أفلام عن أحداث اليوم وتوقعات الغد

المستقبل يبدأ الآن

من «الحب وسرقة وأشياء أخرى»
من «الحب وسرقة وأشياء أخرى»
TT

أفلام عن أحداث اليوم وتوقعات الغد

من «الحب وسرقة وأشياء أخرى»
من «الحب وسرقة وأشياء أخرى»

انطلقت خلال الأيام الماضية العروض الأميركية لفيلم «رجلان في المدينة» للمخرج الجزائري الأصل رشيد بوشارب وهو دراما صوّرها المخرج في 3 مواقع من ولاية نيومكسيكو الأميركية مع فورست ويتيكر وهارفي كايتل وبرندا بليثون ولويس غوزمان ودولوريس هيريديا يتوزّعون الأدوار الرئيسية وشبه الرئيسية.
في الأسبوع ال ينطلق العرض الأول لفيلم آخر عنوانه «تشابي» لنيل بلومكامب، من بطولة شارلتو كوبلي ودف باتل، وهيو جاكمان مع سيغوري ويفر من بين آخرين.
لا علاقة بين الفيلمين سوى أنهما عملان سينمائيان يُعرضان في زمن واحد. لكن في حين أن «تشابي» يُعرض في كل مدينة أميركية فيها صالات سينما، يكتفي «رجلان في المدينة» بالحضور في المدن الكبيرة فقط، مثل سان فرانسيسكو ونيويورك ولوس أنجليس وعلى نحو محدود. لكن هناك رابطا أبعد قليلا من المنظور المباشر. «تشابي» هو عما سيؤول إليه العالم و«رجلان في المدينة» عما عليه العالم الآن. الأول خيال علمي حول مستقبل الإنسان واللاإنسان على الأرض، والثاني همّـه البحث في عالم اليوم ومشاكله.

