80 حريقاً اشتعلت في 13 ولاية أميركية... بعضها الأسوأ في تاريخها

إتلاف 1.7 مليون فدان... و16 ألف شخص يفرون من منازلهم في كاليفورنيا

تصاعد الدخان في مزارع للابقار في كوينسي جنكشن كاليفورنيا (نيويورك تايمز)
تصاعد الدخان في مزارع للابقار في كوينسي جنكشن كاليفورنيا (نيويورك تايمز)
TT

80 حريقاً اشتعلت في 13 ولاية أميركية... بعضها الأسوأ في تاريخها

تصاعد الدخان في مزارع للابقار في كوينسي جنكشن كاليفورنيا (نيويورك تايمز)
تصاعد الدخان في مزارع للابقار في كوينسي جنكشن كاليفورنيا (نيويورك تايمز)

جاء طرق على الباب في الساعة الثالثة بعد الظهر حيث كان الدخان يملأ السماء. عندما سمعت كريستينا بوين هتاف نائب مأمور مقاطعة بلوماس، كانت تعلم أنه عليها التحرك بسرعة. قالت بوين (40 عاماً) وهي تتذكر التدافع لإخلاء منزلها المتحرك في حريق ديكسي، الذي يعد إلى حد بعيد أكبر حريق يشتعل حتى الآن في كاليفورنيا، والذي اجتاح الغابات المحيطة: «قال لي بوضوح: احزمي حقائب أسرتك، لديك خمس دقائق للمغادرة».
تحول الأمر إلى ما يشبه الطقس المروع في هذا الجزء من شمال كاليفورنيا، اضطر 16500 شخص على الأقل إلى الفرار مؤخراً من بيوتهم مع اندلاع حرائق هائلة أخرى. وتزيد عمليات الإخلاء من حدة التوتر في منطقة ما زالت تتعافى من حريق المخيم الذي أسفر عن مصرع 85 شخصاً في عام 2018، ويعد أكثر الحرائق دموية في تاريخ كاليفورنيا. التقى الرئيس الأميركي جو بايدن افتراضياً يوم الجمعة، مع حكام الولايات السبع الغربية، حيث ازدادت حدة حرائق الغابات المدمرة في السنوات الأخيرة مع تسبب تغير المناخ في خلق أجواء أكثر حرارة وجفافاً. وناقشوا كيف يمكن للحكومة الفيدرالية مساعدة الولايات في جهود الوقاية والتأهب والاستجابة للطوارئ.
يُذكر أن أكثر من 80 حريقاً كبيراً اشتعلت في أنحاء البلاد يوم الجمعة، ما أدى إلى احتراق نحو 1.7 مليون فدان في 13 ولاية. ووصف مسؤولو الإطفاء أكبر حريقين، وهما حريق ديكسي الذي انتشر إلى ما يقرب من 241 ألف فدان، وحريق بوتليغ في جنوب أوريغون، بأنهما يشتعلان في وقت مبكر وبشكل مكثف أكثر من المعتاد في هذا الوقت من العام بسبب الظروف القياسية للجفاف والحرارة المشهودة في جميع أنحاء المنطقة. وفي تكرار غريب لحريق المخيم، الذي دمر بلدة بارادايس، وبدأ بمعدات من شركة باسيفيك للغاز والكهرباء، أخبرت شركة المرافق الكبيرة الجهات الرقابية هذا الشهر بأن معداتها ربما قد تكون السبب في اشتعال حريق ديكسي، في الوادي الجبلي نفسه، حيث بدأ فيه حريق عام 2018.
وما زال التحقيق جارياً في سبب حريق ديكسي. ورفضت لينزي باولو، المتحدثة باسم شركة باسيفيك للغاز والكهرباء، الرد على الأسئلة، مشيرة بدلاً من ذلك إلى تقرير مقدم إلى الجهات الرقابية وإلى ملفات مودعة لدى المحكمة رداً على أمر من القضاء بطلب معلومات عن الحريق. وقد وصف تقرير الحادث، الذي أودعته الشركة في 18 يوليو (تموز)، كيف لاحظ أحد الموظفين صمامات مشتعلة في منطقة بالقرب من الطريق السريعة 70، و«حريقاً على الأرض بالقرب من قاعدة الشجرة». وفي ملف المحكمة في 28 يوليو (تموز)، قالت الشركة إنها «مستمرة في التحقيق في دور معداتها» في حريق ديكسي، الذي تمت السيطرة عليه بنسبة 23 في المائة تقريباً يوم الجمعة. وفى الوقت الذى يكافح فيه رجال الإطفاء لاحتواء الحريق، تحولت بلدة كوينسى، الواقعة على حافة المنطقة هذا الأسبوع من بلدة هادئة للغاية يقطنها نحو ألفي شخص إلى منطقة تجمع مزدحمة جداً. وفي الليل، يقوم رجال الإطفاء بنصب الخيام والنوم في منتزه البلدة. وعند الفجر، يتجمعون في الشاحنات والجرافات ويتوجهون إلى الجبال المحيطة. وفى واحدة من كبرى عمليات التعبئة الطارئة الجارية حالياً في الولايات المتحدة تم استدعاء ما لا يقل عن 6079 فرداً لمكافحة حريق ديكسى. إنهم يواجهون مجموعة من الظروف المزعجة خلال نوبات العمل التي تدوم 24 ساعة، بما في ذلك المشي لأكثر من 15 ميلاً عبر الجبال الوعرة للوصول إلى الأماكن التي لا تستطيع المحركات أن تتحرك فيها.
وتحلق مروحيات بلاك هوك فوق المنطقة حاملة على متنها جنوداً من الحرس الوطني يحملون المياه لصبها على النيران، ما يعطي أجزاء من المنطقة شعوراً بأنها منطقة حرب. إن الوصول إلى كوينسي من مدينة تشيكو يتطلب المرور عبر كثير من حواجز الطرق ونقاط التقدم المهجورة منذ عصر «حمى البحث عن الذهب» مثل توين وبيلدن، التي أنقذها رجال الإطفاء بطريقة ما. ولا تزال الأشجار المتفحمة تقف إلى جانب جزء كبير من الطريق السريعة 70، فضلاً عن علامات النداءات القريبة مثل السيارات المحترقة أمام منازل سليمة ولكنها خاوية. وظلت بعض التلال متفحمة يوم الجمعة. وقد أعربت عدة لافتات على الطريق عن امتنانها لرجال الإطفاء الذين تم نشرهم لمواجهة الحريق. وقالت مارفا ستيوارت (75 سنة)، موظفة مبيعات متقاعدة قضت الأسبوع ونصف الأسبوع الماضي في مأوى مؤقت بكنيسة «ينابيع الأمل» في كوينسي: «أنا سعيدة لكوني على قيد الحياة. لكنه أمر محبط، وليس لدينا أي فكرة متى سينتهي هذا. إنها ليست الطريقة التي يفترض أن نعيش بها في هذه البلاد. في ظهيرة أحد أيام هذا الأسبوع، قام البعض في الكنيسة المزدحمة بالتصفح عبر وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على آخر الأنباء حول حريق ديكسي، الذي بدأ في 13 يوليو (تموز) واستهلك مساحة أراضٍ أكبر من مدينة نيويورك».
حاول بالتازار غارسيا الاتصال بأخته عدة مرات، بيد أن شبكات الهاتف الجوال المزدحمة في كوينسى تعني أنه لا يستطيع التواصل. وقال غارسيا (76 سنة) عامل محجر سابق، باللغة الإسبانية: «كان ذلك صعباً عليّ حقاً، أنا وحدي هنا، ومن الصعب حتى معرفة ما يجري. على الأقل إنهم يقدمون لنا الوجبات. وقضى أشخاص آخرون تم إجلاؤهم وقتاً في موقف السيارات أو لاذوا لاجئين بسياراتهم، بعد أن تحولت السماء بسبب الدخان إلى ظل برتقالي غير عادي. وفي كثير من الأحيان كانوا يشغلون مساحات زجاج السيارات للتخلص من غبار الأدخنة التي تتجمع على الزجاج الأمامي. قالت تريسي كيتشام (66 سنة)، ربة منزل متقاعدة، وهي جالسة في سيارتها خارج الكنيسة: «لم يعد بإمكاني التحمل أكثر من ذلك». وقالت إنها كانت تبحث عن بعض السلام والهدوء عندما غادرت مقاطعة أورانج في جنوب كاليفورنيا إلى منطقة غرينفيل الريفية منذ تسع سنوات. وقالت كيتشام: «أنا أدرس الكتاب المقدس، والآن لا يسعني إلا أن أشعر بأن هذه نهاية الأيام». وأشارت إلى أن عدم وجود خصوصية في الملجأ، إلى جانب تقارير عن تورط شركة باسيفيك للغاز والكهرباء في الأمر، وعدم وجود معلومات موثوقة عن المدة التي يمكن أن تستغرقها هذه الكارثة، قد أكد من شعورها في نهاية المطاف.
وأضافت كيتشام، التي تعيش بمفردها: «ربما يكون كل ذلك علامة على أنه ينبغي علي أن أعود إلى البيت بغض النظر عن المخاطر. كل ذلك الانتظار، والأطفال يبكون، والحرارة الملعونة هنا في المدينة. يجب أن تكون الأوضاع أفضل مما هي عليه هنا».
ومع الإشارة إلى ظروف الجفاف التي تغذي حرائق الغابات، فقد وصلت درجات الحرارة هذا الأسبوع حول 100 درجة في المناطق المحيطة بحريق ديكسي. وازداد الحريق كثيراً، حتى إنه في ساكرامنتو عاصمة الولاية التى تبعد ثلاث ساعات بالسيارة عن كوينسى، أثارت الأدخنة المنبعثة المخاوف خلال هذا الأسبوع بشأن تدهور جودة الهواء. وحثت السلطات سكان ساكرامنتو الذين يعانون من مشاكل تنفسية أو أمراض القلب على الحد من الخروج في الهواء الطلق.
قال سكوت لودفيغ، الذي اضطر لمغادرة حديقة المنازل المتنقلة مع زوجته بوين وطفليهما: «يبدو أننا انجرفنا إلى مكان لا نستطيع التحكم فيه». وقال لودفيغ، وهو عامل سابق في كرنفال وأصبح الآن يحصل على مدفوعات العجز، إنه يريد الحصول على إجابات من شركة باسيفيك للغاز والكهرباء، وأضاف: «إنه لأمر مهين أن نستمر في دفع فاتورة الكهرباء لشركة لا تتعلم من أخطائها». وعندما أطفأ سيجارة أثناء وقوفه بالقرب من مدخل الملجأ، حدق في آلاف جذوع الأشجار المكدسة في الأعلى بالقرب منه - ليتذكر كم كانت بلدة كوينسي تعتمد على الأشجار التي تشتعل الآن. وقال لودفيغ: «ليس لدينا أدنى فكرة عما إذا كان علينا الإخلاء مرة أخرى. انظروا حولنا، هناك الكثير لم تحرقه النيران بعد. إذا وصلت النار إلى هذا المكان، فنحن أشبه ما نكون بالبط المشوي».
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

