أثارت إجازة مجلس الوزراء السوداني لـ«مشروع قانون انضمام السودان لنظام روما الأساسي المكون للمحكمة الجنائية الدولية»، جدلاً في الأوساط السودانية، تراوح بين احتمالات إجازته في الاجتماع المشترك بين مجلسي السيادة الوزراء اللذين يمثلان مجلساً تشريعياً مؤقتاً، في ظل غياب المجلس التشريعي.
ويرتبط الجدل المثار حول القانون بملف تسليم الرئيس المعزول عمر البشير المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية ومعه وزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين ووزير الشؤون الإنسانية وقتها أحمد محمد هارون. ويواجه البشير وحسين تهماً أمام محكمة محلية تتعلق بتدبير الانقلاب الذي دبره الإسلاميون في يونيو (حزيران) 1989، وتصل عقوبتها الإعدام، فيما ينتظر أن يواجه هارون تهماً محلية تتعلق بالفساد ومحاولة فض اعتصام قيادة الجيش، بالقوة إبان الثورة التي أسقطت حكم البشير في أبريل (نيسان) 2019.
وقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في تغريدة على حسابه في موقع «فيسبوك» لقد «أجزنا اليوم خلال الجلسة الدورية لمجلس الوزراء، وبالإجماع، مشروع قانون انضمام السودان لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تمهيداً لعقد اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء للمصادقة عليه». وأضاف «العدالة والمحاسبة، هما الأساس الراسخ للسودان الجديد والملتزم بسيادة حكم القانون الذي نسعى جميعاً لبنائه». ولا تعد إجازة مجلس الوزراء للقانون نهائية، بل يجب أن تستكمل بإجازة نهائية في اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء، اللذين يشكلان معاً مجلساً تشريعياً مؤقتاً يجيز القوانين، لعدم تكوين مجلس تشريعي بعد.
وفيما يخشى البعض من أن تسليم البشير إلى جهة أجنبية قد يثير غضباً بين بعض الفئات في السودان، يرى المحلل السياسي علاء الدين بشير أن القانون لن يواجه مشكلة في الإجازة النهائية، قائلاً: «القرار لن يحدث بلبلة كبيرة، فالمكون العسكري في الحكومة الانتقالية، أبدى سلفاً استعداده للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، ومن أبسط شروط هذا التعاون المصادقة على الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، مقابل عودة السودان للمجتمع الدولي ومعاهداته».
وأوضح بشير أن المصادقة لا تتعلق بالمحاكمة الحالية الجارية للبشير ورفاقه داخل السودان، لأن المصادقة لاحقة للانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، والقانون لا يحاسب بأثر رجعي، قائلاً: «قضية البشير وحسين وهارون، تم تحويلها للمحكمة الجنائية الدولية من قبل مجلس الأمن الدولي». وأضاف «لكن توقيع ميثاق روما سينهي الحديث الذي كانت الحكومة السودانية في عهد البشير تتذرع به، بأن المحكمة أداة استعمارية تستهدف زعماء العالم الثالث».
وينص نظام روما الأساسي على عدم رجعية القوانين، إذ تقول المادة 11/2 منه: «إذا أصبحت دولة من الدول طرفاً في هذا النظام الأساسي بعد بدء نفاذه، لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها، إلا فيما يتعلق بالجرائم التي تُرتكب بعـد بـدء نفـاذ هـذا النظام بالنسبة لتلك الدولـة، ما لم تكن الدولة قد أصدرت إعلاناً بموجب الفقرة 3 من المادة 12». غير أن المادة 29 من نفس القانون لا تنص على سقوط الجرائم بالتقادم، «لا تسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم أياً كانت»، الأمر الذي متبايناً مع المادة التي تتحدث عن عدم رجعية قوانين نظام روما، وعدم تقادم الجرائم التي تحاكم عليها المحكمة لاهاي.
