اعتماد مواقع التواصل مصادر للأخبار... إشكاليات تُثير تساؤلات

اعتماد مواقع التواصل مصادر للأخبار... إشكاليات تُثير تساؤلات
TT

اعتماد مواقع التواصل مصادر للأخبار... إشكاليات تُثير تساؤلات

اعتماد مواقع التواصل مصادر للأخبار... إشكاليات تُثير تساؤلات

من آن إلى آخر تطل علينا بعض المواقع الإلكترونية بأخبار وعناوين تبدأ بعبارات «تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي» أو «جدل على مواقع التواصل بسبب تداول كذا». وهذا أمر يثير تساؤلات خبراء وأساتذة الإعلام حول إمكانية الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي مصادر للأخبار، لا سيما في ظل انتشار عدد كبير من «الأخبار المزيفة والمضللة» على بعض هذه المواقع. وأخيراً نشر عدد من المواقع الإلكترونية المصرية خبراً تعلق بوفاة الفنانة دلال عبد العزيز، استناداً لما نشرته شخصيات إعلامية وفنية على حساباتها في مواقع التواصل. وقبل ذلك أثير جدل حول سؤال في امتحانات الثانوية العامة بمصر، عن جمع كلمة «حليب»، وتبين فيما بعد أن السؤال لم يرد في الامتحانات من الأساس، وهو ما جدد المطالب بضرورة التحقق من صحة ما يشاع قبل النشر.
إشكاليات نشر «المعلومات غير الصحيحة» لا تقتصر فقط على الحالة المصرية، فهي منتشرة في عدد من الدول. ولقد قالت الدكتورة نهى بلعيد، أستاذ الاتصال والإعلام الرقمي في تونس، لـ«الشرق الأوسط»، إنها رصدت خلال إعدادها دليل التحقق للمعلومات الذي صدر أخيراً «عدداً من الأمثلة لأخبار منشورة، تبين فيما بعد زيفها، مثل انتشار خبر وفاة رئيس مجلس النواب التونسي السابق محمد الناصر».
بلعيد أضافت أن «منصات التواصل أصبحت مصدراً للمعلومات بعدما صار المواطن بدوره يشارك في نشر المعلومة، حتى أننا رأينا بعض المؤسسات الرسمية تنشر بياناتها الصحافية على صفحة (فيسبوك)، ولا ننسى أنه في أحيان كثيرة يغيب الصحافي عن الميدان، فيكون ما ينشره المواطن مصدراً موثقاً يعتمد عليه».
الصحافي المصري، خالد البرماوي، خبير مواقع التواصل الاجتماعي، رأى خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن «أحد أسباب الإشكالية، هو أن معظم الصحافيين الذين تكونت خبراتهم خلال السنوات العشر الماضية، عملوا في مناخ كانت لمواقع التواصل سيطرة كبيرة، إذ استخدمها المسؤولون لإعلان بياناتهم وإصدار تصريحاتهم... وبالتالي، كانت هذه المواقع مصدراً لأخبار ومعلومات مهمة. أضف إلى ذلك أن الفضاء الإلكتروني يشكل 70 في المائة من مصادر معلومات هذا الجيل من الصحافيين، ولذا فهو لا يجد حرجاً في التعامل مع مواقع التواصل كمصادر للمعلومات والأخبار، بل إن بعضهم لا يشك أبداً بما تتداوله هذه المواقع». وتابع البرماوي أن «هذا الجيل من الصحافيين يختلف كثيراً عن الجيل السابق الذي كانت مصادر معلوماته تعتمد على التفاعل المباشر، ولديه إحساس عالٍ بالشك في كل معلومة يحصل عليها، وكان يتعامل مع ما يتداول على الإنترنت بعدم يقين».
نقطة أخرى يثيرها البرماوي وهي «آلية عمل المواقع الإلكترونية التي تعتمد على السرعة في النشر، ما يضغط على الصحافيين لتقديم عدد كبير من الأخبار في وقت سريع، حتى وإن ثبت أنها غير صحيحة فيما بعد، فالأولوية هي ألا يفوته الخبر حتى لو كان خطأ». وهو ما أدى - حسب البرماوي - إلى «انفجار المشهد الإعلامي بكم هائل من الأخبار على مدار الساعة. ولدى مقارنة عما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات والآن، يتضح أن أي وزارة أو هيئة حكومية كانت تصدر في المتوسط 3 أخبار أسبوعياً، أما الآن فهناك وزارات تصدر نحو 20 خبراً في اليوم، وهو كم يعجز الصحافيون عن متابعته بشكل متعمق».
