«المركزي» اللبناني يضمن سرية حسابات المودعين المستفيدين من السحوبات بالدولار

TT

«المركزي» اللبناني يضمن سرية حسابات المودعين المستفيدين من السحوبات بالدولار

حسم «مصرف لبنان» المركزي الجدل القانوني المتصل بسحوبات المودعين بالعملات الصعبة الذين يحقّ لهم الاستفادة من مندرجات التعميم رقم 158، وأخذ ضمانة سرية الحسابات على عاتقه عبر إصدار نموذج موحد لكل المصارف لتنفيذ التعميم، غداة تحذير نائب عن «القوات اللبنانية» من عدم قانونية طلب المصارف من المودعين توقيع أوراق تمس بحقوقهم تنفيذاً لهذا التعميم.
ويقضي التعميم 158 بتمكين أصحاب الودائع بالدولار من سحب 800 دولار شهرياً ولمدة سنة كاملة بدءاً من شهر يوليو (تموز) الحالي، مقسمة إلى 400 دولار بالدولار، و400 دولار تسحب قيمتها بالليرة اللبنانية حسب سعر المنصة التي يحددها مصرف لبنان والتي كانت 12200 ليرة، قبل أن يصدر قراراً ليل الجمعة قضى برفعها 25 في المائة بالتزامن مع ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء إلى حدود 20 ألف ليرة. ورفع المصرف «المركزي» سعر صرف الدولار في المنصة الجديدة من 12200 ليرة للدولار الواحد، إلى 15200 ليرة للدولار، بموازاة ارتفاع سعره في السوق السوداء.
وعقب استفسار «الشرق الأوسط» عن حقيقة التعديل، لاحظ مصدر مصرفي أن اعتماد السعر الجديد يعكس إقراراً غير مباشر بواقعية مستوى سعر الدولار في الأسواق غير النظامية والذي لامس عتبة 20 ألف ليرة في تداولات اليومين الماضيين. وأعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن حجم التداول من قبل المصارف ومؤسسات الصرافة المشاركة على منصة «Sayrafa»هذا الأسبوع هو 5 ملايين دولار أميركي بمعدل 15200 ليرة للدولار الواحد. وشدد على ضرورة أن تستمر المصارف ومؤسسات الصرافة بتسجيل كافة عمليات البيع والشراء على هذه المنصة وفقاً للتعاميم الصادرة بهذا الخصوص.
بالموازاة، ظهر جدل قانوني حول النماذج المختلفة التي كانت تعتمدها المصارف ليوقعها الزبائن الذين يسحبون ودائعهم. وحسم «المركزي» الأمر بإصدار نموذج موحد فرضه على المصارف، وأخذ ضمانة الحفاظ على السرية على عاتقه.
وأكدت مصادر مصرفية متابعة، تثبيت هذه التوضيحات كمرجعية للسلطة النقدية في رعاية حقوق المودعين المشمولين بالاستفادة ومتابعتها من جهة، وضمان عدم الإخلال بالمندرجات الواردة في التعميم من جهة مقابلة. ورجحت أن تسهم في إزالة الالتباسات القانونية والإجرائية التي رافقت تعميم السحوبات، والتي أنتجت شكوكًا في أوساط المودعين لدرجة التسبب بتردد واسع النطاق في قبول التوقيع على النماذج الخاصة التي أعدتها البنوك كشرط مسبق للاستفادة من السحوبات النقدية المتاحة بدءاً من الشهر الحالي.
لكن المستجد على جبهة التراجع المستمر في سعر العملة الوطنية في نهاية أسبوع من المبادلات النقدية، أعاد، وفقاً للمصادر المتابعة، فرض فوضى من شأنها زيادة الشكوك بشأن التدبير النقدي الذي سيتم تنفيذه على مدار عام كامل من ضمن حزمة تمتد إلى خمس سنوات.
وقالت المصادر إن ارتفاع الأسعار الواقعية للدولار في أسواق المبادلات النقدية دفع مصرف لبنان لتعديل سعر المنصة التي تتيح سحب 400 دولار بالليرة اللبنانية «منعاً لتدهور قيمة السحوبات من الودائع».
وفي رد غير مباشر على إثارة المخاوف وتحذير المودعين من توقيع المستندات الخاصة بتطبيق التعميم، أوضح «المركزي» أن على المصارف أخذ تواقيع جميع العملاء الراغبين بالاستفادة على تنازل هؤلاء العملاء عن السرية المصرفية، أنه سيشمل فقط «الحسابات الخاصة المتفرعة»، فضلاً عن التقيد بالنموذج المعد من قبل مصرف لبنان لهذه الغاية، والتزام المصارف بعدم فرض أي التزامات أو شروط أو تعهدات أو إجراءات غير منصوص عليها في القرار.
وكانت «جمعية المستهلك» قبل بيان «المركزي» حذرت المودعين من أن «التواقيع التي تطلبها المصارف هي غير قانونية» كونها تحتمل إسقاط حق المودع في ماله وفي مقاضاة المصارف، علما بأن هذه التواقيع «تعسفية وساقطة» وفق المادة 26 من قانون حماية المستهلك. ورأت أن تحصيل حقوق المودعين يتطلب الصبر والتضامن بدلاً من الخضوع لخسارة 80 إلى 90 في المائة من الودائع. كما نوّهت بأن «صرف 400 دولار هي بالتأكيد مهمة، خاصة لصغار المودعين الذين يعانون بشدة، لكن الثمن الذي تطلبه المصارف سيكون إعطاء الفتات لشهرين أو ثلاثة، ثم تجميد الباقي لخمس سنوات» وفق المعلومات التي توفرت للجمعية.
وإذ أشارت إلى «هدية هي الأخطر، قدمها الحاكم للمصارف، ومجدداً من جيوب المودعين هي تجميد أكثر من 20 مليار دولار، بفائدة صفر في المائة، تابعة لنحو 700 ألف حساب لن يتمكن أصحابها من المطالبة بها لمدة خمس سنوات»، فقد أبدت استعداداتها «للطعن بالتعميم 158 أمام القضاء»، داعية «اللجان النيابية والسلطة الحاكمة لأن تتوقف عن المراوغة والتلاعب والتهرب من مسؤولياتها ووضع خطة شاملة للخروج من الأزمة أو الرحيل». أما بالنسبة إلى الحل، فاعتبرت أنه «أسوة بالدول التي عانت نفس المأزق، على المجلس النيابي إصدار قانون الكابتال كونترول من ضمن خطة متكاملة للخروج من الأزمة ودفع الودائع بعملتها الأصلية».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.