جيهان شهيب مهندسة لبنانية تقولب التّراث في قطع فنية

تتناول بتصاميمها متحف سرسق والمندلون ونوافذ بيروت

أقراط أذن تصور الأقواس الثلاثة لمنزل إيلي صعب التراثي
أقراط أذن تصور الأقواس الثلاثة لمنزل إيلي صعب التراثي
TT

جيهان شهيب مهندسة لبنانية تقولب التّراث في قطع فنية

أقراط أذن تصور الأقواس الثلاثة لمنزل إيلي صعب التراثي
أقراط أذن تصور الأقواس الثلاثة لمنزل إيلي صعب التراثي

تتخذ المهندسة اللبنانية جيهان شهيب من التاريخ والتراث والهوية موضوعات لقصص ترويها في قطع فنية من تصميمها. فهي ترى في العمارة اللبنانية إرثاً يجب الاعتناء به، وهي تسهم في نشره كي يحفر في ذاكرة الأجيال. وانطلاقاً من ارتباطها بالجذور وتعمقها في اكتشاف كل ما يشير إليها من معالم وهندسة معمارية، بدأت شهيب مشوارها الفني.
تتألف القطع التي تصممها من فواصل كتب وأقراط أذن تشكل إضافة إلى دورها الجمالي أسلوب تعريف بالهوية اللبنانية. وتقول في هذا الخصوص: «عدم الوقوف والتعرف إلى ثقافات مختلفة تحدّ من قبولنا للغير. فكلما تعرفنا إلى ثقافات بعضنا، وطدنا العلاقات بيننا. وهذا الأمر لا ينطبق فقط على لبنان بل على المنطقة بأكملها. ومن هذا المنطلق رغبت في إبراز معالمنا التراثية ضمن قطع فنية غير مستهلكة، تلفت الانتباه من ناحية وتزودنا بالمعلومة من ناحية ثانية».
تختار شهيب موضوعات تصاميمها من مبانٍ تراثية تزين بيروت وتقول: «قصتي مع هذه التصاميم بدأت منذ كنت طالبة في كلية الهندسة. كانت تلفتني العمارة اللبنانية المتأثرة بثقافات غربية نظراً لتلون لبنان بها عبر التاريخ. وكوني عاشقة للتاريخ ومنكبة على التعمق فيه، قررت أن أنقل حبي للجذور عبر قطع فنية أصممها».
متحف سرسق ونوافذ بيوت بيروت التراثية العتيقة والمندلون الذي يغطي واجهاتها، تنطبع في تصاميم شهيب. فهي تقدمها ضمن عملية حفر وتنزيل تشبه إلى حد بعيد التطريز. وتعلق في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المعالم لم أخترها عن عبث بل عن سابق تصور وتصميم. فهي تحكي روايات طويلة عن بلدي لبنان، وتبرز جماليته في الهندسة المعمارية. وقبل أن أصمم أي قطعة، أغوص في حكاية المعلم الذي أختاره، أتعرف إلى رموزه ومعانيه والحقبات التي مر بها». وتتابع: «تتجمع الصورة في خيالي وأترجمها بأناملي لتصبح شبيهة إلى حد كبير بقماشة الدانتيل. كما أرفق كل قطعة فنية أنفذها بنص يحكي عن المعلم التراثي الذي تحمله. وبذلك أنشر حضارات وثقافات من بلادي ليتعرف إليها من يشتريها لا سيما من جيل الشباب. فما أقوم به ليس مجرد تصاميم فنية وحسب، بل رسالة وطنية أخذتها على عاتقي، كي تتبلور صورة وطني الجميلة. وبهذه الطريقة أكسر المسافات وأختصرها فتتبلور صورة لبنان الحقيقية في الأذهان».
ومن المباني التي اختارتها شهيب لترجمتها في قطعها الفنية منزل إيلي صعب ومبنى بلدية بيروت التراثي الذي تقول عنه: «قلة من اللبنانيين تعرف تاريخ هذا المعلم الذي بناه المهندس اللبناني يوسف أفطيموس. فمن خلال عملي أحاول تسليط الضوء على شخصيات من بلدي أيضاً. والمهندس أفطيموس بنى هذه العمارة التي تنتصب وسط العاصمة بعد حقبة لبنان الكبير. ولذلك يلفتنا فيها الهوية المعمارية الجديدة التي اتبعها والمؤلفة من مزيج من العمارة اللبنانية القديمة والحديثة. وقد كتب عليها عبارة تقول: «إن آثارنا تركن إلينا فانظروا من بعدنا إلى الآثار». فهو بذلك ترك رسالة معبرة لأجيال متتالية، ويعبر فيها عن المسؤولية التي يجب أن يحملها أي عمل هندسي نقوم به».
المسؤولية نفسها تحملها شهيب في أعمالها الفنية، إذ نلاحظ الدقة والتأني في نقلها التراث والهوية اللبنانية من منظار يجمع بين الجمال والثقافة معاً. وتعلق: «أجمع في تصاميمي ما بين القراءة ولبنان والهندسة والتراث والجذور، وما إلى هنالك من عناصر تعرف عن لبنان، وتتضمن رسائل لتحسين علاقتنا بمجتمعاتنا وتسهم في تقريبنا من بعضنا البعض. فكلما تعرفنا إلى حضارة الآخر، قصرنا المسافات بيننا وهذا هو هدفي الأساسي».
تؤكد المهندسة اللبنانية أنّ فكرتها موجهة إلى الشباب بشكل أساسي، كي يتعرف إلى جذوره بحيث لا يستسخف ويستسهل تاريخه. وتقول: «يمكننا أن نتمسك بهويتنا بأسلوب حديث ومتحضر، وهو ما أطبقه في تصاميمي».
تعبّر جيهان (JIHANE C) كما تُعرف على وسائل التواصل الاجتماعي، عن رؤية مهندسة معمارية لتاريخ المنطقة وإرثها. ولذلك لم تنحصر تصاميمها بلبنان فقط بل أطلقت العنان لفنها كي تحلق معه في سائر السمات التي رسمت معالم هويتنا التعددية والغنية. وتتضمن قطعها الفنية معالم من السعودية (مكة المكرمة) وعملتها القديمة. ومن الإمارات اختارت مسجد الشيخ زايد ومن مصر مسجد الرفاعي. وتعلق: «كان من الضروري أن يتعرف الناس إلى الفن الإسلامي العريق الذي لا يضاهى. حتى إنّي قمت بإطلالة على الفن الأرمني من خلال قطع ترتبط بمدينة خاشقار في أرمينا، حيث يحفر الفنانون الأرمن فنونهم في الصخر».
وحسب رأيها فإنه علينا الاهتمام بتقاليدنا وجذورنا في ظل عالم فقد هويته، وهو ما يشكل أرضية صلبة نقف عليها، كي نزدهر ونحتضن العالم بأكمله، ليس فقط بحبٍ بل أيضاً بوعي.
لجأت شهيب إلى مادة النحاس كي تقولب قطعها الفنية، وتطليها بالذهب في المرحلة النهائية من تنفيذها. وتوضح: «النحاس مادة جميلة والطلاء الذهبي يدفعها إلى التألق أكثر. ولكل قطعة مقاييسها وعملية خاصة بتخريقها».
تحضر قطع المهندسة اللبنانية في متاحف كثيرة بينها «لوفر» أبوظبي، ومراكز ثقافية وفنية في السعودية ومصر. وهي تحمل معزة خاصة لمتحف سرسق الذي كان السبّاق في عرض تصاميمها الفنية.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».