في هذا الإطار، وفق استطلاع «أصداء بي سي دبليو» الثاني عشر للشباب العربي عام 2020، غدت «مواقع التواصل الاجتماعي المصدر الرئيسي للأخبار بالنسبة للشباب العربي». إذ أظهر الاستطلاع أن «79 في المائة من الشباب العربي تلقوا معلوماتهم من مواقع التواصل عام 2020 مقارنة بـ25 في المائة عام 2015... ويعد (فيسبوك) واحداً من المصادر الرئيسية للتواصل مع الأصدقاء والحصول على الأخبار، وهو ما أدى إلى تراجع مصادر الأخبار الأخرى». وتعليقاً على ما جاء في الاستطلاع الذي نشرته «يونيسكو كورير»، الصادرة عن منظمة اليونيسكو، في الإصدار الثاني من عام 2021 فإن «انتشار مواقع التواصل بهذا الشكل أمر مثير؛ لكنه مخيف أيضاً، بسبب كثرة الأخبار المضللة المنتشرة على هذه المواقع ما خلق وباء معلوماتياً».
من جهة أخرى، هذا لا يعني بالضرورة أن منصات التواصل لا يمكن أن تكون مصدراً للأخبار. وهنا تقول بلعيد إن «منصات التواصل يمكن أن تكون مصدراً للمعلومات باعتبارها منصة لتناقل الأخبار بسرعة؛ لكن يجب التحقق من المعلومات قبل نشرها، خصوصاً أن المؤسسات الإعلامية صارت الآن بدورها تمتلك حسابات وصفحات على مواقع التواصل وتنشر من خلالها أخبارها».
أيضاً، يقول مراقبون إنه «مع تغير آلية النشر وصناعة الأخبار وطبيعة الصحافي تغيرت أيضاً طبيعة المتلقي، فمعظم مستهلكي أخبار المواقع الإلكترونية في مصر - مثلاً - من الطبقة ذات التعليم المتوسط، وهي طبقة قد لا تبحث عن أصل الخبر، ولا تهتم بأن موقعاً ما ينشر أخباراً غير دقيقة. وربما يفسر هذا ما نراه من قلة الحرج من نشر أخبار خاطئة والتلكؤ في تصحيحها أو الاعتذار عنها».
في السياق ذاته، يشير البرماوي إلى مشكلة أخرى هي «تواتر المعلومات، حيث ينشر أحد المواقع خبراً معتمداً على معلومات متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم يأتي آخر ويعيد الخبر نفسه. وعند محاولة أحد التحقق عبر البحث على محركات البحث، نجد مجموعة من الأخبار حول الموضوع عينه، وهو ما يكسبها نوعاً من المصداقية يدفع باقي الصحافيين للكتابة عنها، معتمدين على المعلومات نفسها».
وفي الآونة الأخيرة، أحدث نقل معلومات من مواقع التواصل الاجتماعي ضجة في مصر، ودفع صحيفة مصرية يومية خاصة إلى الاعتذار يوم السبت الماضي، في أعقاب نشرها على صفحتها الرسمية بـ«فيسبوك» خبراً عن وفاة الفنانة دلال عبد العزيز، وهو ما نفته أسرة الفنانة، لتعتذر الصحيفة بعد ذلك. الصحيفة قالت إنها «نشرت الخبر استناداً لمعلومات نشرتها شخصيات إعلامية وفنية عبر حساباتها على مواقع التواصل». وعلق البرماوي قائلاً إنه «لا يمكن نشر أخبار تتعلق بوفاة أحد الأشخاص خصوصاً المشاهير من دون تحقق... إن ألف باء الصحافة هو وجود قواعد للنشر والتدقيق تمنع مثل هذه الأخطاء...».
هذا، وحسب دراسة نشرتها «ميس إنفورميشن ريفيو» الأميركية خلال يونيو (حزيران) 2020، فإن «المواطنين الذين يتلقون معلوماتهم من مواقع التواصل أكثر تقبلاً للأخبار الزائفة والمضللة». وهنا يعتقد البرماوي أن «مواجهة هذه الأخطاء تأتي بتعزيز آلية الشك لدى الصحافيين، وتزويدهم بمهارات التحقق من المعلومات، وهي أدوات بسيطة لا تستغرق أحياناً ثواني معدودة. يضاف إليها وضع مواثيق شرف للإعلام الإلكتروني، وهو ما فعلته كلية الإعلام جامعة القاهرة في مؤتمرها العلمي الأخير، حين أطلقت ميثاق شرف للإعلام الإلكتروني يتضمن مجموعة من القواعد البسيطة، بهدف تقليل مثل هذه الأخطاء». أما الدكتورة بلعيد فترى أن «التحقق من المعلومات ليس ممارسة حديثة بل قديمة. ولا يمكن للصحافي أن ينشر أي خبر دون التثبت من صحته، واليوم توجد مجموعة من الأدوات والوسائل في الإنترنت تساعده على التحقق من المعلومات».


مقالات ذات صلة

بعد تسببها بعطل معلوماتي عالمي... ماذا نعرف عن «كراود سترايك»؟

تكنولوجيا شعار شركة «كراود سترايك» (أ.ف.ب)

بعد تسببها بعطل معلوماتي عالمي... ماذا نعرف عن «كراود سترايك»؟

استيقظ الملايين من الأشخاص حول العالم، في وقت مبكر من صباح أمس (الجمعة)، ليجدوا القنوات الإخبارية التلفزيونية صامتة، وبعض القطارات والمواقع الإلكترونية معطلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا ركاب يتحققون من شاشات المغادرة والوصول مع تأخر الرحلات الجوية بسبب انقطاع التكنولوجيا العالمية في مطار أميركي (أ.ب)

انحسار العطل الرقمي العالمي... والتركيز ينصب على المخاطر

تعود الخدمات المقدمة في مختلف المجالات، من شركات طيران إلى قطاعات الرعاية الصحية والشحن والشؤون المالية، إلى العمل منذ أمس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا ركاب يتجمعون في صالة مغادرة الرحلات الدولية بمطار في روما وسط انقطاع الإنترنت (أ.ب)

لماذا انقطع الإنترنت حول العالم؟ كل ما تحتاج إلى معرفته

أدى انقطاع كبير في الإنترنت، اليوم (الجمعة)، إلى تعطيل أجهزة الكومبيوتر التي تعمل بنظام التشغيل «ويندوز» في جميع أنحاء العالم.

شمال افريقيا جانب من امتحانات «الثانوية» في مصر (وزارة التعليم المصرية)

«التعليم المصرية» تُكثف الإجراءات ضد مُسربي الامتحانات في «الثانوية»

تكثف وزارة التربية والتعليم في مصر من إجراءاتها لمواجهة وقائع تسريب أسئلة امتحانات «الثانوية العامة»، والتصدي لحالات «الغش الإلكترونية».

أحمد إمبابي (القاهرة)
يوميات الشرق حملة في بداية العطلة الصيفية المدرسية لإبعاد المحتويات المضرة عن عيون الصغار في الصين (رويترز)

الصين تعزز القيود لحماية الأطفال من المحتويات الإلكترونية «الخطرة»

أعلنت الصين إطلاق حملة إلكترونية ضد تطبيقات مشاركة الفيديو وشبكات التواصل الاجتماعي التي توزع محتوى خطراً للأطفال.

«الشرق الأوسط» (بكين)

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»
TT

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»

بعد النجاح الذي حققه على قناة «الشرق ديسكفري»، يعُرض برنامج «عقول مظلمة»، أول برنامج تلفزيوني عن الجريمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من إنتاج «SRMG Studios» للمرة الأولى على منصة «نتفليكس».

ويعد «عقول مظلمة» أول برنامج تلفزيوني عن الجريمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أعمال «الشرق ديسكفري» الأصلية يتم تقديمه للجمهور العربي، حيث تستكشف هذه السلسلة الوثائقية المشوّقة قصص أبرز القتلة المتسلسلين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتجمع بين الصحافة الاستقصائية والسّرد الواقعي لقصص حقيقية هزّت المجتمع.

برنامج «عقول مظلمة» هو الإنتاج الأول لـ«SRMG Studios»، قسم الإنتاج في «SRMG»، الذي يهدف إلى إنتاج محتوى أصلي للجمهور العربي وتلبية احتياجات الصناعة من خلال الاستفادة من الشراكات الدولية لـ«SRMG»، والعمل مع المواهب الإقليمية، لإنتاج عديد من المشروعات الكبرى، التي هي قيد التنفيذ حالياً.

ويقدم البرنامج منظوراً فريداً لم يسبق طرحه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يسلط الضوء على جوانب إجرامية عاشتها بعض المجتمعات، وتمّ تجاهلها على نطاق واسع، بالإضافة إلى أنه يُلقي نظرة متعمّقة على الجوانب التي لم تناقش على نطاق واسع، كما يُبحر في أساليب ودوافع هذه الجرائم عبر تحليل دقيق لسلوكيات القتلة المتسلسلين مبني على لقاءات مع اختصاصيين، وخبراء جنائيين، وقانونيين، وأطباء.

ويعرض «عقول مظلمة» قصصاً من تونس والأردن والعراق والمغرب ولبنان ومصر، وتشمل: نصير دمرجي، والإخوة تانيليان، ولؤي التقي، وسفّاح الجيزة، وبلال وسوزان، وسفّاح مديونة.

وتهدف «الشرق ديسكفري» من خلال «عقول مظلمة»، وهو البرنامج الفريد من نوعه ضمن الأعمال الأصلية للقناة، إلى تقديم محتوى تثقيفي وترفيهي عربي مجاني لم يسبق له مثيل في المنطقة، حيث تسعى من خلاله إلى تقديم القصص غير المسبوقة في قالب مشوّق ورصين يواكب الطلب المتزايد على الإنتاجات العربية عالية الجودة.

تقدّم «الشرق ديسكفري» عدداً واسعاً من البرامج المجّانية الحصرية من مكتبة «وارنر براذرز ديسكفري»، بالإضافة إلى برامج الإنتاج الأصلي والإنتاج المشترك مع «وارنر براذرز ديسكفري»، و«HBO».