أزمة المحروقات في لبنان تهدّد المخابز والمستشفيات وتقفل أبواب المطاعم

طوابير سيارات للتزود بالبنزين وسط أزمة خانقة في منطقة السعديات جنوب بيروت (أ ف ب)
طوابير سيارات للتزود بالبنزين وسط أزمة خانقة في منطقة السعديات جنوب بيروت (أ ف ب)
TT

أزمة المحروقات في لبنان تهدّد المخابز والمستشفيات وتقفل أبواب المطاعم

طوابير سيارات للتزود بالبنزين وسط أزمة خانقة في منطقة السعديات جنوب بيروت (أ ف ب)
طوابير سيارات للتزود بالبنزين وسط أزمة خانقة في منطقة السعديات جنوب بيروت (أ ف ب)

عادت أزمة المحروقات في لبنان ولا سيما شحّ مادة المازوت إلى تهديد الأفران والمستشفيات وغيرها من القطاعات منذرة بعتمة شاملة بعد توقف المولدات الخاصة في عدد من المناطق عن العمل في ظلّ استمرار أزمة كهرباء لبنان التي باتت تقتصر تغذيتها على ساعتين يوميا في الكثير المناطق.
وأعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أنه تابع قضية شح مادتي البنزين والمازوت في الأسواق رغم الاتفاق الذي حصل بين مصرف لبنان وأصحاب الشركات بتأمين حاجة السوق من مادتي البنزين والمازوت لمدة ثلاثة أشهر على قاعدة اعتماد سعر 3900 ليرة للدولار على منصة مصرف لبنان لسعر الاستيراد بدلا من 1500 (السعر الرسمي لليرة) بعد تخفيض الدعم.
وطلب دياب فتح تحقيق لكشف المتلاعبين والمحتكرين والجهة أو الجهات التي لم تلتزم بذلك الاتفاق وإعلان أسمائهم إلى الرأي العام، كما أعطى توجيهاته لتأمين المازوت بسرعة إلى الأفران المهددة بالتوقف.
وأعلن دياب تأمين 500 ألف لتر من المازوت للأفران تبدأ بتسلمها اعتباراً من اليوم الجمعة بناء على قسائم صادرة عن وزارة الاقتصاد.
وحذر اتحاد المخابز والأفران في لبنان من أزمة رغيف على الأبواب اعتبارا من الأسبوع المقبل بسبب فقدان مادة المازوت مما سيدفع بعض الأفران والمخابز للتوقف بعد نفاد الاحتياطي المتوفر لديها من هذه المادة.
وأكّد الاتحاد أن مديرية النفط سلمت يوم الاثنين الماضي كمية من هذه المادة لا تكفي لأكثر من أسبوع إلا أنه خلال عطلة عيد الأضحى لم تسلم أي كمية، وأعلنت عن نفاد المازوت لديها.
وطالب الاتحاد جميع المسؤولين وبصورة خاصة مديرية النفط تأمين المازوت للأفران قبل يوم الاثنين لأن الاحتياطي المخزن لدى العديد من الأفران والمخابز شارف على الانتهاء.
وحذّرت نقابة المستشفيات من أن عددا منها بات مهددا بنفاد هذه المادة خلال ساعات، مما سوف يعرض حياة المرضى للخطر مشيرة في بيان لها أنّه يتعذر على المستشفيات الحصول على مادة المازوت لتشغيل المولدات في ظل انقطاع الكهرباء مدة لا تقل عن 20 ساعة في اليوم.
وأهابت النقابة بالمسؤولين العمل فورا على حل هذه المشكلة تجنبا لكارثة صحية محتّمة.
ووصلت تداعيات أزمة المازوت إلى القطاع السياحي إذ اضطر عدد من المطاعم خلال الأيام الماضية على إقفال أبوابه بسبب نفاد مادة المازوت وعدم قدرته على تشغيل المولدات.
واعتبر رئيس نقابة المجمعات البحرية السياحية وأمين عام اتحاد النقابات السياحية جان بيروتي أن انقطاع مادة المازوت سيؤدي إلى تدمير القطاع السياحي، وسيؤثر كثيرا على الآمال الاقتصادية المعلقة على مجيء اللبنانيين المغتربين إلى لبنان، لافتا إلى أن ١٤مطعما أقفل أول من أمس رغم عيد الأضحى بسبب فقدان مادة المازوت.
من جهة أخرى، عمد أصحاب عدد من المولدات في العاصمة بيروت إلى إبلاغ المشتركين عبر رسائل نصية بنفاد مادة المازوت لديهم، مشيرين إلى أنّهم سيضطرون إلى إطفاء المولدات كليا بانتظار توفير هذه المادة.
وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن بعض أصحاب المولدات في مدينة صيدا وجوارها وفي مخيم عين الحلوة، طلبوا من مشتركيهم من أصحاب المحال والمؤسسات التجارية والمنازل، عبر رسائل نصية على هواتفهم الجوالة، التخلص من البضائع التي تحتاج للتبريد في محالهم ومنازلهم، لأنهم بصدد إطفاء مولداتهم تباعا بعد نفاد مادة المازوت وارتفاع أسعارها في السوق السوداء.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.