11 ألف رسام يجمعهم لون الريشة شرق السعودية

«كانفش» يستكشف المواهب ويعزز التجربة الفنية

TT

11 ألف رسام يجمعهم لون الريشة شرق السعودية

الرسم ليس فناً وهوايةً فقط، بل هو متاح لأي راغب بممارسته، ووسيلة للتخلص من القلق والتوتر، هكذا ترى الشابة السعودية ميساء الرويشد، التي أسست مرسم «كانفش» بمدينة الخبر، وقدمت خلاله أكثر من 1300 جلسة فنية، في ظرف عامين، ويعد هذا المشروع من أوائل المؤسسات السعودية التي حازت على تراخيص من الجهات ذات العلاقة.
وتقول ميساء الرويشد لـ«الشرق الأوسط»، إن مشروعها الذي أكمل عامه الثالث كان أشبه بالحلم، لحداثة الفكرة على المجتمع السعودي، إلا أنه تزامن مع اهتمام البلاد بالفن والإبداع، مما أثار شغف الرغبة بتجربة الرسم، مؤكدة أن المكان استطاع جذب نحو 11 ألف مشارك في الجلسات الفنية، ممن أمسكوا الفرشاة لأول مرة في حياتهم.
وتؤكد أن هؤلاء المشاركين لا تدفعهم الرغبة في احتراف الفن التشكيلي، قائلة: «الهدف هو المتعة أكثر من صناعة فنان، وإن كان هناك من وجد لدينا الحافز ليستمر في الرسم»، مشيرة إلى أن كل فرد يأخذ لوحته معه، ويعلقها في منزله في مكان بارز، تعبيراً عن فخره بما رسم.
وعن أهداف المشروع، تفيد الرويشد بأنه يأتي على رأسها إيجاد مساحة وفضاء يُعني بتقدم كافة الخدمات الفنية، والمساهمة في رفع الذائقة البصرية بين أفراد المجتمع، مضيفة: «استطعنا الخروج من الإطار الفني المعتاد، وحاولنا إدخال فنون جديدة وأفكار جديدة».
وتشير الرويشد إلى أن فكرة الجلسات الفنية تبتعد عن الدورات التدريبية، فهي تقام لمدة ساعتين فقط، وتستهدف أناساً لأول مرة يمسكون فرشاة الرسم، ويبدأون بالرسم خطوة بخطوة برفقة فنانين محترفين، مؤكدة أن ذلك من شأنه إخراج الطاقة السلبية، وبث روح المتعة أثناء الرسم.
وخلافاً لما هو متوقع من كون هذا النشاط يجذب صغار السن، تفصح الرويشد بأن نحو 72 في المائة من مرتادي الجلسات الفنية هم ممن تتجاوز أعمارهم الـ33 عاماً، وجميعهم يرسمون للمرة الأولى في حياتهم، مرجعة ذلك لكون معظم المشاريع الترفيهية صارت تركز على الأعمار الأصغر، مما يجعل هذه الفئة تجد متنفساً لها في المرسم. ويُوجد المرسم الخاص فكرة جديدة للفنانين المحترفين الراغبين بزيادة دخلهم في عمل إضافي، من خلال تقديم الجلسات الفنية التي يشارك بها قرابة 40 مشاركاً مبتدئاً، بحيث يوجهونه للخطوات الأساسية لإكمال اللوحة. وهنا تشير الرويشد إلى أن «كانفش» يضم قرابة 300 لوحة فنية لنخبة من الفنانين.
وتمتد مهام هذا المشروع إلى إدارة الفنون البصرية وبروتوكولات الفن، مروراً بتنظيم المعارض الفنية المتخصصة، إلى جانب استقطاب المتاحف الفنية ورسم الجداريات وتصميم وتنفيذ مجسمات ثلاثية الأبعاد ورسم اللوحات الفنية وبيعها، كما يهتم بعمل جلسات فنية ترفيهية، من شأنها طرد الطاقة السلبية لمرتادي المكان. وتذكر الرويشد إنجازات المرسم التي من أبرزها المشاركة في جدارية أهل العوجاء التي تعد الأطول من نوعها على مستوى السعودية بالتعاون مع بلدية الخبر، وكذلك المشاركة في مهرجان الخيل العربية الأصيلة ومهرجان الصقور والصيد بالرياض وغير ذلك، وتجميل الوجه العمراني للمنطقة الشرقية عبر المطاعم والمقاهي.
وتركز الرويشد على العمل في المشاريع الترفيهية والفعاليات والمعارض، وإدارة الفعاليات الفنية، وكذلك استقبال المدارس والشركات، مشيرة إلى أن الشركات تحضر موظفيها إلى المرسم لكسر روتين العمل وتحسين المزاج، وذلك من فئات عمرية كبيرة نسبياً، بحيث يسعدون بالخروج بلوحات فنية رسموها بأيديهم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».