اعتماد مواقع التواصل مصادر للأخبار... إشكاليات تُثير تساؤلات

اعتماد مواقع التواصل مصادر للأخبار... إشكاليات تُثير تساؤلات
TT

اعتماد مواقع التواصل مصادر للأخبار... إشكاليات تُثير تساؤلات

اعتماد مواقع التواصل مصادر للأخبار... إشكاليات تُثير تساؤلات

من آن إلى آخر تطل علينا بعض المواقع الإلكترونية بأخبار وعناوين تبدأ بعبارات «تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي» أو «جدل على مواقع التواصل بسبب تداول كذا». وهذا أمر يثير تساؤلات خبراء وأساتذة الإعلام حول إمكانية الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي مصادر للأخبار، لا سيما في ظل انتشار عدد كبير من «الأخبار المزيفة والمضللة» على بعض هذه المواقع. وأخيراً نشر عدد من المواقع الإلكترونية المصرية خبراً تعلق بوفاة الفنانة دلال عبد العزيز، استناداً لما نشرته شخصيات إعلامية وفنية على حساباتها في مواقع التواصل. وقبل ذلك أثير جدل حول سؤال في امتحانات الثانوية العامة بمصر، عن جمع كلمة «حليب»، وتبين فيما بعد أن السؤال لم يرد في الامتحانات من الأساس، وهو ما جدد المطالب بضرورة التحقق من صحة ما يشاع قبل النشر.
إشكاليات نشر «المعلومات غير الصحيحة» لا تقتصر فقط على الحالة المصرية، فهي منتشرة في عدد من الدول. ولقد قالت الدكتورة نهى بلعيد، أستاذ الاتصال والإعلام الرقمي في تونس، لـ«الشرق الأوسط»، إنها رصدت خلال إعدادها دليل التحقق للمعلومات الذي صدر أخيراً «عدداً من الأمثلة لأخبار منشورة، تبين فيما بعد زيفها، مثل انتشار خبر وفاة رئيس مجلس النواب التونسي السابق محمد الناصر».
بلعيد أضافت أن «منصات التواصل أصبحت مصدراً للمعلومات بعدما صار المواطن بدوره يشارك في نشر المعلومة، حتى أننا رأينا بعض المؤسسات الرسمية تنشر بياناتها الصحافية على صفحة (فيسبوك)، ولا ننسى أنه في أحيان كثيرة يغيب الصحافي عن الميدان، فيكون ما ينشره المواطن مصدراً موثقاً يعتمد عليه».
الصحافي المصري، خالد البرماوي، خبير مواقع التواصل الاجتماعي، رأى خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن «أحد أسباب الإشكالية، هو أن معظم الصحافيين الذين تكونت خبراتهم خلال السنوات العشر الماضية، عملوا في مناخ كانت لمواقع التواصل سيطرة كبيرة، إذ استخدمها المسؤولون لإعلان بياناتهم وإصدار تصريحاتهم... وبالتالي، كانت هذه المواقع مصدراً لأخبار ومعلومات مهمة. أضف إلى ذلك أن الفضاء الإلكتروني يشكل 70 في المائة من مصادر معلومات هذا الجيل من الصحافيين، ولذا فهو لا يجد حرجاً في التعامل مع مواقع التواصل كمصادر للمعلومات والأخبار، بل إن بعضهم لا يشك أبداً بما تتداوله هذه المواقع». وتابع البرماوي أن «هذا الجيل من الصحافيين يختلف كثيراً عن الجيل السابق الذي كانت مصادر معلوماته تعتمد على التفاعل المباشر، ولديه إحساس عالٍ بالشك في كل معلومة يحصل عليها، وكان يتعامل مع ما يتداول على الإنترنت بعدم يقين».
نقطة أخرى يثيرها البرماوي وهي «آلية عمل المواقع الإلكترونية التي تعتمد على السرعة في النشر، ما يضغط على الصحافيين لتقديم عدد كبير من الأخبار في وقت سريع، حتى وإن ثبت أنها غير صحيحة فيما بعد، فالأولوية هي ألا يفوته الخبر حتى لو كان خطأ». وهو ما أدى - حسب البرماوي - إلى «انفجار المشهد الإعلامي بكم هائل من الأخبار على مدار الساعة. ولدى مقارنة عما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات والآن، يتضح أن أي وزارة أو هيئة حكومية كانت تصدر في المتوسط 3 أخبار أسبوعياً، أما الآن فهناك وزارات تصدر نحو 20 خبراً في اليوم، وهو كم يعجز الصحافيون عن متابعته بشكل متعمق».
في هذا الإطار، وفق استطلاع «أصداء بي سي دبليو» الثاني عشر للشباب العربي عام 2020، غدت «مواقع التواصل الاجتماعي المصدر الرئيسي للأخبار بالنسبة للشباب العربي». إذ أظهر الاستطلاع أن «79 في المائة من الشباب العربي تلقوا معلوماتهم من مواقع التواصل عام 2020 مقارنة بـ25 في المائة عام 2015... ويعد (فيسبوك) واحداً من المصادر الرئيسية للتواصل مع الأصدقاء والحصول على الأخبار، وهو ما أدى إلى تراجع مصادر الأخبار الأخرى». وتعليقاً على ما جاء في الاستطلاع الذي نشرته «يونيسكو كورير»، الصادرة عن منظمة اليونيسكو، في الإصدار الثاني من عام 2021 فإن «انتشار مواقع التواصل بهذا الشكل أمر مثير؛ لكنه مخيف أيضاً، بسبب كثرة الأخبار المضللة المنتشرة على هذه المواقع ما خلق وباء معلوماتياً».
من جهة أخرى، هذا لا يعني بالضرورة أن منصات التواصل لا يمكن أن تكون مصدراً للأخبار. وهنا تقول بلعيد إن «منصات التواصل يمكن أن تكون مصدراً للمعلومات باعتبارها منصة لتناقل الأخبار بسرعة؛ لكن يجب التحقق من المعلومات قبل نشرها، خصوصاً أن المؤسسات الإعلامية صارت الآن بدورها تمتلك حسابات وصفحات على مواقع التواصل وتنشر من خلالها أخبارها».
أيضاً، يقول مراقبون إنه «مع تغير آلية النشر وصناعة الأخبار وطبيعة الصحافي تغيرت أيضاً طبيعة المتلقي، فمعظم مستهلكي أخبار المواقع الإلكترونية في مصر - مثلاً - من الطبقة ذات التعليم المتوسط، وهي طبقة قد لا تبحث عن أصل الخبر، ولا تهتم بأن موقعاً ما ينشر أخباراً غير دقيقة. وربما يفسر هذا ما نراه من قلة الحرج من نشر أخبار خاطئة والتلكؤ في تصحيحها أو الاعتذار عنها».
في السياق ذاته، يشير البرماوي إلى مشكلة أخرى هي «تواتر المعلومات، حيث ينشر أحد المواقع خبراً معتمداً على معلومات متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم يأتي آخر ويعيد الخبر نفسه. وعند محاولة أحد التحقق عبر البحث على محركات البحث، نجد مجموعة من الأخبار حول الموضوع عينه، وهو ما يكسبها نوعاً من المصداقية يدفع باقي الصحافيين للكتابة عنها، معتمدين على المعلومات نفسها».
وفي الآونة الأخيرة، أحدث نقل معلومات من مواقع التواصل الاجتماعي ضجة في مصر، ودفع صحيفة مصرية يومية خاصة إلى الاعتذار يوم السبت الماضي، في أعقاب نشرها على صفحتها الرسمية بـ«فيسبوك» خبراً عن وفاة الفنانة دلال عبد العزيز، وهو ما نفته أسرة الفنانة، لتعتذر الصحيفة بعد ذلك. الصحيفة قالت إنها «نشرت الخبر استناداً لمعلومات نشرتها شخصيات إعلامية وفنية عبر حساباتها على مواقع التواصل». وعلق البرماوي قائلاً إنه «لا يمكن نشر أخبار تتعلق بوفاة أحد الأشخاص خصوصاً المشاهير من دون تحقق... إن ألف باء الصحافة هو وجود قواعد للنشر والتدقيق تمنع مثل هذه الأخطاء...».
هذا، وحسب دراسة نشرتها «ميس إنفورميشن ريفيو» الأميركية خلال يونيو (حزيران) 2020، فإن «المواطنين الذين يتلقون معلوماتهم من مواقع التواصل أكثر تقبلاً للأخبار الزائفة والمضللة». وهنا يعتقد البرماوي أن «مواجهة هذه الأخطاء تأتي بتعزيز آلية الشك لدى الصحافيين، وتزويدهم بمهارات التحقق من المعلومات، وهي أدوات بسيطة لا تستغرق أحياناً ثواني معدودة. يضاف إليها وضع مواثيق شرف للإعلام الإلكتروني، وهو ما فعلته كلية الإعلام جامعة القاهرة في مؤتمرها العلمي الأخير، حين أطلقت ميثاق شرف للإعلام الإلكتروني يتضمن مجموعة من القواعد البسيطة، بهدف تقليل مثل هذه الأخطاء». أما الدكتورة بلعيد فترى أن «التحقق من المعلومات ليس ممارسة حديثة بل قديمة. ولا يمكن للصحافي أن ينشر أي خبر دون التثبت من صحته، واليوم توجد مجموعة من الأدوات والوسائل في الإنترنت تساعده على التحقق من المعلومات».


