تقديم النجوم المصريين للبرامج... مكاسب مادية وخسائر فنية

هنيدي وإدوارد وكرارة وإسعاد يونس من أبرزهم

TT

تقديم النجوم المصريين للبرامج... مكاسب مادية وخسائر فنية

لم يكتف بعض الفنانين المصريين بالظهور على شاشة التلفزيون عبر المسلسلات الدرامية أو الأفلام السينمائية، بل حرصوا على حجز مساحات جديدة من خلال تقديم البرامج الترفيهية والفنية، لكن هذا الظهور يعدّه بعض النقاد «غير إيجابي»، لا سيما أنه لا يضاف للرصيد الفني لمعظم الفنانين، ولا يحقق سوى «الانتشار وكسب الأموال»، بحسب وصفهم.
وكان الفنان الكوميدي محمد هنيدي أحدث المنضمين لقائمة الفنانين المذيعين في مصر أخيراً، حيث تم الإعلان أخيراً عن تقديمه برنامجاً على قناة «المحور» الفضائية، وذلك بعد تجربته الإعلامية السابقة من خلال برنامج المسابقات «لحظة شك».
ورغم تأكيد بعض الفنانين المذيعين على ثراء تجاربهم الإعلامية وتميزها، يرى نقاد وخبراء إعلام أن تقديم الفنانين للبرامج لا يعدو كونه «منفعة متبادلة»، ففي الوقت الذي يستفيد فيه الفنانون مادياً، وخصوصاً في أوقات فراغهم أو بين المواسم الدرامية، تستفيد القنوات كذلك من تسويق ظهورهم عبر شاشاتها لاجتذاب المعلنين.
وتجتذب البرامج الترفيهية والاجتماعية الفنانين، إذ تعتمد معظم برامجهم على استضافة ومحاورة زملائهم وأصدقائهم الممثلين والمطربين، مما يخلق نوعاً من التفاعل الإيجابي بين المحاور والضيف.
وتذيع قنوات مصرية حالياً عدداً من برامج الفنانين، وفي مقدمتها برنامج «سهرانين» الذي يقدمه النجم أمير كرارة على قناة «أون» للموسم الرابع على التوالي، فيما يواصل الفنان إدوارد تقديم برنامج «القاهرة اليوم» على قناة «أوروبت»، ويقول إدوارد في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» إن «تقديم البرامج يأتي ضمن أولوياته بعد التمثيل مباشرة، إذ إنه يعتبر التقديم التلفزيوني والإذاعي تجربة رائعة يفخر بها على مدار خمس سنوات».
كما أعلنت الفنانة المصرية مها أحمد أيضاً عن اقتراب موعد إذاعة برنامجها «تفاحة مصرية» على قناة «الشمس». وبجانب الفنانين المصريين كان للفنانين اللبنانيين فرصة في تقديم البرامج على غرار الفنانة مادلين طبر التي قدمت عدة برامج كان آخرها «حلوة يا دنيا» على قناة TEN المصرية، وتقول مادلين في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «يجب أن يكون الفنان مثقفاً ومُلماً بما يطرحه في برنامجه حتى يحقق نجاحاً لافتاً»، وأضافت: «أنا حاصلة على ماجستير إعلام لكنني فضلت في البداية إظهار موهبتي في التمثيل قبل الإعلام، وعندما وصلت لمرحلة متقدمة في الفن عدت إلى قواعدي وأنا أملك أدواتي وألعب في ملعبي بتمكن». على حد تعبيرها.
مشيرة إلى أن «البرامج تؤكد مدى ثقافة الفنان، أكثر من التمثيل، كما أن هناك الكثير من النجوم قدموا برامج وفشلوا فليس كل فنانة إعلامية والعكس»، مؤكدة في الوقت ذاته أن «اسم الفنان يكون سبباً رئيسياً من أسباب رواج البرنامج».
لكن الناقد الفني المصري طارق مرسي يقول مرسي لـ«الشرق الأوسط»: «إن التجارب السابقة أكدت أن هذا التقليد لا يضيف للنجم سوى الأموال فقط، وفي معظم الأحيان يأخذ من اسمه، فهي لا تستمر طويلاً ولا تترك له بصمة مميزة في مجال تقديم البرامج، ولا تحسب لرصيده الفني، بل تضيف لرصيده البنكي فقط».
وتعد الفنانة المصرية منى عبد الغني من أكثر الفنانات اللواتي جلسن على كرسي المذيع عبر برنامج «الستات ما يعرفوش يكذبوا»، كما تقدم حالياً الفنانة الشابة ليلى زاهر برنامج «حزر فزر»، خلفاً للفنانة هنا الزاهد التي قدمته في موسمه الأول، وخلال السنوات الثمانية الأخيرة اكتسبت الفنانة المصرية إسعاد يونس، شعبية كبيرة جراء برنامجها «صاحبة السعادة»، وخصوصاً بعد استضافتها عدداً كبيراً من نجوم الطرب والتمثيل، لكنها في الوقت ذاته لم تشارك في أعمال فنية جديدة منذ عدة سنوات.
ووفق مرسي، فإن اتجاه الفنانين لتقديم البرامج التلفزيونية ليس ظاهرة جديدة، بل تقليد قديم يدخل في زمام المشروعات الاستثمارية للنجم من أجل المكسب المادي فقط، وفي المقابل يحاول أصحاب القنوات أو وكالات الدعاية والإعلان استخدام اسم النجم وشهرته للترويج للقناة، حتى أصبح الأمر تقليداً ثابتاً ومتكرراً وممتداً مع ظهور القنوات الفضائية وتزايد أعدادها خلال الأعوام الأخيرة.
وسبق للفنانين أشرف عبد الباقي، وشريف منير، وأحمد حلمي، ومصطفى قمر، ومحمد صبحي، ومصطفى خاطر، وأنوشكا والفنانة التونسية لطيفة تقديم برامج مصرية، فيما اتجه آخرون لتقديم برامج طهي وتجميل وفن عبر موقع «يوتيوب» على غرار داليا مصطفى، وعلا رشدي، وهيدي كرم.
ويشير مرسي إلى أن «معظم النجوم يقبلون على تقديم البرامج عندما يعانون من الفراغ الفني، وقلة الطلب عليهم فنياً، أو حدوث تعطل في مشروعهم الفني ولهذا يجدون أنها فرصة للعودة للأضواء وكسب الأموال».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».