فادي أندراوس: «ترجمت في هذا العمل بشاعة ما حصل لمدينتي»

أغنيته «أنا بيروت» تتحوّل إلى «تراند» رقم واحد بعد ساعات من إطلاقها

 فادي أندراوس في كليب «أنا بيروت»
فادي أندراوس في كليب «أنا بيروت»
TT

فادي أندراوس: «ترجمت في هذا العمل بشاعة ما حصل لمدينتي»

 فادي أندراوس في كليب «أنا بيروت»
فادي أندراوس في كليب «أنا بيروت»

في الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، تشهد العاصمة اللبنانية أعمالاً فنية عدة تكرّم أرواح ضحاياه. فتاريخ 4 أغسطس (آب) لن يمر بعد اليوم مرور الكرام على لبنان، سيما أنّ الدولة اللبنانية أعلنته يوم حداد وطني تعطل فيه الإدارات والمؤسسات العامة.
المغني اللبناني فادي أندراوس يشارك بدوره في هذه الذكرى على طريقته. فهو رغب في أن يكون جزءاً من هذا التكريم لمدينته، ومن خلال عمل يجيده. فقدم أغنية «أنا بيروت» التي يهديها للعاصمة التي لا يزال جرحها ينزف حتى اليوم بسبب انفجار ضخم أصابها فهزّ العالم. وتصدّرت الأغنية منذ الساعات الأولى لإطلاقها وسائل التواصل الاجتماعي. وتمكنت من أن تصبح الـ«تراند» الأول على موقع «تويتر» بعد أن تفاعل اللبنانيون مع كلماتها وتم تداولها بكثافة. ويقول مطلعها: «أنا بيروت أنا طبعاً أنا... عظيمة بشعبي اللي ما بيموت».
ويقول أندراوس في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «حاولت قدر الإمكان أن ألامس من خلال هذه الأغنية غضب وأوجاع الناس. وكذلك تكريم ضحايا انفجار 4 أغسطس وإبراز بشاعة ما حصل من خلال الموسيقى». ويتابع فادي أندراوس في سياق حديثه: «المكان الذي صورنا فيه العمل كان على أحد أرصفة مرفأ بيروت. فعشت تلك اللحظات الأليمة من جديد. وشعرت كأني أصور فيلماً سينمائياً من خارج هذا العالم. فكمية الدمار المحيطة بنا كانت هائلة وتفوق الواقع. وكذلك البيوت التي دخلناها، لا تزال تئن بأصوات الضحايا. هذه الصور هزتني في الصميم وشعرت بهول الخسارة التي تكبدناها نحن كلبنانيين. فأردت من خلال هذه الأغنية التعبير عن تضامني مع كل من تضرر وتأذى ورحل من جراء الانفجار».
الأغنية يتداولها محبو أندراوس منذ فترة لا تتجاوز الـ48 ساعة وتتصدر وسائل التواصل. فهي جاءت عشية الذكرى الأولى للانفجار، لتفجر غضب الشباب اللبناني تجاه حادثة حفرت في ذاكرته إلى الأبد، والفنان فادي أندراوس واحد منهم.
يبدأ كليب الأغنية بصمت تكسره عبارة «هذا العمل تحية وفاء وإخلاص لأرواح شهداء 4 أب ولمدينة بيروت». وليتلوها ذكر أسماء ضحايا الانفجار الذين يتجاوز عددهم الـ200 شخص، ودائماً على خلفية صور صامتة من المرفأ. ويطل بعدها أندراوس ينشد «أنا بيروت» بين بيوت دمرها الانفجار. ولننتقل بعدها إلى موقع مرفأ بيروت حيث يغني أندراوس برفقة فرقة أوركسترالية بقيادة داني حلو. ويوضح الفنان اللبناني الشاب الذي عودنا على إطلالات فنية قليلة وخارجة عن المألوف: «الأغنية تتألف من قسمين أحدهما عاطفي يتناول حزن بيروت والثاني ثوري يترجم غضب الناس وآلامهم من جراء الانفجار».
