جاء طرق على الباب في الساعة الثالثة بعد الظهر حيث كان الدخان يملأ السماء. عندما سمعت كريستينا بوين هتاف نائب مأمور مقاطعة بلوماس، كانت تعلم أنه عليها التحرك بسرعة. قالت بوين (40 عاماً) وهي تتذكر التدافع لإخلاء منزلها المتحرك في حريق ديكسي، الذي يعد إلى حد بعيد أكبر حريق يشتعل حتى الآن في كاليفورنيا، والذي اجتاح الغابات المحيطة: «قال لي بوضوح: احزمي حقائب أسرتك، لديك خمس دقائق للمغادرة».
تحول الأمر إلى ما يشبه الطقس المروع في هذا الجزء من شمال كاليفورنيا، اضطر 16500 شخص على الأقل إلى الفرار مؤخراً من بيوتهم مع اندلاع حرائق هائلة أخرى. وتزيد عمليات الإخلاء من حدة التوتر في منطقة ما زالت تتعافى من حريق المخيم الذي أسفر عن مصرع 85 شخصاً في عام 2018، ويعد أكثر الحرائق دموية في تاريخ كاليفورنيا. التقى الرئيس الأميركي جو بايدن افتراضياً يوم الجمعة، مع حكام الولايات السبع الغربية، حيث ازدادت حدة حرائق الغابات المدمرة في السنوات الأخيرة مع تسبب تغير المناخ في خلق أجواء أكثر حرارة وجفافاً. وناقشوا كيف يمكن للحكومة الفيدرالية مساعدة الولايات في جهود الوقاية والتأهب والاستجابة للطوارئ.
يُذكر أن أكثر من 80 حريقاً كبيراً اشتعلت في أنحاء البلاد يوم الجمعة، ما أدى إلى احتراق نحو 1.7 مليون فدان في 13 ولاية. ووصف مسؤولو الإطفاء أكبر حريقين، وهما حريق ديكسي الذي انتشر إلى ما يقرب من 241 ألف فدان، وحريق بوتليغ في جنوب أوريغون، بأنهما يشتعلان في وقت مبكر وبشكل مكثف أكثر من المعتاد في هذا الوقت من العام بسبب الظروف القياسية للجفاف والحرارة المشهودة في جميع أنحاء المنطقة. وفي تكرار غريب لحريق المخيم، الذي دمر بلدة بارادايس، وبدأ بمعدات من شركة باسيفيك للغاز والكهرباء، أخبرت شركة المرافق الكبيرة الجهات الرقابية هذا الشهر بأن معداتها ربما قد تكون السبب في اشتعال حريق ديكسي، في الوادي الجبلي نفسه، حيث بدأ فيه حريق عام 2018.
وما زال التحقيق جارياً في سبب حريق ديكسي. ورفضت لينزي باولو، المتحدثة باسم شركة باسيفيك للغاز والكهرباء، الرد على الأسئلة، مشيرة بدلاً من ذلك إلى تقرير مقدم إلى الجهات الرقابية وإلى ملفات مودعة لدى المحكمة رداً على أمر من القضاء بطلب معلومات عن الحريق. وقد وصف تقرير الحادث، الذي أودعته الشركة في 18 يوليو (تموز)، كيف لاحظ أحد الموظفين صمامات مشتعلة في منطقة بالقرب من الطريق السريعة 70، و«حريقاً على الأرض بالقرب من قاعدة الشجرة». وفي ملف المحكمة في 28 يوليو (تموز)، قالت الشركة إنها «مستمرة في التحقيق في دور معداتها» في حريق ديكسي، الذي تمت السيطرة عليه بنسبة 23 في المائة تقريباً يوم الجمعة. وفى الوقت الذى يكافح فيه رجال الإطفاء لاحتواء الحريق، تحولت بلدة كوينسى، الواقعة على حافة المنطقة هذا الأسبوع من بلدة هادئة للغاية يقطنها نحو ألفي شخص إلى منطقة تجمع مزدحمة جداً. وفي الليل، يقوم رجال الإطفاء بنصب الخيام والنوم في منتزه البلدة. وعند الفجر، يتجمعون في الشاحنات والجرافات ويتوجهون إلى الجبال المحيطة. وفى واحدة من كبرى عمليات التعبئة الطارئة الجارية حالياً في الولايات المتحدة تم استدعاء ما لا يقل عن 6079 فرداً لمكافحة حريق ديكسى. إنهم يواجهون مجموعة من الظروف المزعجة خلال نوبات العمل التي تدوم 24 ساعة، بما في ذلك المشي لأكثر من 15 ميلاً عبر الجبال الوعرة للوصول إلى الأماكن التي لا تستطيع المحركات أن تتحرك فيها.