ويشير البعض إلى أن هذا التباين بين المادتين يثير الكثير من المخاوف لدى البعض، لا سيما أن التحقيقات مع المطلوبين حال تسليمهم قد تورط أشخاصاً آخرين ممن هم في السلطة الآن. وقد أشار إلى هذا الأمر المحلل بشير بقوله إن «الشكوك المثارة بحماية العسكريين في مجلس السيادة الحالي للمطلوبين للمحكمة من قادة النظام المعزول، لم تختبر مدى صدقيتها»، وبالتالي أتوقع مرور القانون في مرحلة الإجازة». وأضاف أن المصادقة تفتح باب المحاكمات الداخلية للمطلوبين، ويتطلب تعديل النظام القانوني في البلاد ليتماشى مع قانون روما.
وأصدرت المحكمة الجنائية مذكرات اعتقال ضد كل من الرئيس المعزول عمر البشير ومساعديه في العقد الأول من القرن الحالي وأثناء وجودهم في السلطة، لكنهم رفضوا تسليم أنفسهم للمحكمة ووصفوها بأنها «أداة استعمارية، تستهدف دول العالم الثالث». وبعد سقوط حكمهم سلم المتهم الرابع، علي عبد الرحمن «كوشيب»، نفسه للمحكمة الجنائية في لاهاي، فيما أعلنت الحكومة الانتقالية استعدادها للتعامل مع المحكمة بمثول بقية المتهمين أمامها، وهو ما عززته اتفاقية سلام جوبا التي نصت صراحة على تسليمهم.
وأوضح بشير أن أهمية المصادقة على نظام روما، تكمن في أنه سيسرع المحاكمات الداخلية لمرتكبي الجرائم التي تحاكم بموجبها المحكمة، قائلاً: «العدالة الداخلية لن تتقدم إلا بعد أن تأخذ العدالة الدولية دورها الكامل، والمصادقة تخلق الديناميات اللازمة لتسريع العدالة الداخلية».
وفي مارس (آذار) 2009 أصدر محقق المحكمة الجنائية الدولية وقتها، لويس مورينو أوكامبو، مذكرة قبض ضد الرئيس عمر البشير، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وألحقت بها مذكرة ثانية في 2010 تتعلق بارتكابه لجريمة الإبادة الجماعية. كما أصدرت المحكمة في 2012 مذكرة قبض ضد وزير الدفاع وقتها عبد الرحيم محمد حسين، وذلك بعد إصدارها في عام 2007 مذكرات قبض ضد وزير الدولة للشؤون الإنسانية، أحمد هارون، وقائد ميليشيا الجنجويد علي «كوشيب».
وزارت محققة المحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، السودان أكثر من مرة بعد ثورة التي أطاحت نظام البشير، والتقت خلالها مسؤولين سودانيين، وزارت معسكرات النازحين في إقليم دارفور الذي وقعت فيها الجرائم المزعومة ضد البشير. كما تلقت بنسودا تأكيدات من مكونات الحكومة الحالية بمثول المتهمين لمحكمتها، وهو ما أكدته وزيرة الحكم الاتحادي بثينة دينار في يونيو الماضي، عقب زيارة بنسودا للسودان، قائلة إن «قرار الحكومة كان بالإجماع على تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية».
وصدرت هذه القائمة من الاتهامات على خلفية النزاع المسلح الدامي الذي نشب في إقليم دارفور بغرب السودان، بين القوات الحكومية وحركات متمردة على الحكومة المركزية، وذكرت تقارير أممية وقتها أن أكثر من 300 ألف مدني لقوا مصرعهم في الحرب، فيما تشرد نحو 2.5 مليون بين لاجئ ونازح في معسكرات داخل السودان وخارجه.
مصادقة السودان على قانون «الجنائية الدولية» تثير جدلاً ومخاوف
مصادقة السودان على قانون «الجنائية الدولية» تثير جدلاً ومخاوف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة