عون: لن أستقيل... ولن يهزني أحد في موقعي

TT

عون: لن أستقيل... ولن يهزني أحد في موقعي

أكد الرئيس اللبناني ميشال عون أنه لن يستقيل، «وسيقوم بواجباته حتى النهاية»، و«لن يهزه أحد إن في موقعه أو في حرصه على مواصلة محاربة الفساد»، في ظل دعوات لاستقالة المسؤولين السياسيين بعد حادثة انفجار مخزن محروقات في بلدة التليل في عكار في شمال لبنان، فيما اتهم «البعض بعرقلة تشكيل الحكومة».
وأثار الانفجار الذي أدى إلى مقتل 28 شخصاً، صدمة في الداخل اللبناني، تحرك خلاله اللبنانيون في الشارع وحملوا السلطة السياسية مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية والتراخي مع مهربي المحروقات، ما أدى إلى كوارث يدفع ثمنها المواطنون.
وقال الرئيس عون أمس إن «لبنان لم يشهد مثيلا للأزمة التي يعيشها اليوم إلا في العام 1916 (المجاعة التي ضربت لبنان خلال الحرب العالمية الأولى)، وهي أزمة ليست ظرفية بل تعود إلى التسعينات، مما أدى إلى إفقار البلد والاعتماد على اقتصاد ريعي ضاعف من ديونه وضاءل من فرص العمل فيه»، لافتا إلى «مساهمة عدد من الظروف في اشتداد هذه الأزمة بدءا من ارتفاع الدين الإجمالي مرورا بالحرب السورية وتداعيات أزمة النزوح على لبنان وصولا إلى العجز في الميزان التجاري».
وإذ أشار إلى «مساهمة الإضرابات التي شملت المناطق في إطار الحراك المدني في تعطيل التجارة والصناعة والإنتاج»، لفت إلى «تداعيات جائحة (كورونا) على الوضع العام، ومن ثم مأساة انفجار مرفأ بيروت التي أصابت كل اللبنانيين من دون استثناء وأدت بالإضافة إلى الخسائر بالأرواح وسقوط عدد كبير من الجرحى إلى وقف العمل به»، متناولا في سياق حديثه عن الظروف، «وضع الفيتو على استخراج النفط وأزمة المصارف».
وقال عون خلال استقباله وفد «المجلس الوطني للتجمع من أجل لبنان في فرنسا»: «بدأنا منذ بداية العهد بالعمل والسعي لتحقيق الإنجازات من خلال قوانين تلزيم واستخراج النفط مرورا بحملة تطهير الأرض من الإرهابيين والخلايا النائمة، وصولا إلى تعزيز السياحة وإجراء الانتخابات النيابية على أساس القانون الانتخابي الجديد، ونأمل اليوم أن نتوصل إلى الحد من الأزمة من خلال تشكيل حكومة جديدة خلال الأيام القليلة، رغم سعي البعض لعرقلة هذا التشكيل، والمباشرة بالإصلاحات البنيوية والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإعادة بناء لبنان وتنظيمه إداريا وسياسيا وعلى مختلف الصعد».
وجدد عون تأكيد سعيه المتواصل لإجراء التدقيق الجنائي. وقال: «كلما اقترب الأمر من التحقيق زادت الضغوط لمنعه»، معتبراً أن «الفساد وليد الذهنية المافيوية، كما أثبتت الوقائع على مر العصور، وهناك ما تحقق أخيرا لجهة رفع السرية المصرفية».
وقال عون: «لن أستقيل وسأقوم بواجباتي حتى النهاية، وآمل أن تبدأ معي مرحلة إعادة إعمار لبنان نفسيا وماديا على أن يستكملها الرئيس الجديد في وقت لاحق»، مضيفاً: «رئيس الجمهورية رغم ما خسره من صلاحيات إلا أنه شريك في تأليف الحكومة مع رئيس الحكومة المكلف، وله أن يختار من بين الأسماء المطروحة في ظل ما يتمتع به من سلطة معنوية». وشدد على «عزمه على مواصلة محاربة الفساد»، مؤكدا «لن يهزني أحد إن في موقعي أو في حرصي على مواصلة ما بدأته في هذا الإطار».
ويأتي تصريح عون في ظل حالة غضب عارمة نتيجة حادثة عكار. وأكد «حزب الكتائب» أن أي محاولة لتعويم مجلس النواب الحالي ورئيس الجمهورية عبر الاستمرار في تغطيتهما، «باتت مؤامرة على لبنان واللبنانيين وتطيل عمر الفساد والعجز والفشل، وتغطي مشروع إبقاء القبضة الميليشياوية على مقدرات البلد»، مؤكداً أنه «على النواب ورئيس الجمهورية الرحيل فورا، بعد أن أعلن الشعب اللبناني مقاطعتهم ومحاصرتهم في مجلس النواب ومنازلهم على السواء».
وطالب «الكتائب» بعد اجتماع مكتبه السياسي أمس، القضاء اللبناني «بملاحقة كل من يظهره التحقيق متورطا أو حاميا للمهربين من نواب ووزراء أو مسؤولين». ورأى أن «لا مكان بعد الآن للسكوت على ارتكابات هذه المنظومة القاتلة وراعيها ومرشدها (حزب الله)، التي تفجر شعبها مرارا وتكرارا وتتركه لمصيره، فيما هي تتلهى بتبادل الاتهامات والدعوات إلى الرحيل، ونسيت أن اللبنانيين جميعا هم ضحايا حفلة التقاسم التي سموها تسوية، وبنتيجتها سقط لبنان في اللاسيادة واللاقانون وبات دولة فاشلة تقتل شعبها». وقال: «آن الأوان لوضع حد لهذا المنحدر الانتحاري ونبذ هذه السلطة بكامل منظومتها والتحضير للمواجهة الميدانية لإسقاطها بالوسائل المتاحة كافة».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.