* إسلاموفوبيا
* الموقع مهم في «رجلان في المدينة»: بلدة صحراوية يحط فيها وليام رحاله بعدما قضى سنوات في السجن، إثر قتله نائب شريف البلدة. لا نرى القتل، لكن شريف البلدة بِـل (هارفي كايتل) لا يزال يحمل الضغينة ضد وليام ويحب أن يراه وقد أخطأ في فعل أو تصرّف ليودعه السجن مرّة ثانية. ما سيزيد من حنق بل اكتشافه أن وليام كان دخل السجن مسيحيا، ليخرج منها مسلما، إذ اعتنق الإسلام فيه.
نرى بل يستشهد بالظرف الحاضر ويعزز المخاوف الإسلاموفوبية الراهنة لكي يتسبب في طرد وليام من العمل. في المقابل، هناك الضابط المشرف على تأهيل وليام والإشراف عليه خارج السجن. إنها امرأة قويّة العزم اسمها إميلي (برندا بليثون التي ظهرت في فيلم سابق لرشيد بوشارب هو «نهر لندن») هي الوحيدة التي تقف حائلا بين بل ومساعيه بإعادة وليام إلى السجن إذا أمكنه ذلك.
وليام ذاته عانى من جنوحه للعنف قبل دخوله السجن. لا نرى كيف ومتى ولماذا قتل نائب الشريف، لكن الفيلم يوحي بأن وليام فقد أعصابه واستحق غالبا العقوبة التي نالها، كونه كان يعمل مع عصابة يقودها المكسيكي تيرينس (لويس غوزمان). هذا يحاول إعادة وليام إلى الحظيرة، ووليام يمانع ويرفض، في النهاية سيفقد وليام رشده بعدما اعتدى بل على المرأة (المسيحية) التي وقع وليام في حبّـها (دولوريس هيريدا) ويقتله في مكان صحراوي.
ينهض وليام من فوق الجثّـة ويتجه لكي يتوضأ ويصلي، لكنه يتوقف عن الوضوء: لقد قتل جريمة ستعيده إلى السجن ثانية. وربما في طي المشهد الأخير كيف سيواصل وليام ممارسة إيمانه كمسلم في مجتمع كالذي يعيشه؟
«رجلان في البلدة» Two Men in Town فيلم عن العنصرية والقيود والانكفاء تحت ثقل الظروف غير المواتية. والمخرج لم يغيّر في واقع الحكاية كثيرا عما جاء به الفيلم الأصلي الذي تم له اقتباسه. في عام 1973 قام المخرج الراحل جوزيه جيوفاني بتحقيق فيلم أنتجه ألان ديلون وقام ببطولته لجانب جان غابان وميمسي فارمر تحت العنوان نفسه. الحكاية هناك بوليسية تماما: ألان ديلون يخرج من السجن بعد أن قام بسرقة. رئيس البوليس غابان لا يرضيه ذلك، وهو متأكد من أن ديلون سيعود إلى الجريمة، وها هو يقض هدوء حياة الضحية دافعا بها إلى الجريمة من جديد.
لكن في حين أن فيلم جيوفاني تم تصويره في باريس (مونبلييه وضواحي مدينة مييو، حوّل المخرج الجزائري بوشارب الأحداث إلى بلدة صحراوية قاحلة. نزع عن الفيلم التنوّع الاجتماعي والبيئي والديكوراتي وأعطانا فيلما بقدر ما هو واسع الأفق (نسبة لطبيعة المكان) فهو سجن بالنسبة لوليام. سجن بلا قضبان.
المشكلة هي أن بوشارب لا يستفيد من المكان على نحو متشبِّع. الطرح المذكور في الفقرة السابقة ما هو إلا إيحاء يوفره الفيلم، لكنه لا يوظفه جيدا جماليا أو دراميا. كذلك يبقى بطله غير حاضر بثقله الجوّاني. ما يعتمره في الداخل لا يظهر على نحو حاد، بل يتبلور في مشاهد قليلة إلى أفعال. هو يقوم بعمله في المزرعة بصبر. يقرأ كثيرا. يأمن جانبه ولا يتدخل. وفي المقابل لديه مشهدان يعكسان فقدانه أعصابه: قيامه بتحطيم راديو لجاره في تلك الشقة الحقيرة التي يعيش فيها، وقيامه بقتل رئيس العصابة الذي أراد إجباره على العودة للعمل لديه بالتعرض لمن أحب.
* أغراض شتى
* تجربة رشيد بوشارب في سينما المواضيع الجادة لا يستهان بها، آخذين بعين الاعتبار أفلامه المتوالية مثل «السنغال الصغيرة» و«أيام المجد» و«نهر لندن» (الذي يدعو كذلك إلى التوافق بين الأديان)، و«خارج القانون»). أما نيل بلومكامب، فهو عمد إلى مزج أعماله المنتمية إلى سينما الخيال العلمي بالمضامين التي تحاول أن تقول شيئا، لكنها تقول نصفه.
قبل سنوات قليلة، عندما حقق «القطاع 9» عام 2009، اعتبر بلوكامب اكتشافا مهمّا في إطار النوع الذي اختاره. مخرج موهوب يتحدث هناك عن مركبة فضائية تحط على الأرض في زمن مقبل، وفي عالم فقد كياناته الاجتماعية والنظامية. المخلوقات ذات الشكل البشري التي تزور الأرض يتم تطويعها لتعيش في قاع المدينة (لا عمران بل مخيمات وأكواخ وعشوائيات). فيلمه الثاني: «فردوس» (2013) هو أيضا من الخيال العلمي ذاته وفيه مات دامون لاعبا شخصية عميل حكومي في عام 2154. مهمّـته مطاردة المواطنين الذين يحيون خارج نظم المدن التي أغلقها الأثرياء على أنفسهم. هذا إلى أن يكتشف أنه يحارب في الصف الخطأ، وأن عليه أن يفعل شيئا لإنقاذ الناس العاديين.