وعن كيفية تحضره للقيام بهذه المهمة يقول: «أجريت أبحاثاً كثيرة اطلعت من خلالها على مئات الريبورتاجات التي تحكي عن الانفجار. راقبت بدقة لحظات الانفجار وما نتج عنه، كي أعود بالذكرى وأدخل الحالة النفسية التي رغبت في أن أقدم فيها الأغنية».
ويروي فادي أندراوس بأنّه لحظة الانفجار، وعندما سمع صوته للوهلة الأولى، لم يفهم ما حصل، وبقي لدقائق قليلة غير قادر على استيعاب هول الحدث. ويعلق: «تخيلت أنّي في حلم لا بل في كابوس لم أستفق منه إلا بعد مرور نحو 15 دقيقة عندما لمست أنّه حقيقة».
بعض المباني التي صور فيها كليب أغنية «أنا بيروت» كانت مهددة بالانهيار. أمّا الهنغار الذي استخدم للعملية نفسها في مرفأ بيروت فتألفت خلفيته من الرافعات الضخمة الموزعة على أرضه لنقل البضاعة. وبديناميكيته المعتادة والمعروف بها يطل أندراوس يغني نابضاً بالثورة تارة ويغمره الحزن تارة أخرى. ويتابع: «لقد كنت طيلة فترة تصوير الأغنية أطرح أسئلة عديدة بيني وبين نفسي، وكيف سُمح بأن تحصل هذه الكارثة. لقد كنت متأثراً جداً سيما أني أخرجت من أعماقي كل الغضب الذي يسكنني منذ سنة. الأغنية تجمع الحزن والثورة والمقاومة معاً. فأمام واقع أليم كهذا لا يجب أن نستسلم بل أن نقف ونصارع».
كتب الأغنية ألفرد الأسعد الذي توفي مؤخراً متأثراً بإصابته بـ«كوفيد - 19». أما ألحانها فتعود إلى الموسيقي داني حلو. ويوضح أندراوس: «لقد تشاركت والراحل ألفرد على كتابة الأغنية بعد أن عدّلت قليلاً على كلماتها بموافقته طبعاً. ومهمة غنائها من دون أن يحضر معنا كانت صعبة. فلقد حضّرناها معاً منذ نحو سنة وكنا متحمسين جداً لتقديمها للجمهور. ولكن مع الأسف غادرنا ألفرد على حين غرة، وكان الأمر صعباً علينا كفريق عمل، شكل الأسعد عنصراً مهما فيه وتمنيت لو واكب كل التحضيرات وكذلك ولادة الأغنية». أمّا الإخراج فيعود إلى طارق زياد عائشة، وإنتاجها إلى شركة «آي تي برودكشن».
بعد «أنا بيروت» يستعد أندراوس لإطلاق أغانٍ جديدة تحمل الفرح والإيقاع الراقص «لأنني أرغب في تغيير مزاج الناس الذين يحتاجون اليوم إلى متنفس يغبون منه الأمل واللحظات الحلوة». وبين هذه الأغنيات ما يؤديها بالمصرية (أنا حر) ويقول: «لقد اشتغلت على موسيقى الأغنية مع أخي، أمّا كلماتها فهي من تأليف الشاعر المصري مؤمن سالم». وعن سبب اتباعه هذه المسافات الزمنية بين عمل جديد وآخر يرد: «قد يكون هو مجرد تقصير من قبلي، ولكنّي في الحقيقة أحب التأني في إطلالاتي وخياراتي الفنية». وهل يمكن أن تعتزل الفن يوماً ما، كونك تقدم أعمالك بمزاجية؟ يجاوب: «لا، لا أتعب من الغناء، ولكن ليس هناك ما يحفزني أو يدفعني لأستوحي منه. فنحن محاطون بأزمات متراكمة وبأوضاع مضطربة وكل ذلك لا يشجع. ولكن قريباً سأغير إيقاع حركتي الفنية وأكثف من أغنياتي إلى حد ما. فأنا من الفنانين الذين وضعوا أنفسهم في حلقة معينة وهوية غنائية مختلفة، وهو ما يحملني مسؤولية كبيرة كوني أمشي عكس السير».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».