في خطوة تثير تساؤلات حول مستقبل الخدمات التي تقدمها «زووم»، أقدمت شركة «زووم» لاتصالات الفيديو على استخدام عائداتها في توقيع صفقة جديدة مع شركة «فايف 9» المتخصصة في خدمات الاتصالات السحابية، وذلك لتعزيز خدماتها لجذب مزيد من العملاء. متخصصون في صفقة «زووم» يرون أنها تحمل كثيراً من الدلالات والمؤشرات حول مستقبل التواصل الافتراضي المهدد بالانكماش بمجرد انحسار جائحة «كوفيد - 19». وفي المقابل، يشير مراقبون إلى أن إبرام «زووم» صفقة بهذا الحجم، بلغت قيمتها 14.7 مليار دولار، تأتي بمثابة رهان منها على مستقبل التواصل الافتراضي، بينما يلوح في الأفق أن العودة إلى الحياة الطبيعية بات قريباً عقب انتهاء الجائحة.
إريك يوان، رئيس شركة «زووم» قال أخيراً في تصريحات لـ«بي بي سي» الشهر الماضي، إن «الصفقة ستسمح لعملاء (زووم) بإعادة تصور الطريقة التي يمارسون بها أعمالهم. وأضاف أنها «تمثل أكبر عملية استحواذ للشركة، وتأتي على الرغم من أن الموظفين بدأوا في العودة إلى المكتب».
الخبير السعودي فهد عبد الرحمن الدريبي، مدير مركز «الأمن السيبراني» في هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بالمملكة العربية السعودية يرى أنه «في حين تضرر قطاع كبير في الاقتصاد مثل شركات السياحة والتجارة وغيرها، بفعل أزمة (كوفيد - 19) التي لا تزال تسيطر على الأجواء، فإن الشركات التقنية كانت الأكثر حظاً، لأنها حققت أرباحاً مضاعفة، لا سيما تلك التي قدمت حلولاً ذكية لأزمة التواصل الآمن والعمل عن بُعد، على شاكلة منصة زووم التي قدمت طُرقاً فعلية لعقد المؤتمرات والاجتماعات، وأسهمت في استكمال السنوات الدراسية في الجامعات والمدارس، رغم موجات الفيروس الشرسة».
وتابع الدريبي في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «أرباح شركة زووم خلال 2020 تضاعفت بنسبة تخطت 300 في المائة مقارنة بعام 2019 الذي أسست فيه الشركة. ولكن مع دخول عام 2021 وعودة بعض الشركات إلى العمل ولو بشكل جزئي، قد يكون من المستبعد أن تحقق (زووم) معدل النمو نفسه. إذ يتوقع الخبراء بعض التراجع، وهذا ما دفع الشركة لأخذ التدابير مبكراً من خلال دعم الخدمات وتعزيز مجالات التواصل الافتراضي اعتماداً على برامج الحوسبة السحابية». وللعلم، وفق بيانات رسمية لـ«زووم»، أعلنت الشركة خلال مارس (آذار) الماضي، أنه «خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2020 ارتفعت المبيعات بنسبة 370 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019، لتصل إلى 882.5 مليون دولار؛ لكن من غير المتوقع استمرار النمو بالوتيرة التي تمتعت بها العام الماضي»، رغم أن نشاط الشركة لا يزال قوياً.
على ضوء هذا الواقع، أثير تساؤل عن سبب استخدام «زووم» لعائداتها في إبرام صفقة «فايف 9». وهنا أوضح الدريبي أنه «بمجرد انحسار (كوفيد - 19) ووصول نسب تلقي اللقاحات في الدول إلى معدلات يمكن أن يُعتمد عليها في الحماية من الفيروس، يتوقع أن يعود قطاع الأعمال والشركات إلى التواصل الفعلي والتراجع عن استخدام منصات التواصل الافتراضي». إلا أنه يرى، مع ذلك، أن «ثمة زوايا أو رهانات ترتكز عليها منصة (زووم) والشركات المنافسة لها، مثل (تيم مايكروسوفت)، وهو أن (كوفيد - 19) دفع بتجربة العمل عن بُعد في ظروف استثنائية، ووفر أيضاً فرصة لتطوير آليات العمل عن بُعد واختبار مكاسب هذه التجربة في وقت أبكر مما كان مقدراً له من قبل. ذلك أن التواصل الافتراضي يوفر الوقت والمال بشكل يجعله تجربة تستحق الاختبار والتكيّف، وربما تصبح الشكل العصري للمكاتب. وبناءً عليه، تستعد زووم) لهذه المرحلة وتتسلح بخدمات تجعل المهمة أسهل لمستخدميها. ومن هذا المنطلق عقدت الصفقة مع (فايف 9) التي لها باع في الذكاء الصناعي وخدمات التواصل، بهدف تطوير ما تقدمه (زووم) وتوفير مزيد من الراحة والفعالية لمستخدميها».
في سياق متصل، أوضح خالد إبراهيم، الخبير السعودي والباحث التقني في المملكة العربية السعودية، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، عوائد الصفقة بالنسبة لـ«زووم». فقال إن لدى «فايف 9» برامج لخدمة العملاء تعتمد على الحوسبة السحابية. وهو أمر يساعد «زووم» في تعزيز خدماتها على مستوى الشركات وليس الأفراد، وذلك عبر «زووم فون» الذي يوفر الاتصال الهاتفي السحابي بدلاً من خدمات شبكات الهواتف التقليدية، وهي صفقة ناجحة لأن خدماتهم مكملة لبعضها، وستحقق للشركات الراحة سواء في حال استمرار الجائحة أو انحسارها».
وأردف ابراهيم أن «(زووم) تفوقت على منافسيها، وهي تسعى لتعزيز هذا النجاح، من خلال تفعيل التباعد الاجتماعي دون ضرر، لأنه من دون شك هو الواقع الجديد». ويُدلل على ذلك بـ«قمة مجموعة الـ20 التي استضافتها المملكة العربية السعودية في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2020 وأنهت جميع أعمالها افتراضياً بنجاح». وأكد أن «المنافسة الآن تتركز على مدى نجاح المنصة في توفير مناخ موازٍ للواقع وخدمات تُسهل مهمة التواصل بين أشخاص ربما تفصل بينهم آلاف الأميال».
من ناحية أخرى، رغم اتفاق المتخصصين على أهمية الصفقة وأنها رهان متوقع نجاحه، فإن أزمة التواصل الآمن وحماية المعلومات ما زالت الثغرة الشائكة في الاعتماد على منصات التواصل الافتراضي كبديل للتواصل الفعلي، وفق المراقبين. وفي هذا الشأن يقول الدريبي: «صحيح أن منصات التواصل الافتراضي يسّرت مهام العمل، إلا أنه تبقى أزمة الأمان والخصوصية. فالاجتماع على منصة (زووم) أو غيرها يُعرض الشركات إلى خطر اختراق الخصوصية وجمع المعلومات، التي قد تكون لبعض الأعمال بمثابة خطر أمني، وهذا لأن مثل تلك المنصات لم تقدم حتى الآن ضمانات تحمي الخصوصية. بينما الاستضافة تعني أن المنصة يمكنها بسهولة جمع المعلومات عن المستخدمين، وهذا ما يدفع بعض الشركات إلى إطلاق منصات داخلية خاصة بها أو استخدام تقنيات توفر الأمان، بدلاً من الاعتماد على خدمات الحوسبة السحابية، وجميعها حلول مُكلفة ومُعقدة».
في هذا المجال نشير إلى أنه في مطلع أغسطس (آب) الجاري، دفعت شركة «زووم» ما يقرب من 85 مليون دولار لتسوية دعوى قضائية رفعت ضد الشركة بتهمة أن «زووم تنتهك حقوق خصوصية المستخدمين من خلال مشاركة البيانات الشخصية مع مواقع كـ(فيسبوك) و(غوغل) ما يسمح بقرصنة وتعطيل الاجتماعات»، حسب «رويترز». ووفق مراقبين، فإن «هذه الإجراءات تشير إلى محاولة منصة (زووم) الوصول إلى أفضل خدمات بأقصى درجات الأمن السيبراني».
وعن رهانات «زووم» الاقتصادية والقضائية والأمنية، رأى خالد إبراهيم أن «(زووم) تعي أهمية التكنولوجيا؛ بل وتخطي المنافس نحو تلبية خدمات المستهلك، وإلا سيقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها كشركة رائدة في مجال الحوسبة السحابية، والتاريخ يذكّرنا بسقوط شركات عملاقة بسبب تأخرها عن مواكبة تطلعات المستخدم».
«زووم»... بين تعزيز الخدمات ورهان «حماية الخصوصية»
«زووم»... بين تعزيز الخدمات ورهان «حماية الخصوصية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة