عون يتمسك بـ«الداخلية»... وميقاتي يرد: ليست ملكاً لي

تدخل فرنسي لتحييد الحكومة عن حسابات باسيل الانتخابية

TT

عون يتمسك بـ«الداخلية»... وميقاتي يرد: ليست ملكاً لي

كشف مصدر مقرب من رؤساء الحكومات السابقين أن العائق الوحيد الذي يمنع الانتقال بمشاورات تأليف الحكومة بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون من المراوحة إلى البحث في توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف يكمن في أن عون يصر على أن تكون له الحصة الكبرى ليكون في وسع وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل السيطرة عليها وهو يستعد لخوض الانتخابات النيابية في ربيع 2022 لعله يتمكن من حصد أكبر عدد من المقاعد تضعه على رأس لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية عون.
وأكد المصدر، لـ«الشرق الأوسط»، أن عون يصر على أن تكون وزارات الداخلية والتربية والشؤون الاجتماعية والاقتصاد والتجارة من حصته، وهذا ما لاقى اعتراضاً من ميقاتي، ليس لأن عون يتصرف حيناً وكأنه هو من يشكل الحكومة وأحياناً يترك المهمة للرئيس المكلف، وإنما لأن هكذا حكومة وإن كانت ترضي بعض الأطراف السياسية فإنها لن ترضي حتماً اللبنانيين، وعلى رأسهم المجموعات المنتفضة ضد الطبقة السياسية، ومن خلالهم المجتمع الدولي. كما لن تكون قادرة على استعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان، وستدخل معه في اشتباك سياسي على غرار الاشتباك الحاصل اليوم، وقال إن عون يتمسك بتطبيق مبدأ المداورة في توزيع الحقائب بدءاً بالسيادية منها ليس من زاوية الإصرار عليها وإنما لمقايضة موافقته على أن تبقى وزارة المالية من الحصة الشيعية بانتزاع موافقة ميقاتي على أن تُعطى الداخلية لوزير مسيحي.
وعزا السبب إلى أن عون كان أول مَن وافق على أن تبقى وزارة المالية ضمن الحصة الشيعية، وهذا ما أدرجه في اللائحة التي أعدّها، والخاصة بتوزيع الحقائب، وسلمها في حينه إلى الرئيس المكلف سعد الحريري خلال مشاورات التأليف بينهما، وقال المصدر نفسه إن عون اقترح على ميقاتي أن يتواصل مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، طلباً لتطبيق المداورة في توزيع الحقائب ومنها السيادية، لكن ميقاتي رفض ذلك لتفويت الفرصة على إقحامه في اشتباك سياسي مع الشيعة، ناصحاً إياه بأن يتولى شخصياً هذه المهمة.
وإذ كشف أن ميقاتي التقى، الاثنين الماضي، الرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام، وتواصلوا مع الرئيس الحريري الموجود خارج البلاد، أكد أن اللقاء خُصص لتقويم ما آلت إليه مشاورات التأليف التي لم تحقق أي تقدم يفتح ثغرة يمكن التأسيس عليها، خصوصاً أن عون يتعاطى مع توزيع الحقائب من زاوية تأمين رافعة انتخابية لباسيل ليكون في وسعه أن يبقى على لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية.
وقال إن إصرار عون على «الداخلية» قوبل باعتراض ميقاتي على خلفية أنها ليست ملكاً له تتيح له التنازل عنها، خصوصاً أن إسنادها إلى وزير يسميه عون يلقى معارضة واسعة لا تقتصر على رؤساء الحكومات، وإنما لعدم موافقة الذين تشاور معهم بأن تُعطى هذه الحقيبة له لأن هناك ضرورة لأن تُسند إلى شخصية مستقلة للدور الموكل للداخلية في الإشراف على إجراء الانتخابات النيابية.
ورأى المصدر نفسه أن لإصرار عون على الداخلية بالتلازم مع تسميته لوزيري التربية والشؤون الاجتماعية خلفية انتخابية بامتياز لما لهاتين الوزارتين من دور في توفير الخدمات وتوزيع المساعدات التي تقدمها الدول المانحة في حال أن الحكومة ستحظى بمباركة من المجتمع الدولي، إضافة لما للداخلية من دور في الضغط على البلديات وتهديدها بفتح الملفات ما لم تقرر الاصطفاف خلف «التيار الوطني».
لذلك فإن مجرد إعطاء هذه الوزارات لعون بالإنابة عن باسيل يعني أنها ستتحول إلى مكاتب انتخابية، وهذا ما يلقى اعتراضاً من الدول المانحة في ضوء رهان معظمها وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على أن تفتح الانتخابات النيابية الباب أمام إعادة تكوين السلطة مع تقديرها لتراجع الطبقة السياسية.
وعليه، فإن الجولة الخامسة من مشاورات التأليف التي عُقدت، عصر أمس، بين عون وميقاتي تلازمت مع الضغط الدولي للإسراع بتشكيل الحكومة الذي عبّر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته لدى افتتاح المؤتمر الدولي لدعم لبنان، التي حظيت بتأييد جميع الدول التي شاركت فيه.
فالرئيس المكلف لن يكف عن التواصل مع الرئيس عون ليس لحشره فحسب، وإنما ليكون في مقدور باريس أن تبني على الشيء مقتضاه، خصوصاً أن ميقاتي يتشاور يومياً مع القيادة الفرنسية التي دعمت ترشحه لتشكيل الحكومة.
وبكلام آخر فإن ميقاتي، بحسب المصدر، لن يخفف من وتيرة اقتحامه الإيجابي لعون رغم أنه خرج عن صمته في جولة المشاورات السابقة، وقال إن مهلة التأليف ليست مفتوحة، ما يعني أنه يطلب من باريس التدخل قبل فوات الأوان، لأنه ليس في وسعه الاستمرار إلى ما لا نهاية في المراوحة، وسيضطر لاتخاذ الموقف المناسب، أي الاعتذار في حال أوصد عون الأبواب في وجه الجهود الفرنسية لإنقاذ عملية التأليف.
ويبقى الانفراج بيد «حزب الله» الذي يتلطى وراء عناد عون ويراعيه إلى أقصى الحدود، بذريعة أنه كما كان في السابق مع تسهيل تشكيل الحكومة برئاسة الحريري ليس في وارد الضغط على باسيل الذي يتولى مفاوضات التأليف من خلف الستار، وإلا لما طالب عندما التقى ميقاتي بوزارة الداخلية.
ويبدو أن «حزب الله» - كما يقول المصدر نفسه - ليس مستعجلاً تأليف الحكومة، لأنه يتعاطى معها من زاوية إقليمية وليست محلية، ولن يفرط بموقفه بلا أي ثمن يؤمن لحليفه النظام الإيراني ورقة لتدعيم موقفه في مفاوضات فيينا بعد أن تقرر ترحيلها إلى سبتمبر (أيلول) المقبل.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.