مقالات ذات صلة

«لا أعرف ما الذي تفعله»... ترمب يُعلّق على مبادرة زوجته التشريعية للعام المقبل

الولايات المتحدة​ السيدة الأولى ميلانيا تتحدث إلى الضيوف إلى جانب زوجها دونالد ترمب خلال حفل الكونغرس (أ.ب)

«لا أعرف ما الذي تفعله»... ترمب يُعلّق على مبادرة زوجته التشريعية للعام المقبل

كشفت السيدة الأولى ميلانيا ترمب، خلال حفلٍ أُقيم في البيت الأبيض، الخميس، عن مبادرةٍ تشريعية للعام المقبل؛ الأمر الذي أثار حيرة زوجها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا ثغرات أمنية قد تهدد ثقة المستخدمين بمتصفحات الذكاء الاصطناعي

عصر «المتصفح الوكيلي»: زيادة في الكفاءة على حساب المخاطر الأمنية؟

تتجاوز المتصفحات المدعومة بالذكاء الاصطناعي AI Browsers وظيفتها التقليدية كأدوات لعرض صفحات الإنترنت، لتصبح طبقة تنسيق ذكية تعتمد على نماذج اللغة الكبيرة.

خلدون غسان سعيد (جدة)
أوروبا النتائج تعكس الأدوات والتكتيكات المتطورة للحرب الإلكترونية الروسية (رويترز)

لصلتها بأوكرانيا... قراصنة روس يستهدفون شركة هندسة أميركية

كشف محققون في شركة أميركية للأمن السيبراني، اليوم الثلاثاء، عن أن قراصنة إنترنت يعملون لصالح الاستخبارات الروسية هاجموا شركة هندسة أميركية هذا الخريف.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا شعار شركة «ستارلينك» للاتصال المباشر عبر الأقمار الصناعية (أ.ف.ب)

«ستارلينك» تطلق الاتصال المباشر للهواتف في أوكرانيا ولأول مرة في أوروبا

قالت شركة «كييف ستار»، أكبر مشغل للهواتف المحمولة في أوكرانيا، إنها أصبحت أول شركة في أوروبا تطلق تقنية «ستارلينك» للاتصال المباشر عبر الأقمار الصناعية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
تكنولوجيا شعار "إكس" (أرشيفية)

نت بلوكس: منصة «إكس» تواجه انقطاعات على مستوى العالم

قالت منظمة مراقبة الإنترنت (نت بلوكس) اليوم الأحد إن منصة إكس للتواصل الاجتماعي تشهد في الوقت الحالي انقطاعات على مستوى العالم.

«الشرق الأوسط» (سان فرانسيسكو)

هل تعيد التطورات الرقمية تشكيل أخلاقيات الإعلام؟

التطورات الرقمية تثير معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل (رويترز)
التطورات الرقمية تثير معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل (رويترز)
TT

هل تعيد التطورات الرقمية تشكيل أخلاقيات الإعلام؟

التطورات الرقمية تثير معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل (رويترز)
التطورات الرقمية تثير معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل (رويترز)

بينما تتسارع التطورات الرقمية في عصر الذكاء الاصطناعي، وتلقي بظلالها على عملية إنتاج المحتوى الإعلامي، يبرز السؤال حول مدى تأثير ذلك على القواعد المهنية، وما إذا كان التحول الرقمي سيعيد تشكيل أخلاقيات الإعلام؟

وبينما اتفق خبراء على أن التحولات الرقمية ألقت بظلالها بالفعل على القواعد المهنية، شددوا على ضرورة إعادة هيكلة تلك الإرشادات لإعطائها قدراً من المرونة يمكّنها من التعاطي مع التطورات التكنولوجية المتسارعة.

دورية «كولومبيا جورناليزم ريفيو» التي تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولومبيا بنيويورك، قالت في تقرير نشرته أخيراً، إن «الوقت يتغير وكذلك القواعد الأخلاقية»، مشيرة إلى أن «الصحافة تحتاج إلى أدلة استرشادية أخلاقية جديدة للتعاطي مع التحديات التكنولوجية المتسارعة»، حيث تثير التطورات الرقمية «معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل».

الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، أكد أن «التحولات الرقمية والذكاء الاصطناعي يعيدان تشكيل أخلاقيات الإعلام بطرق عميقة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «أخلاقيات الإعلام التقليدية مثل الدقة والإنصاف والمساءلة، صُمِّمت لبيئة إخبارية بطيئة تعتمد على العامل البشري، في حين أدخل التحول الرقمي ديناميكيات جديدة في ظل زيادة حدة التنافس الإعلامي في السعي وراء السبق والخبر العاجل، ما يجعل النشر السريع يفوق الدقة والتحقق».

وأشار إلى أن «ظهور (القبائل الرقمية) أو (غرف الصدى) بات نتيجة مباشرة لطبيعة استهداف المستخدم بناء على بياناته وتخصيص محتوى لفئات معينة دون غيرها، ما يضع تحديات أمام مبدأ خدمة المصلحة العامة». ويقول إن «التقنيات الرقمية باتت تحجب الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال ما يتطلب معايير أخلاقية مهنية جديدة»، موضحاً أنه «في ظل تحكم الخوارزميات في نشر المحتوى فإن المسؤولية الأخلاقية تمتد لتشمل شركات التكنولوجيا إلى جانب الصحافيين».

حقاً، كان الاعتقاد السائد أن «تغيّر الزمن لا يستدعي تغيّر الأخلاقيات، فقواعد الإعلام مثل الصدق والشفافية والاستقلال ثابتة مهما تغيّرت صناعة الإعلام». بحسب «كولومبيا جورناليزم ريفيو»، لكنها تشير إلى «تغير هذا الاعتقاد السائد، فالقواعد الأخلاقية القديمة تتطلب إعادة تقييم لمواجهة المعضلات الرقمية الجديدة».

وفي رأي الصحافي اللبناني المدرّب في مجال التحقق من المعلومات، محمود غزيل، فإن «التطورات التي حدثت في الإعلام وتقنيات النشر تركت أثراً واسعاً على الرسالة الإعلامية وطرق استهلاكها، والأهداف التي ترنو إليها الجهات الإعلامية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ما شهده العالم في الأعوام الثلاثة الأخيرة، منذ توسع مفهوم الذكاء الاصطناعي التوليدي مع الإطلاق الرسمي لمنصة (تشات جي بي تي) وانضمام العديد من حول العالم، ومن بينهم الصحافيون، إليها، واختبار مزايا الذكاء الاصطناعي التوليدي بمختلف أطيافه، جعلت العالم يقف للحظة لمراجعة قرارته وخطواته بما يتعلق بكيفية وشروط النشر».

وأضاف أنه «إلى جانب مشكلة توليد النصوص والمواد المكتوبة عن طريق الذكاء الاصطناعي، وما قد يعتريها من (هلوسة) معلومات ومصادر، هناك أيضاً تحديات أخلاقية مختلفة، من بينها استخدام الفيديوهات والصور المولدة بالذكاء الاصطناعي»، موضحاً أنه «إن كان بعض أهل الصحافة والإعلام يقعون في فخ عدم التمييز بين الحقيقي والمزور، فمن الطبيعي على القارئ والمتابع أن يرتكب الخطأ نفسه، ما يجعل هناك أزمة معرفة».

وأكد أنه «يتوجب على وسائل الإعلام التي تلجأ إلى التقنيات الحديثة من أجل توليد المشاهد البصرية بسياق رمزي أو أرشيفي، توضيح ذلك للقارئ». وقال إن «الشفافية يجب أن تكون موجودة، مع العودة لمبادئ الصحافة المطبوعة في وصف الصورة ومصدرها».

وأشار غزيل إلى أن المسؤولية النهائية تظل على كاهل الصحافيين المحترفين، فلا يُعدّ أي محتوى إخبارياً ما لم يخضع لتدقيق وتحرير بشري، أي أن الفكرة تبدأ بالصحافي وتنتهي معه».

نقطة أخرى تطرق لها الصحافي اللبناني في حديثه تتعلق بمبدأ «الخصوصية»، حيث أثّرت التطورات التكنولوجية على خصوصية البيانات و«أصبح الصحافي قادراً على جمع المعلومات عبر منصات التواصل دون الحصول على إذن صاحبها ما قد يؤدي في بعض الأحيان إلى ضرر معنوي ونفسي قد لا تكون القوانين المحلية حالياً قادرة على معالجته»، وشدد على «ضرورة التزام الصحافيين بمواثيق الشرف والقواعد الأخلاقية مهما بلغت التطورات التكنولوجية».

وتثير مسألة خصوصية البيانات كثيراً من الجدل في ظل محاولات دول عدة وضع قواعد وقوانين لحماية بيانات المستخدمين، في وقت ترى فيه منصات التواصل الاجتماعي وشركات التكنولوجيا في ذلك «تقييداً لعملها».

وفي هذا الإطار، أكد نائب رئيس جامعة «شرق لندن» بالعاصمة البريطانية، الدكتور حسن عبد الله، لـ«الشرق الأوسط»، أن «التطورات التكنولوجية الرقمية أعادت بالفعل تشكيل أخلاقيات الإعلام»، مشيراً إلى أن «منصات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، وتقنيات التزييف العميق وغيرها أدت إلى تسريع وتيرة إنتاج وتوزيع المعلومات، تزامناً مع طمس الحدود التقليدية بين الصحافيين والمنصات والجمهور».

وقال إن «التحولات الرقمية فاقمت التحديات الأخلاقية المرتبطة بالدقة، والخصوصية، والمساءلة، والتحيز، لا سيما ما يتعلق بانتشار (المعلومات المضللة) و(غرف الصدى)، والتلاعب بالرأي العام»، مشدداً على أن «هذه التطورات المتسارعة تتطلب إعادة صياغة لأخلاقيات الإعلام، حيث لم تعد الأطر التقليدية كافية في منظومة تهيمن عليها الخوارزميات وصنّاع المحتوى»، مشيراً إلى امتداد المسؤولية الأخلاقية إلى «شركات التكنولوجيا وعلماء البيانات ومصممي المنصات».

ويضرب نائب رئيس جامعة «شرق لندن» عدداً من الأمثلة على «عدم قدرة الأخلاقيات المهنية على التعاطي السريع مع التطورات التكنولوجية، من بينها انتشار المعلومات المضللة خلال حرب غزة التي لم تتمكن المنصات من احتوائها ومعالجتها بالسرعة الكافية، وقضية الإعلانات السياسية الموجهة وقدرتها على التلاعب وتوجيه الرأي العام معتمدة على بيانات المستخدمين».

وفي رأي عبد الله، فإنه «لمواكبة التطورات الرقمية، يجب أن تتطور أخلاقيات الإعلام في ثلاثة اتجاهات رئيسية»، الاتجاه الأول يتعلق بـ«دمج الأطر الأخلاقية في مبادئ حوكمة التكنولوجيا، ما يعني إلزام المنصات بالشفافية بشأن الخوارزميات واستخدام البيانات».

أما الاتجاه الثاني، بحسب عبد الله، فيتعلق بـ«تعزيز التعاون المتعدد التخصصات بين الصحافيين، وخبراء الأخلاق، والتقنيين، وصناع السياسات». وثالثاً، يقترح عبد الله «المراجعة الأخلاقية المستمرة داخل المؤسسات الإعلامية، ودمجها بقدر من التنظيم القانوني، والمعايير المهنية، ومبادرات محو الأمية الإعلامية للجمهور، بحيث تصبح القواعد الأخلاقية الجامدة مرنة بدرجة تسمح لها بالاستجابة للتطورات المتسارعة».

ختاماً، فإنه وفق «كولومبيا جورناليزم ريفيو»، فإن «القواعد المهنية الأساسية للإعلام لم تتغير، فالصحافة لا تزال تؤمن بضرورة خدمة المصلحة العامة بعدالة واستقلالية وشفافية ودقة، لكن طبيعة العمل في عالم سريع التطور يفرض معضلات أخلاقية، قد يساعد وضع قواعد مهنية جديدة في التعامل معها، وهي قواعد ستتغير مع الوقت».


تعويض «غوغل» لناشرين... هل يحد من أزمة تراجع الزيارات؟

شعار شركة «غوغل» في متجر «غوغل تشيلسي» بمدينة مانهاتن (رويترز)
شعار شركة «غوغل» في متجر «غوغل تشيلسي» بمدينة مانهاتن (رويترز)
TT

تعويض «غوغل» لناشرين... هل يحد من أزمة تراجع الزيارات؟

شعار شركة «غوغل» في متجر «غوغل تشيلسي» بمدينة مانهاتن (رويترز)
شعار شركة «غوغل» في متجر «غوغل تشيلسي» بمدينة مانهاتن (رويترز)

أبرمت «غوغل» سلسلة من «الصفقات النقدية» مع مؤسسات نشر بارزة، وقالت إنها «تستهدف الدفع للناشرين مقابل حقوق العرض الموسّع وطرق إيصال المحتوى». ورأى خبراء أن هذه الخطوة «تختلف عن صفقات الذكاء الاصطناعي التي عقدتها شركات مثل (أوبن إيه آي) و(مايكروسوفت) مع ناشرين في وقت مبكر، لأنها لم تُقدم بوصفها اتفاقات لترخيص المحتوى، بل بعدّها امتداداً لشراكات تجارية قائمة بالفعل».

وأكدت «غوغل»، في بيان صحافي خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أن هذه «الصفقات تأتي ضمن برنامج تجريبي جديد لاستكشاف كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في جذب جمهور أكثر تفاعلاً».

في المقابل، يربط مراقبون هذه التحركات بمحاولة «تهدئة غضب الناشرين الذين يشكون من تراجع الزيارات (لمواقعهم)، خصوصاً مع تصاعد أزمة البحث دون نقر أو ما يُعرف باسم (الزيرو كليك)، الذي ترتب على إطلاق الملخصات المعززة بالذكاء الاصطناعي التي تقدم للمستخدم إجابات مباشرة دون الحاجة إلى زيارة الموقع الأصلي».

يقول المشرف على تحرير الإعلام الرقمي في قناة «الشرق للأخبار»، حاتم الشولي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الخطوة بشكل أساسي، هي شراكة تجارية مدفوعة، خاصة أنها عبارة عن تجربة مع كبار الناشرين مثل (الغارديان) و(واشنطن بوست) وغيرهما، وهذا دليل على أن التجربة مبنية على استهداف جمهور أكبر ومخصص، وفي حال نجاحها ستتحول تدريجياً بكل تأكيد لمشاركة الإيرادات، وقتها ستوضع قواعد جديدة قد تغيّر من شكل العملية السارية حالياً».

وتوقّع الشولي أن «نتائج هذه الصفقات ستظهر في مقالات مختارة ضمن (غوغل نيوز)»، كما أنها ستظهر من خلال «تحسّن في ظهور هذه المقالات من قبل أنظمة الذكاء الاصطناعي، التي فعلياً بدأت في بعض المناطق والأسواق تظهر على شكل ملخصات، لكن هذا منفصل عن مسار التجربة القائمة حالياً؛ ولكنه الأساس الذي انطلقت منه التجربة».

وحول مدى جدوى خطوات «غوغل» التعويضية، قال الشولي، المشرف على تحرير الإعلام الرقمي، إنه «من المستحيل أن تقدم (غوغل) أي ضمان في معدل الخوارزميات، لكونها متغيّرة بشكل دائم ويستحيل أن تحافظ على ثباتها. وعليه، لا يكون هناك أي التزام من طرف (غوغل) بضمان هذه العملية». لكنه تابع أن من «المرجّح أن تتجه الشركة نحو الضمانات المالية والتعويضات المتوقعة بناء على نجاح التجربة، وهذا سيكمن في تفاصيل العقود المبرمة بين (غوغل) وصُنّاع الأخبار، وهو أمر نادراً ما يتم الإفصاح عنه».

من جانبها، ذكرت «غوغل» أنها ضمن هذا البرنامج التجريبي «تعمل مع الناشرين على اختبار مزايا جديدة داخل أخبار المنصة، من بينها ملخصات للمقالات مدعومة بالذكاء الاصطناعي تظهر على صفحات المنشورات المشاركة لتقديم سياق إضافي قبل النقر، إلى جانب موجزات صوتية لمن يفضلون الاستماع». وأكدت أن «هذه المزايا ستتضمن إسناداً واضحاً للمصدر وروابط مباشرة للمقالات».

وبينما عدّ بعضهم خطوة «غوغل» محاولة لـ«تعويض» الناشرين، رأى مدير «إدارة المحتوى الرقمي في سي إن إن الاقتصادية»، محمود تعلب، أن «النجاح الحقيقي في زيادة الزيارات يجب أن يقاس بمؤشرات أكثر من مجرد عدد الزوار». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه «يجب أن تكون هناك ضمانات على ارتفاع نسبة الزيارات التي تؤدي إلى مشاهدة الصفحة الكاملة بدلاً من الزيارات القصيرة. كما ينتظر الناشرون وجود إعلانات أو اشتراكات بدلاً من الزيارات السريعة، وكذلك وجود نسبة أعلى من الزيارات من نتائج البحث التقليدي، وليس فقط من الملخصات أو إجابات الذكاء الاصطناعي».

ورغم أن تعلب عدّ خطوة «غوغل» رسالة «حُسن نية»؛ لكنه قال إن لم تتبعها خطوات تنظيمية تضمن حقوق المالك الأصيل للمحتوى «فلن تحقق المستهدف الحقيقي». وشدد على أن الضمانات يجب أن تشمل «التزاماً بعدم تقليل الزيارات بشكل مفاجئ نتيجة تغييرات خوارزمية دون إشعار مسبق»، كما من «المنتظر أن تضم آلية تقييم شفافة تربط التعويضات بحصص الزيارات الفعلية، كذلك شرط تعديل الدفع وفقاً لأثر التغييرات التقنية على الزيارات والإحالات». وأضاف: «يجب أن تكون عقود الناشرين مرتبطة بالأداء الحقيقي، وليس بنتائج ظاهرية أو مزاعم تحسين قد لا تتحقق».

وعن التأثير المتوقع من هذه الصفقات، يرى تعلب أن «من المرجح أن يكون التأثير في عملية البحث أولاً، وثانياً في (غوغل نيوز)، لأن هذه الأماكن هي التي ترتبط مباشرة بسلوك البحث التقليدي، وإحالات الزوار إلى موقع الناشرين. أما (ديسكوفر) فتظل خوارزميات التخصيص فيها أقل اعتماداً على النصوص الملخصة، وتظهر بشكل أكبر المحتوى الذي يتناسب مع اهتمامات المستخدم، لكن لا يمكن الاعتماد عليها بوصفها قناة رئيسية لتعويض الانخفاض».

وبحسب محمود تعلب، مدير «إدارة المحتوى الرقمي»، فإن «الخطوة التي تعلن عنها (غوغل) الآن ليست حلاً، بل تجربة أولى باتجاه توزيع القيمة وعلاقات الشراكة»، موضحاً أن «نجاحها يعتمد على مدى التزام (غوغل) بالتوزيع العادل للزيارات، وإدراج ضمانات أداء حقيقية في العقود، وإعادة التوازن بين التكنولوجيا ومصالح الناشرين الذين ينتجون المحتوى الذي تعتمد عليه تلك التكنولوجيا نفسها لتحقيق أرباحها».


«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE
TT

«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE

تعيش هوليوود واحدة من أكثر لحظاتها اضطراباً منذ عقود، بعدما تحوّلت صفقة الاستحواذ على «ورنر بروس ديسكفري» إلى مواجهة مفتوحة بين عملاق البث «نتفليكس» من جهة، والتحالف الذي تقوده «باراماونت – سكاي دانس» برئاسة ديفيد إليسون (نجل مؤسس «أوراكل» الملياردير لاري إليسون)، المدعوم بثروات هائلة وشبكة نفوذ سياسية، من جهة أخرى.

ورغم أن ظاهر المعركة تجاري بحت، فإن جوهرها يتجاوز حدود صناعة الترفيه ليصل إلى توازنات القوة الإعلامية في الولايات المتحدة، وإلى مقاربات البيت الأبيض التنظيمية، وربما حتى إلى علاقة الرئيس دونالد ترمب بعدد من هذه المؤسسات.

Paramount, Netflix and Warner Bros logos are seen in this illustration taken December 8, 2025. REUTERS/Dado Ruvic/Illustration

أهمية «ورنر بروس»

تعد «ورنر بروس» إحدى أثقل القلاع الثقافية والإعلامية في العالم. فإلى جانب تاريخها السينمائي العريق، تمتلك الشركة واحدة من أضخم مكتبات المحتوى التي تضم أعمالاً من «هاري بوتر» و«دي سي كوميكس» و«غيم أوف ثرونز»، إضافة إلى شبكة «إتش بي أو» ومحفظة تلفزيونية واسعة. والسيطرة عليها تمنح مالكها ثلاث ركائز جوهرية:

• محتوى ضخم عالي القيمة قادر على تغذية منصات البث لعقود مقبلة.

• حقوق بث وتوزيع دولية تتيح توسعاً كبيراً في الأسواق العالمية.

• تكامل رأسي كامل يجمع بين الإنتاج والتوزيع والبث، ويخلق قوة سوقية استثنائية.

من هنا، فإن فوز «نتفليكس» أو «باراماونت» بالاستوديو يعني تغيّراً جوهرياً في المشهد العالمي، وظهور كيان يتجاوز في وزنه معظم الشركات الإعلامية الحالية.

"باراماونت" تخوض سباقاً مع "نتفليكس" لشراء "ورنر بروس" (أ.ف.ب)

صفقة نتفليكس و«قلق» البيت الأبيض

أعلنت «نتفليكس» قبل أيام التوصل إلى اتفاق مبدئي لشراء معظم أصول «ورنر بروس ديسكفري» مقابل 83 مليار دولار (عرضت فيها 27.75 دولار للسهم)، مع إبقاء «سي إن إن» والقنوات الإخبارية والرياضية ضمن شركة مستقلة تدعى «ديسكفري غلوبال».

عدّ كثيرون الخطوة منطقية: توحيد أكبر منصة بث في العالم مع واحد من أضخم الاستوديوهات، ما يخلق عملاقاً يصعب منافسته. لكن العامل السياسي دخل ساحة المعركة بقوة. فقد صرّح الرئيس ترمب بأنه سيكون «منخرطاً» في تقييم الصفقة، ملمّحاً إلى أن الحصة السوقية لـ«نتفليكس» قد تشكل «مشكلة».

ورغم ثنائه على تيد ساراندوس، الرئيس التنفيذي المشارك للمنصة، فإن تلويحه بالتدخل التنظيمي ألقى ظلالاً من الشك على الصفقة، خصوصاً أن عرض «نتفليكس» يجمع بين النقد والأسهم، ما يعرّضه لتدقيق احتكاري واسع.

باراماونت.. عرض «عدائي» ونقد أكثر

لم تتأخر «باراماونت – سكاي دانس» في الرد. فبعد ساعات من إعلان «نتفليكس»، أطلقت عرضاً عدائياً مباشراً للمساهمين بقيمة 108.4 مليار دولار، وبسعر 30 دولاراً للسهم، أي أعلى بكثير من عرض منافستها.

ويمتاز عرض «باراماونت» بأنه أكثر نقداً وتمويلاً مباشراً، مدعوماً من ثروة عائلة إليسون وصناديق «ريدبيرد» و«أفينيتي بارتنرز»، إضافة إلى ثلاثة صناديق سيادية عربية (السعودية، الإمارات، قطر) تشارك بتمويل بلا حقوق حوكمة. ووفقاً لمصادر في الشركة، فإن عرضها «أكثر يقيناً وسرعة في التنفيذ»، مقارنة بعرض «نتفليكس» الذي يتوقع أن يواجه تدقيقاً احتكارياً وتنظيمياً معقداً.

البعد السياسي للصراع

على الرغم من محاولة الطرفين الظهور وكأن معركتهما تجارية بحتة، فإن السياسة حاضرة بكل ثقلها. ويلعب جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترمب، دوراً محورياً بصفته شريكاً مالياً في عرض «باراماونت» عبر «أفينيتي بارتنرز». وتحدثت تقارير بريطانية عن وعود من «باراماونت» بإجراء تغييرات جذرية في «سي إن إن» في حال فوزها، وهو ما يمنح الصفقة بعداً سياسياً حساساً.

في المقابل، ينتقد ترمب «باراماونت» و«سي بي إس» التابعة لها بسبب خلافات مع برنامج «60 دقيقة». ومع ذلك، صعّد ترمب هجومه المباشر على «سي إن إن»، مطالباً بتغيير مالكيها كجزء من أي صفقة لبيع «ورنر». وقال في اجتماع بالبيت الأبيض: «لا أعتقد أنه يجب السماح للأشخاص الذين يديرون (سي إن إن) حالياً بالاستمرار. يجب بيعها مع باقي الأصول». كما أكد أنه سيشارك بنفسه في قرار الموافقة على الصفقة، في خروج غير مألوف عن الأعراف التنظيمية.

هذا التناقض يكشف عن صراع مفتوح على النفوذ الإعلامي، قد يؤثر على القرار النهائي أكثر من معايير الاحتكار ذاتها، رغم أن اكتمال أي من الصفقتين، سيؤدي إلى ولادة عملاق إعلامي فائق.

منصتان فائقتان

اندماج «نتفليكس ورنر بروس» سيخلق أكبر منصة بث ومكتبة محتوى في العالم، تفوق «أمازون برايم» و«ديزني» مجتمعتين في حجم الاشتراكات والمحتوى الأصلي والحقوق. أما اندماج «باراماونت ورنر بروس» فسيكوّن أكبر استوديو سينمائي - تلفزيوني متكامل، يضم «سي بي إس» و«باراماونت» و«إيتش بي أو» و«سي إن إن» (في حال لم تُفصل)، ما يجعله النسخة الحديثة من «استوديو هوليوودي شامل». وسيعد الكيان الناتج عن أي من الصفقتين الأكبر عالمياً في مجال الإعلام والترفيه، لكن بدرجات مختلفة: «نتفليكس» ستتربع على قمة البث، و«باراماونت» على قمة الإنتاج التقليدي والخبري.

لكن المخاطر كبيرة أيضاً. فوفق محللين، قد يبتلع الاستوديو إدارة «نتفليكس» ويستهلك طاقاتها، بينما يخشى البعض من تراجع نوعية المحتوى إذا خضعت المكتبة الضخمة لمنهج المنصة القائم على الكميات الكبيرة.

ويتفق خبراء على أن كلا العرضين يواجه عوائق تنظيمية ضخمة، لكن الخطر الأكبر ليس تنظيمياً، بل سياسي، كما قال وليام باير، المدير السابق لقسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل. وقال لصحيفة «واشنطن بوست»: «المشكلة الحقيقية هي إن كانت القرارات ستُبنى على اعتبارات قانونية أم على مصلحة الرئيس».

بالنسبة لمحطة «سي إن إن» التي يناهضها ترمب علناً، فستكون مع عرض «نتفليكس»، جزءاً من شركة منفصلة لديها استقلال أكبر، بعيداً عن الصراع السياسي. وهو ما يعدّه كثير من العاملين فيها مخرجاً آمناً، بعد تخوفهم من احتمال أن تقود «باراماونت»، المتجهة نحو توجّهات محافظة، عمليات تغيير واسعة فيها. ومع ذلك، من الناحية الاقتصادية، سيكون مستقبل «سي إن إن» في شركة صغيرة تحدياً قد يقود إلى تقشف أكبر.

وفي النهاية، قد تكون القرارات السياسية هي العامل الحاسم في تحديد من سيضع يده على إرث «ورنر بروس» العريق.