وتحلق مروحيات بلاك هوك فوق المنطقة حاملة على متنها جنوداً من الحرس الوطني يحملون المياه لصبها على النيران، ما يعطي أجزاء من المنطقة شعوراً بأنها منطقة حرب. إن الوصول إلى كوينسي من مدينة تشيكو يتطلب المرور عبر كثير من حواجز الطرق ونقاط التقدم المهجورة منذ عصر «حمى البحث عن الذهب» مثل توين وبيلدن، التي أنقذها رجال الإطفاء بطريقة ما. ولا تزال الأشجار المتفحمة تقف إلى جانب جزء كبير من الطريق السريعة 70، فضلاً عن علامات النداءات القريبة مثل السيارات المحترقة أمام منازل سليمة ولكنها خاوية. وظلت بعض التلال متفحمة يوم الجمعة. وقد أعربت عدة لافتات على الطريق عن امتنانها لرجال الإطفاء الذين تم نشرهم لمواجهة الحريق. وقالت مارفا ستيوارت (75 سنة)، موظفة مبيعات متقاعدة قضت الأسبوع ونصف الأسبوع الماضي في مأوى مؤقت بكنيسة «ينابيع الأمل» في كوينسي: «أنا سعيدة لكوني على قيد الحياة. لكنه أمر محبط، وليس لدينا أي فكرة متى سينتهي هذا. إنها ليست الطريقة التي يفترض أن نعيش بها في هذه البلاد. في ظهيرة أحد أيام هذا الأسبوع، قام البعض في الكنيسة المزدحمة بالتصفح عبر وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على آخر الأنباء حول حريق ديكسي، الذي بدأ في 13 يوليو (تموز) واستهلك مساحة أراضٍ أكبر من مدينة نيويورك».
حاول بالتازار غارسيا الاتصال بأخته عدة مرات، بيد أن شبكات الهاتف الجوال المزدحمة في كوينسى تعني أنه لا يستطيع التواصل. وقال غارسيا (76 سنة) عامل محجر سابق، باللغة الإسبانية: «كان ذلك صعباً عليّ حقاً، أنا وحدي هنا، ومن الصعب حتى معرفة ما يجري. على الأقل إنهم يقدمون لنا الوجبات. وقضى أشخاص آخرون تم إجلاؤهم وقتاً في موقف السيارات أو لاذوا لاجئين بسياراتهم، بعد أن تحولت السماء بسبب الدخان إلى ظل برتقالي غير عادي. وفي كثير من الأحيان كانوا يشغلون مساحات زجاج السيارات للتخلص من غبار الأدخنة التي تتجمع على الزجاج الأمامي. قالت تريسي كيتشام (66 سنة)، ربة منزل متقاعدة، وهي جالسة في سيارتها خارج الكنيسة: «لم يعد بإمكاني التحمل أكثر من ذلك». وقالت إنها كانت تبحث عن بعض السلام والهدوء عندما غادرت مقاطعة أورانج في جنوب كاليفورنيا إلى منطقة غرينفيل الريفية منذ تسع سنوات. وقالت كيتشام: «أنا أدرس الكتاب المقدس، والآن لا يسعني إلا أن أشعر بأن هذه نهاية الأيام». وأشارت إلى أن عدم وجود خصوصية في الملجأ، إلى جانب تقارير عن تورط شركة باسيفيك للغاز والكهرباء في الأمر، وعدم وجود معلومات موثوقة عن المدة التي يمكن أن تستغرقها هذه الكارثة، قد أكد من شعورها في نهاية المطاف.
وأضافت كيتشام، التي تعيش بمفردها: «ربما يكون كل ذلك علامة على أنه ينبغي علي أن أعود إلى البيت بغض النظر عن المخاطر. كل ذلك الانتظار، والأطفال يبكون، والحرارة الملعونة هنا في المدينة. يجب أن تكون الأوضاع أفضل مما هي عليه هنا».
ومع الإشارة إلى ظروف الجفاف التي تغذي حرائق الغابات، فقد وصلت درجات الحرارة هذا الأسبوع حول 100 درجة في المناطق المحيطة بحريق ديكسي. وازداد الحريق كثيراً، حتى إنه في ساكرامنتو عاصمة الولاية التى تبعد ثلاث ساعات بالسيارة عن كوينسى، أثارت الأدخنة المنبعثة المخاوف خلال هذا الأسبوع بشأن تدهور جودة الهواء. وحثت السلطات سكان ساكرامنتو الذين يعانون من مشاكل تنفسية أو أمراض القلب على الحد من الخروج في الهواء الطلق.
قال سكوت لودفيغ، الذي اضطر لمغادرة حديقة المنازل المتنقلة مع زوجته بوين وطفليهما: «يبدو أننا انجرفنا إلى مكان لا نستطيع التحكم فيه». وقال لودفيغ، وهو عامل سابق في كرنفال وأصبح الآن يحصل على مدفوعات العجز، إنه يريد الحصول على إجابات من شركة باسيفيك للغاز والكهرباء، وأضاف: «إنه لأمر مهين أن نستمر في دفع فاتورة الكهرباء لشركة لا تتعلم من أخطائها». وعندما أطفأ سيجارة أثناء وقوفه بالقرب من مدخل الملجأ، حدق في آلاف جذوع الأشجار المكدسة في الأعلى بالقرب منه - ليتذكر كم كانت بلدة كوينسي تعتمد على الأشجار التي تشتعل الآن. وقال لودفيغ: «ليس لدينا أدنى فكرة عما إذا كان علينا الإخلاء مرة أخرى. انظروا حولنا، هناك الكثير لم تحرقه النيران بعد. إذا وصلت النار إلى هذا المكان، فنحن أشبه ما نكون بالبط المشوي».
- خدمة «نيويورك تايمز»
80 حريقاً اشتعلت في 13 ولاية أميركية... بعضها الأسوأ في تاريخها
إتلاف 1.7 مليون فدان... و16 ألف شخص يفرون من منازلهم في كاليفورنيا
80 حريقاً اشتعلت في 13 ولاية أميركية... بعضها الأسوأ في تاريخها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة