مسلسل «دور العمر» متعة الفنون السبعة من خلال كاميرا سينمائية

ضمن قصة مثيرة يلفها الغموض والمفاجآت

سيرين عبد النور في مسلسل «دور العمر»
سيرين عبد النور في مسلسل «دور العمر»
TT

مسلسل «دور العمر» متعة الفنون السبعة من خلال كاميرا سينمائية

سيرين عبد النور في مسلسل «دور العمر»
سيرين عبد النور في مسلسل «دور العمر»

وأنت تشاهد مسلسل «دور العمر» من بطولة سيرين عبد النور وعادل كرم، كتابة ناصر فقيه وإخراج سعيد الماروق، تدرك منذ اللحظة الأولى أنك أمام عمل درامي لا يشبه غيره. عليك أن تشد الأحزمة وتستعد للانطلاق في رحلة شيقة، فكل تفصيل في المسلسل ينقلك إلى واحد من الفنون السبعة مجتمعة. تلميحات وإشارات تستشفها حتى من الديكورات، مسكوبة عليها فنون الأداء والسينما والرسم والعمارة والموسيقى وغيرها. تستوقفك الألغاز ومواقف غامضة، تقطع أنفاسك، مشاهد مثيرة وتستفزك، وأخرى مشبعة بالعنف والدماء. لكنها كلها مجتمعة تؤلف «الـماستر بيس» التي لطالما انتظرناها في صناعة محلية لدراما الإثارة والتشويق.
عبارة واحدة قد تختصر موضوع العمل «خلص وقت الحكي وإجا وقت الحساب». فصاحب شخصية أمير (عادل كرم) ويقدمها في مسلسل تلفزيوني ناجح (الجلاد)، أخذ على عاتقه محاسبة كل مجرم من باب عدالة شرعها لنفسه. وتحت تأثير حبيبته شمس مطر (سيرين عبد النور) يبدأ فارس (اسم أمير الحقيقي في الحياة) في تطبيق الأمر نفسه في حياته الطبيعية. فيتحول الرجل إلى قاتل متسلسل يتلقى أوامره من هذه الشخصية المضطربة نفسياً، راسماً بذلك علامات استفهام كثيرة. الشخصية تملي عليه أسماء المجرمين، فينفذ مهمته مستمتعاً بوضع حد لحياتهم. فهو سبق وذاق طعم مر غطرستهم من خلال زوج والدته الذي كان يشبههم. يكفي أن يتخيله يبرحه ضرباً بحزام جلدي عندما كان طفلاً، حتى ينكب على مهمته من دون أن يرف له جفن، مستخدماً الحزام نفسه كأداة جريمة يخنق بها ضحاياه.
هو دور العمر لكل من شارك في العمل، فالمخرج سعيد الماروق حرك كاميرته ودقق في نظرته للأمور، بحيث أعاد خلطة كل ممثل، وكأنه نفخ فيه الموهبة من جديد. فسيرين عبد النور تتألق كعادتها مستخدمة خبرتها في التمثيل، وتقدم شخصية لم يسبق أن لامستها في أعمال سابقة، فتذوب بدورها إلى حد الانصهار. تضحك وتحزن وتواسي وتخطط، ضمن شخصية هائمة على هامش حياة عانت فيها الكثير بسبب والدها (علي الخليل). تجسد دور مريضة نفسية بجرأة، فيصدق المشاهد عدم توازنها العقلي. تستخدم مرات أداء إيمائياً، ومرات أخرى تعابير وملامح وجه نافرة، فتمارس قوة الإقناع بسهولة.
أما عادل كرم فزوده الماروق بنكهة تمثيل ذات نكهة غربية. يأخذنا بأدائه مرات إلى البطل «رامبو»، وأحياناً أخرى إلى أسطورة الملاكمة مارفن هاغلر، وكذلك إلى أسلوب هيتشكوك الغامض. فهو يحلق ضمن شخصية متناقضة حنون ودافئة، لكنها في المقابل تقتل وتأمر وتهدد. وفي النهاية يقبع «فارس» في قعر بركة السباحة، ليغسل أوجاع الطفولة التي لا يزال يعاني منها.
تكر سبحة الأداء المحترف لتشمل ريموند عازار وجان دكاش وطلال الجردي ونوال كامل ويارا فارس وغيرهم. عملية كاستينغ متقنة سبقت العمل، إذ شكل حضور كل ممثل في المكان المناسب، جوهرة المسلسل.
انتظر الماروق نحو 15 عاماً ليقدم عملاً درامياً تطبعه الإثارة. وعندما عرض عليه زميله ناصر فقيه قراءة نص أول حلقتين من المسلسل، وافق على إخراجه من دون تردد، ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «إنه عمل يشبهني، وأعرف تماماً كيفية التحكم بخيوطه. حلقت في عالم أحبه، وأخذت المشاهد إلى دراما الأكشن. ربما لو كانت الفرصة سانحة بشكل أكبر، لكنت تماديت بأدائي المجنون».
الجنون الذي يتحدث عنه الماروق بدا واضحاً في سياق العمل. فهو لم يترك فرصة خلال تصويره المسلسل من دون تحفيز المشاهد على تشغيل حواسه السبع. وعلى هذا الأخير أن يتمتع أيضاً بسرعة البديهة كي يتلقف إشاراته مكتملة. فهو يخاطبه بكاميرا متحركة وسريعة، وبفلاشات متكررة تجمع بين الماضي والحاضر من دون مبالغة. يأخذنا المسلسل إلى فن الهندسة الداخلية والمساحات الشاسعة، وكذلك إلى مناظر طبيعية غير مستهلكة. وضمن اللعبة السينمائية التي يتقنها، تتحرك كاميرا مطواعة بين يديه. تمر فواصل سوداء حيناً نلتقط معها أنفاسنا، وتخرج شرارة أداء محترف من وجوه الممثلين في لقطات قريبة حيناً آخر. فجمالية المشهدية لدى الماروق توازي إطلالة امرأة تنقط أنوثة، ولكنها بالوقت نفسه ذكية ومتألقة في حضورها.
ضمن هذه الحبكة الدرامية البوليسية التي تعتمد على الأكشن والإثارة، وعلى نص عادي يمكن القول إن الكلمة الأخيرة كانت للصورة.
يحصد «دور العمر» نجاحاً باهراً منذ عرض حلقاته الأولى، ويتصدر نسب المشاهدة على منصة «شاهد»، ليس في لبنان فقط، بل في دول عربية وأجنبية. ونحن على مشارف النهاية، إذ عرض من المسلسل حتى اليوم 8 حلقات من أصل 10، يبقى أن نكمل أحداثه وننتظر نهايته. فهي قد تحمل أيضاً المفاجآت للمشاهد، كما ندرك في الحلقتين 7 و8، عندما ينقلب السحر على الساحر. وسيكون المشاهد على موعد مع جزء ثان منه، كما أعلنت مؤخراً الشركة المنتجة له «روف توب برودكشن».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».