيرة السابقة وأكثر الشخصيات النسائية شعبية في فرنسا، في «البانثيون» عام 2018.
يذكر أن عريضة بهذا الخصوص حملت 40 ألف توقيع لشخصيات فرنسية كانت قد بلغت مكتب الرئيس السابق فرنسوا أولاند، أثناء ولايته، لكنه لم يبت في الأمر. وكان ريجيس دوبريه، المناضل والمفكر المعروف، أول من طرح الفكرة من خلال مقال نشرته صحيفة «لوموند» عام 2013.
لم تكن جوزفين بيكر مغنية عادية، بل فنانة استعراضية أشعلت ليالي العاصمة الفرنسية بأغنياتها ورقصاتها في ثلاثينات القرن الماضي، يوم لم يكن من الشائع أن يقود فنان أسود العروض الموسيقية. وهي قد تزوجت عدة مرات من دون أن ترزق أبناء، لكنها تبنت 12 ولداً وبنتاً. وحازت بيكر التقدير بشكل خاص حين سخرت صوتها وشهرتها وعلاقاتها لدعم فرق المقاومة الفرنسية في الحرب الثانية. لقد قاتلت إلى جوار قوات «فرنسا الحرة» وحملت رتبة عسكرية في قوات الحلفاء، واستحقت بعد النصر عدة ميداليات وأوسمة شرف. وقد أشار قرار نقل رفاتها إلى «البانثيون» مسألة التزامها بقضايا المرأة وحقوق السود في الولايات المتحدة. وكانت واحدة من الذين شاركوا في المسيرة الكبرى التي شهدتها العاصمة الأميركية واشنطن، عام 1963، إلى جانب المناضل مارتن لوثر كينغ.
ولدت فريدا جوزفين مكدونالد (وهذا هو اسمها الحقيقي في حين أن بيكر هو لقب ثاني أزواجها) عام 1906 في مدينة سان لويس في الولايات المتحدة. وكانت أسرتها فقيرة وخلاسية، أي خليطاً من الأعراق البيضاء والسوداء، منحتها لون بشرتها الأسمر الذي لم يكن صفة مرغوبة في بلد يمارس التمييز ضد السود مثل أميركا. فعلى المسارح، كان بعض الحضور يسخر منها ويسمعها تعليقات عنصرية. لكنها كانت تملك شخصية قوية تجعلها لا تبالي، بل تبادر إلى افتعال المواقف الفكاهية لكي تكسب ضحك الجمهور وتفاعله معها. وحدث أن منعت إدارة المسرح الزبائن السود من حضور العروض، فما كان من جوزفين بيكر، إلا أن رفضت أداء استعراضها المثير ما لم تر سوداً وبيضاً في القاعة وجمهوراً من كل الأجناس. وبسبب تلك العنصرية، هربت الفنانة إلى أوروبا، واستقرت في العاصمة الفرنسية.
حين وصلت باريس وقدمت استعراضها وغنت بالفرنسية: «لي عشقان... أنت وباريس»، هبت القاعة واقفة تصفق لها. ورغم أن استعراضها الأول الذي قدمته في خريف 1925، على مسرح «الشانزليزيه» كان يحمل عنوان «المجلة الزنجية»، فإن الباريسيين لم يجدوا فيها فنانة أميركية سوداء بقدر ما كانت أميرة شرقية ذات ملامح خلاسية، وامرأة جريئة إلى حد كبير، ترتدي تنورة مؤلفة من ثمار الموز. وهي لم تكتف بالغناء بل مثلت في السينما، وأدت دور البطولة في فيلم «فينوس الأبنوس»، وألهمت العديد من الكتاب والفنانين، أمثال مواطنها الحائز على «نوبل» إرنست همنغواي، والأديبة الفرنسية كوليت، والرسام الياباني فوجيتا.
رفات المغنية الأميركية جوزفين بيكر إلى {مقبرة العظماء}
بتشجيع من الفرنسية الأولى بريجيت ماكرون
رفات المغنية الأميركية جوزفين بيكر إلى {مقبرة العظماء}
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة