العالم ملك سندريلا في نسختها الجديدة

فيلم المخرج البريطاني كينيث براناه تحفة التوازن بين الفن والترفيه

ليلي جيمس في دور ساندريلا  -  كايت بلانشيت في دور زوجة الأب القاسية
ليلي جيمس في دور ساندريلا - كايت بلانشيت في دور زوجة الأب القاسية
TT

العالم ملك سندريلا في نسختها الجديدة

ليلي جيمس في دور ساندريلا  -  كايت بلانشيت في دور زوجة الأب القاسية
ليلي جيمس في دور ساندريلا - كايت بلانشيت في دور زوجة الأب القاسية

لم تتزوّج سندريلا من أمير الأحلام فقط، بل طغت على سواها من الشخصيات وسحقت الشخصيات المنافسة دوليا. في 3 أيام جمعت 132 مليونا و500 ألف دولار في أسواق متباعدة من الولايات المتحدة إلى الصين ومن بريطانيا إلى المكسيك.
داخل الإطار الأميركي الشمالي، أنجزت الفانتازيا المنتظرة 70 مليون دولار من الإيرادات. هذا يجعل الفيلم على مستوى واحد مع ما حققه فيلم آخر في ربيع العام الماضي هو «ماليفيسنت» الذي قامت أنجلينا جولي ببطولته، والذي حقق وقت الافتتاح 69 مليونا و400 ألف دولار. هذا يعني أن «سندريلا»، وهو الفيلم الجديد الذي أنجزه البريطاني اللامع كينيث براناه بميزانية قدرها 112 مليون دولار يتجاوز «ماليفيسنت» بقليل أو يتساوى معه. لكن الأمر الأهم هو أن كليهما من نوع واحد، كما لو أن الجمهور يفتقد ذلك القدر من البراءة التي كانت وفّرتها أفلام الفانتازيا العائلية، كون «ماليفيسنت» مأخوذا بتصرف عن «الأميرة النائمة»، وهو تصرّف لم يخدشه حقيقة أن البطلة فيه كانت الشريرة وليست الفتاة الصغيرة.
الملاحظة الثانية والمهمة أيضا هي أن كلا الفيلمين من إنتاج «ديزني». ليس أن ذلك يضع «ديزني» مجددا على قمة الاستوديوهات الأكثر نجاحا في هوليوود، بل يعني أنها تمسك بزمام المبادرة حين يأتي الأمر إلى نبش تلك الحكايات العائلية، التي تبث لجيل اليوم ما كانت بثته النسخ السابقة لجيل الأمس.

* أصول متعددة
يرفع بعض المثقّفين العرب حاجبيه تعجبا حين يثير فيلم من هذا النوع الإعجاب الكامل. في الواقع كان التحفة السينمائية الوحيدة التي عرضها مهرجان برلين في الشهر الماضي. في حين أن «فارس الكؤوس» لترنس ماليك كان فيلما رائعا قسّم النقاد حوله بين معجب مطلق وكاره مطلق، جمع «سندريلا» حين عرض خارج مسابقة المهرجان العتيد استحسانا واسعا. المشكلة أن الاستحسان هو أقل درجات الإعجاب الممكنة. في حين أن الفيلم من الإتقان بحيث لا يملك المرء إلا أن يصفّق لكل دقيقة أمضاها فيه. هو قمّة في التوازن بين الفن والترفيه قلما يستطيعه آخرون. وإن فعلوا، فعلى سنوات متباعدة. التاريخ يشي بأن هناك نسخا كثيرة من هذه الرواية التي يعتقد أنها كُتبت ونُشرت أول مرّة في ثلاثينات القرن السابع عشر. لكن هناك من يؤكد أن مصادر تلك الرواية قد تكون أبعد منالا؛ إذ هي، لدى بعض الباحثين، تعود إلى حكاية إغريقية حول فتاة يونانية بيعت كرقيق إلى ملك فرعوني في السنة السابعة قبل المسيح.
والمراجع غنية بالنسخ الواصلة شفهيا عبر أجيال أو كتابيا، عبر قرون، إلينا وكل نسخة تختلف عن الأخرى في تفاصيل معيّنة. الأب لم يمت باكرا في حياة سندريلا في إحدى النسخ. الزوجة الثانية التي تزوّج منها الأب لم يكن لديها ابنتان فقط، بل 6 أولاد في رواية أخرى. والساحرة الطيّبة كانت تعيش فوق شجرة في هذه النسخة وداخل البيت الكبير، خفية، في نسخة أخرى.
لكن الثابت واحد: سندريلا فتاة بالغة الجمال عانت من معاملة زوجة أبيها، بعدما توفي والدها، وسيطرتها وظلمها. تلك عاملتها كما لو كانت خادمة وتركت بناتها يُسئن إليها ويوجهن لها الإهانات والسخرية. ذات يوم يلتقي بها الأمير الوسيم ويقع في حبّها لكنها تختفي. يبحث عنها ولا يجدها. يقيم حفلة كبيرة في قصره يدعو فيها كل بنات مملكته. زوجة الأب التي تطمع في أن يتزوّج الأمير بإحدى بناتها تلبي الدعوة مع بناتها وتترك سندريلا لتنظيف البيت، لكن الساحرة الطيّبة تغدق عليها بالملابس الجميلة والأنيقة وبالحلي وبعربة سريعة وتطلب منها أن تؤم الحفلة بشرط أن تعود إلى القصر قبل منتصف الليل.
في القصر يراها الأمير من جديد ويرقص معها ويبثها حبّه، لكن عليها أن تعود إلى القصر وهكذا تختفي من جديد. إلى أن يأمر الأمير فيتم البحث عنها في كل بيت وكل ما لدى الباحثين من أدوات هو فردة حذاء من الكريستال سقطت من قدم سندريلا وهي تهرع على السلم لكي تلحق بعربتها وتعود إلى البيت. كل فتاة عليها أن تجرّب لبس تلك الفردة للتثبت من هويتها. من حسن حظ الأمير أن القياس عصي على كل الفتيات.
حين يأتي الوقت لتفتيش البيت الذي تعيش فيه سندريلا، تخفيها زوجة أبيها وتعرض ابنتيها للتجربة لكن الحذاء لا يقبل القدم والعكس صحيح. فجأة هناك غناء. الأمير يأمر فيتم جلب صاحبة الصوت.. إنها سندريلا وقدمها تدخل الحذاء من دون جهد. هي ستصبح زوجة الأمير وستصفح عن زوجة أبيها رغم كل ما ذاقته منها.

* إخراج فذ
هناك نحو 200 فيلم وعمل تلفزيوني تم تحقيقه عن هذه الفانتازيا (الأول قصير سنة 1907 وربما كان هناك قبله) لكن إذ شاهد الناقد نحو 15 منها في أوقات مختلفة، فإنه لا شيء منها قريب من إنجاز كينيث براناه هنا.
في المقام الأول، يؤسس المخرج الإنجليزي لمقدّمة وافية تمنح سندريلا نقطة انطلاق لشخصيتها بحيث تصبح وظروفها أكثر قبولا ومفهومة أكثر من قِبل الجميع.
في المقام الثاني، ما نشاهده على الشاشة ليس فقط حكاية مسرودة جيّدا، بل فيلم غارق في التفاصيل الفنية التي ترفع من مستواه من دون أن تفقد عنصر الترفيه. والترفيه ليس شتيمة. مئات ألوف الأفلام والمسلسلات حول العالم منذ مطلع السينما وغالبها يفشل في تحقيق الترفيه على أي مستوى. ما يفعله هذا الفيلم، كأي عمل منفّذ بذكاء، هو أنه يوفر للمشاهد، في أي فئة من العمر، حكاية تبدو - بتفاصيلها وأجوائها - كما لو أنها لم تُشاهد من قبل. يقودها أداء جيد من قِبل الجميع مع دور مميّز لكيت بلانشيت في شخصية زوجة الأب القاسية. ومع أن ابنتيها هنا تقتربان من الرسم الكاريكاتيري، إلا أنه الاقتراب الأصدق والأقل افتعالا من سواه، كذلك الأقرب إلى لون المادة المنشود.
ليلي جيمس التي تلعب دور سندريلا جميلة وتعكس البراءة كما هو مطلوب منها. لقطة واحدة فقط تجعلنا نقفز قليلا إلى الوراء هي لقطة تظهر فيها وهي تكشّر. الوجه العذب يتحوّل إلى سؤال نسبي فجأة، ولسبع ثوان فقط.
الجهد الأكبر هو ذلك الذي يقوم به كينيث براناه الذي عوض أن يقفز إلى مركب هوليوود على النحو الذي فعله معظم من سبقه إليها، حافظ على ذلك المستوى الذي مارسه طيلة حياته الفنية كمخرج. لقد أنجز سابقا (على المسرح والتلفزيون وفي السينما) أعمالا شكسبيرية رائعة مثل «هاملت» و«كل ذلك اللغط حول لا شيء»، وبضعة كلاسيكيات أخرى («فرنكنستاين» و«الناي السحري») وما يقوم به هنا هو تقديم الحكاية، التي تقع على بعد عشرين ألف فرسخ بعيدا عن أدب وأجواء شكسبير، كما لو كان يقدّم واحدة من روايات الكاتب الألمع.
براناه أصر ونال ما أراد: تحقيق فيلم كلاسيكي في زمن من المتعارف عليه أنه مجرد تنفيذ أعمال لا تتطلب كل ذلك الجهد طالما هي تنتمي إلى مستقبل تجاري واعد. براناه يستخدم التقنيات الحديثة المتوفّرة في بضعة مشاهد (خصوصا في المشاهد التي تقع بين الساحرة، كما تؤديها هيلينا بونام كارتر، وسندريلا) لكنه يوظّف هذه المشاهد بدقّة فنية لا تختلف عن تلك التي يمارسها على مشاهد من صميم عمل المواهب البشرية التي تقوم بها. التصميم الإنتاجي من أثاث وديكورات وتفاصيل بصرية من إبداع دانتي فيريتي، الإيطالي المولد الذي استعان بخبرته رهط كبير من كبار المخرجين من أمثال فديريكو فيلليني وفرانكو زيفيرللي، والذي حين تعرّف عليه مارتن سكورسيزي أول مرّة سنة 1993 (عندما طلبه للعمل على تصميم فيلم «عصر البراءة») طلبه في معظم المرّات اللاحقة لينجز له، من بين أعمال أخرى: «جزيرة مغلقة»Shutter Island و«هيوغو»

* فئات المشاهدين
كل شيء آخر في «سندريلا» بالنقاوة ذاتها؛ الملابس التي قامت بتصميمها ساندي باول. التصوير الذي أداره هريس زامبارلوكوس إلى موسيقى باتريك دويل التي لا تخطئها الأذن كونها تخرج عن كل ما يحيط بنا من ضجيج باسم الموسيقى هذه الأيام.
هناك ذلك المشهد الذي يراقص فيه الأمير (قام به رتشارد مادن) سندريلا في تلك الحفلة؛ إذ تراقبه (وهو يستمر على الشاشة لنحو خمس دقائق) تدرك أنه لا بد تطلّب ثلاثة أيام من التصوير على الأقل.
في ختام المطاف: هكذا تُصنع الأفلام الجميلة تماما.
إلى كل ذلك، وبالعودة إلى تلك آفاق النجاح التي تنتظر الفيلم، فإن «سندريلا» ذلك النوع من الأفلام التي يشاهدها الجميع من منطلق واحد. في الصين أنجز الفيلم 62 مليونا و400 ألف دولار، علما بأن سعر التذكرة هناك أقل بكثير من سعرها في الغرب. حجم الصين من الأسواق العالمية يبلغ اليوم 60 في المائة، حسب «ذا هوليوود ريبورتر»، في تقرير نشرته يوم الأحد الـ15 من هذا الشهر. أما في الولايات المتحدة، فإن الفيلم، كونه خاليا مما يخدش الحياء أو مما تتباهى به الكثير من الأفلام العائلية يقلب معايير الحكايات عنوة لتتيح لمفاهيم جديدة الانتشار، فإن نسبة المشاهدين دون الـ12 بلغت 31 في المائة. والنسبة الغالبة من المشاهدين (66 في المائة) هم من العائلات، ونسبة النساء منهن بدأت يوم الجمعة عاليا (77 في المائة)، ثم انحدرت بعض الشيء يومي السبت والأحد ما يدل، حسب التقرير نفسه، إلى أن حضور الرجال أيضا ارتفع.
بالمقارنة أيضا مع فيلم «ديزني» الفانتازي السابق «ماليفيسنت»، كان على الاستوديو أن يقصد الجمهور من دون أقنعة. هذه هي حكاية سندريلا وليست حكاية المرأة الشريرة التي حكمتها كما في الفيلم السابق. رئيس التوزيع في «ديزني»، ديف هوليز، يكشف على أن الترويج لفيلم براناه لم يكن سهلا، لأن الفيلم لا يتضمن منعطفا غير متوقّع: «الكل كان يعرف ما سيشاهده، لكن مسؤولي الإعلام أحسنوا اختيار المواد الترويجية التي جعلت الجمهور يدرك أنه أمام سندريلا جديدة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».