حرية بريتني سبيرز... «أنا أستحق الحياة»

والدها يتنحّى عن وصايته عليها بعد 13 عاماً من الأثمان

حرية بريتني سبيرز... «أنا أستحق الحياة»
TT

حرية بريتني سبيرز... «أنا أستحق الحياة»

حرية بريتني سبيرز... «أنا أستحق الحياة»

بإمكان بريتني سبيرز التقاط النفس بعد 13 عاماً من سدّ مسار الهواء. يعلن محاميها ماثيو روزينغات الخبر السار: والدها يوافق على رفع الوصاية القضائية. النضال يتكلل بالزهر، والآن تستحق أن تحظى بالحياة. محطات عصيبة رافقت نجمة البوب الأميركية البالغة 39 عاماً؛ وبعد تنحّي الأب، تبدأ بتهدئة أنّات الذات. وجدت في «إنستغرام» ملاذاً للاستغاثة، وفي كل «بوست»، كانت تحاول تفكيك الخوف. شائكة أخبار المغنية لطابعها العائلي وخصوصيتها، إلا أنها بفعل الاهتمام الواسع تتحوّل «قضية رأي عام». اندلعت حركة «حرّروا بريتني» واجتاحت مواقع التواصل عبر العالم، دفاعاً عن «الحق». رفع معجبون لافتات خارج المحكمة تنادي الأب بالخروج من قدر الابنة، رداً على الوصاية «المجحفة» و«التعسفية». قرار إطلاقها بعد 13 عاماً، صفحة جديدة في عمر يطفح بالأثمان.
انفجر الوضع في عام 2008. حين رفع جيمي سبيرز، والد النجمة، وثيقة إلى المحكمة للوصاية على ممتلكاتها والتحكم بمواردها المالية، لمعاناتها النفسية ومخاوفه من اضطرابها العقلي. مجرّد وضْعها في مرتبة كبار السن والمصابين بالخرف والعاجزين عن اتخاذ القرار، أو ضحايا الأمراض العقلية، الذين توافق المحكمة على الوصاية عليهم؛ جعلها تعلن تعاستها: «لقد قتلت هذه الوصاية أحلامي. لذا كل ما لدي هو الأمل. يُعربش أحياناً ويبلغ أقصاه.
للشهرة ضريبة تسدّدها بريتني سبيرز من مخزون الأعصاب. لم تحسم وكالة «أسوشييتد برس» المدة الزمنية لنيل حريتها: «قد تطول الإجراءات القانونية قبل اتخاذ أي قرار بشأن الوصاية عليها». لكن النزاع المدوّي بين الأب وابنته، يتخذ للمرة الأولى منذ الـ2008 منعطفاً أقل درامية. ينقل محامي النجمة شعوره بالسعادة لـ«إحقاق العدالة لبريتني»، ويصف التنحّي عن الوصاية بـ«الانتصار الكبير». إحكام قبضتها على ثروتها بات ممكناً أكثر من أي وقت. و«الصدمة» و«الإحباط» اللذان اعترفت بهما خلال شهادتها أمام القضاء يصبحان تدريجياً وراء ظهرها.
اعترفت أيضاً بلاإنسانية المعاملة: حرمانها من حق إنجاب المزيد من الأطفال، وتلقيها عقار «الليثيوم»، رغماً عنها، لضبط اضطرابها النفسي. كما ادّعى الطبيب المُعالج عدم تعاونها معه ورفضها تناول الدواء. سيطر عليها إحساس بالثمالة وفقدان القدرة على التحدث بوعي لدى ابتلاعها حبوب الأعصاب. نُقلت مرتين إلى المستشفى وأُخضعت لإعادة التأهيل. لاحقتها صراعاتها الصحية والعقلية، وورطة الإدمان. كانت «تبكي كل يوم». السيطرة تقتل الأحلام.
أرادت الزواج مجدداً، لكن الوصاية وقفت ضدها. لـ13 عاماً، ظلّت محاصرة ببشر «يحولون بينها وبين الحياة كما تشاء». أكثرهم خيبة، زوجها السابق الممثل ولاعب البولنغ كفين فيديرلاين. استعمل في معركة حضانة ولديهما أكثر الأوراق المؤلمة في حقها: محاولة إثبات سلوكها «غير المتزن». نوع مكلف من الزيجات الفاشلة، انتهى بتهمة «عدم أهليتها» لتربية الولدين. ضربة قوية على الرأس. ذلك الرأس الذي حلقته يوماً ربما لإسكات أفكارها السوداء. وللتأكيد بأنها «حرة»، ولن تسمح لأحد برسم «شكلها المناسب» أو «سلوكها الصائب». سيدة حياتها ومصيرها.
كذبت حين أخبرت العالم أنها بخير وتشعر بالسعادة. «كنتُ في حالة إنكار». تصبح نجمة «Baby one more time» مكبّلة بـ«الصدمة النفسية»، منذ تقديم جيمي سبيرز التماساً إلى محكمة لوس أنجليس لـ«الوصاية المرحلية» على ابنته، وتقرير مصيرها المهني وشؤون الأموال والعقارات. ثم امتدت إلى «أجل غير مسمّى»، جعل المغنية «تخاف والدها». أبشع أنواع الخوف.
نحو ثلاث سنوات مرّت على العرض الغنائي الجماهيري في عام 2018. قطعت وعداً على نفسها: «لن أغني على أي مسرح طالما أنّ والدي يتحكم بي، ويحدد ما أرتديه أو أقوله أو أفعله أو أفكر فيه». «ما يحدث ليس صائباً»، يتأسّف صديقها جاستين تمبرليك. «ابقِ قوية»، تساندها ماريا كاري. وملايين التغريدات.
تعهد الأب بالمشاركة في «انتقال سلس» باتجاه «ترتيبات قانونية جديدة»، رغم أنّ محاميه قدّم مستنداً تساءل فيه إن كان تغيير الوصي من مصلحة ابنته: «هذه مسألة قابلة للنقاش». أطلع جيمي سبيرز المحكمة أنه «يحب ابنته ويفتقدها كثيراً»، وأنه أصرّ على القيام بـ«عمل جيد» حيال شؤونها المالية. مع ذلك، حامت حوله الشبهة. يُلمح محامي النجمة إلى أنّ الوالد «جنى ملايين الدولارات» من ابنته، ويشير إلى «مواصلة التحقيق في سلوكه خلال السنوات الثلاث عشرة الأخيرة». عمق النزاع جعل بريتني تفضّل اختصاصية الرعاية جودي مونتغمري وصية عليها. هي محترفة وستحسن إدارة شؤونها؛ تُدخلها حياتها بقرارها. هو يشعرها بالمُحاصرة: «أتعرّض للتنمّر وأجدني مُهملة ووحيدة».
تعاطف العالم وخفّف عذاباتها. أكثر من عشرين دقيقة وهي تلقي خطاباً مؤثراً أرادت خلاله القول إنها تستحق الحصول على الحقوق نفسها التي يتمتّع بها أي إنسان. ترغب في إنجاب طفل والإحساس بالانتماء العائلي. «أريد فقط أن تعود حياتي إليّ»، قالت لقاضية في لوس أنجليس.
خسرت بريتني سبيرز كثيراً منذ محنتها النفسية في عام 2008. لكن نجمة «غلوري» وجدت الرعاية الحقيقية في عطف أحبّتها. كانت غاضبة، لا تستطيع النوم وتشعر بالكآبة. فأثمر صبرها. الحرية أغلى الجوائز الإنسانية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».