بايدن في زيارة غير مسبوقة للأمازون

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال جولته في الأمازون (أ.ف.ب)

بايدن في زيارة غير مسبوقة للأمازون

يزور جو بايدن الأمازون ليكون أول رئيس أميركي في منصبه يتوجه إلى هذه المنطقة، في وقت تلوح فيه مخاوف بشأن سياسة الولايات المتحدة البيئية مع عودة دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (أمازوناس)
الولايات المتحدة​ امرأة وزوجها وسط أنقاض منزلهما الذي أتى عليه الحريق في كاماريللو (أ.ب)

حرائق كالفورنيا «تلتهم» أكثر من 130 منزلاً

أكد عناصر الإطفاء الذين يعملون على إخماد حريق دمّر 130 منزلا على الأقل في كالفورنيا أنهم حققوا تقدما في هذا الصدد الجمعة بفضل تحسن أحوال الطقس.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
الولايات المتحدة​ رجل إطفاء يوجه خرطوم مياه نحو النار في منزل دمّره حريق «ماونتن فاير» قرب لوس أنجليس (أ.ف.ب)

السيطرة على حرائق غابات مدمّرة قرب لوس انجليس

بدأ رجال الإطفاء السيطرة على حريق غابات استعر قرب مدينة لوس انجليس الأميركية وأدى إلى تدمير ما لا يقل عن 132 مبنى.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
المشرق العربي زراعة 3 آلاف غرسة في غرب حمص أواخر العام الماضي قام بها طلبة متطوعون (مواقع)

موجة حرائق تلتهم مساحات واسعة من قلب سوريا الأخضر

صور الحرائق في سوريا هذه الأيام لا علاقة لها بقصف حربي من أي نوع تشهده البلاد وجوارها، بعيدة عن الاهتمام الإعلامي وقريبة من ساحات الحرب.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الولايات المتحدة​ رجال الإطفاء يخمدون حريقاً  ألحق أضراراً بالعديد من المباني في أوكلاند بكاليفورنيا (رويترز)

كاليفورنيا: المئات يخلون منازلهم بسبب حريق غابات

أعلن مسؤول في إدارة الإطفاء الأميركية إنه تم إصدار أوامر للمئات من سكان شمال ولاية كاليفورنيا بإخلاء منازلهم في أحد أحياء مدينة أوكلاند بسبب حريق ينتشر سريعاً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.