«تشابي» الجديد ما زال يطرق باب المستقبل ليتناول، كما الفيلمان السابقان، ما سيؤول إليه مستقبل الأرض ومن عليها في المستقبل غير البعيد. النبوءة هنا مشابهة لما ورد في الفيلمين السابقين ومختلفة. مثلهما هي عن عالم سيخضع لمقدرات وهيمنة قوى طاغية، ومختلفة من حيث إن الأحداث لا تطير 215 سنة إلى الأمام، بل تبقى في إطار المستقبل المنظور.
هناك، في أعوام قليلة، سيبني المجتمع «الروبوت» النموذجي لمحاربة الجريمة. لكن المفاد هو أن الجريمة بنظر السلطة هي غير الجريمة كما يفهمها العوام من الناس. بالنسبة للأولى، كل حركة ينتج عنها مناوأة أو معارضة السائد والمفروض هي جريمة سيتدخل الروبوت لكي يكون القاضي والجلاد معا.
ألم نشاهد ذلك في «روبوكوب» و«القاضي درد»؟
بالتأكيد. لكن الأمل هنا هو تقديم روبوت قام المواطنون بالاستيلاء عليه وتغيير نظامه الآلي وشيفراته الكومبيوترية المستخدمة ثم تحويله إلى أول روبوت مفكّر.
الغاية هي أن يفكر قبل أن يبطش، أن يحلل الأوضاع الماثلة عوض أن يستجيب للبرنامج الذي يعمل بموجبه ويكتفي بأن يكون أداة فاشية. الأحداث سوف تضع الروبوت (واسمه تشابي ويقوم به الممثل الذي لعب بطولة «المقاطعة 9» شارلتو كوبلي) موزعا بين أغراض شتى. لقد تبناه آسيويان لم يرزقا بولد، ويديره ديون (الهندي داف باتل) ويعارضه أحد المشرفين على تشغيل الروبوت لحساب السلطة (هيو جاكمان). في مجمله، يستوحي «تشابي» من واقع اليوم ما يطرحه في الغد.
التقنيات التي حذّر من سطوتها ستانلي كوبريك في «2001: أوديسا الفضاء» قبل 47 سنة تمارس عملها اليوم في التصنت والرصد ومواجهة الإرهاب، ثم ما هو غير إرهاب أيضا.
لكن «تشابي» في حين أنه لا يضيف جديدا على حكايته، لا يضيف جديدا يذكر على تقنياته أيضا. في الواقع هناك صدى لما سيؤول عليه الزمن نجده على نحو أفضل في فيلم ستيفن سبيلبرغ «تقرير الأقلية» (The Minority Report).
* حل وسط
* إن لم يكن الواقع الحالي حافزا لمعاينته في «رجلان في البلدة» والصورة المتوقعة للغد مثيرة للاهتمام في «تشابي»، فإن هناك بديلا كوميديا خفيف الوطأة. أحيانا أكثر مما يجب. إنه متمثل في «ثاني أفضل فندق إكزوتيك ماريغولد» أو Second Best Exotic Marigold Hotel الذي يأتي بعد عامين على ظهور الفيلم البريطاني المصوّر في الهند The Best Exotic Marigold Hotel ، موقّعا باسم المخرج ذاته، جون مادن.
في الأول، حمل عدد من السياح البريطانيين الذين تجاوزوا سن الشباب توقعاتهم وأحوالهم الشخصية وحطّوا الرحال في فندق اختارته لهم وكالة سفريات. فوجئوا وبعضهم تذمر والآخر قبل. مدير الفندق سوني (دايف باتل مرة أخرى) هرع للترحيب بالجميع وتسهيل أحوالهم، لكن هناك قوى «هندية» أقوى منه مثل الفوضى واختلاف الأمزجة، وما يأتي أولا وما يأتي آخرا في سلم التفضيل. الفيلم الجديد يعيد الكرّة، لأن (مبدئيا) مرة واحدة لا تكفي.
هذه المرة أكثر السائحات البريطانيات تعصبا وعنصرية أصبحت أكثر قبولا من سواها، لدرجة أنها باتت الآن تشارك سوني إدارة الفندق.
كل الشخصيات السابقة وممثلوها (مثل جودي دنش وبل ديغي) تعود باستثناء توم ولكنسون، الذي كان القرار اتخذ في نهاية الفيلم السابق بموته. ثم هناك الإضافة: رتشارد غير له دور هنا ككاتب يصل لاستكشاف الهند، وطرف حكاية غرامية تنشأ عندما تقع في عذوبته عاملة البار مادج (سيليا إمري العائدة بدورها للعب الشخصية التي مثّلتها في الفيلم السابق). لا شيء جديدا في كل ذلك. الأحداث تضحك لمشاهديها، وهو سيضحك لها، لأن هذا هو السبب في صنع الفيلم، كما هو السبب وراء قيام البعض بمشاهدته. لكن هذا اللاجديد يصنع فيلما بلا أنياب أيضا. في حين أن الفيلم السابق كان لديه فضل تصوير المجابهة بين ثقافتين، فإن على الفيلم الجديد أن يتجاوز ذلك الصدام الثقافي والحضاري ويأتي ببديل. هذا البديل يتموضع فاترا طوال الفيلم.
لا يخلو الفيلم من تحية كبيرة.
ربما هي تحية وداع، إذ ليس من المتوقع أن نشاهد جزءا ثالثا. فالفصل النهائي هو رقص فولكلوري هندي يشع بهجة وألوانا وابتسامات جاهزة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».