«رحلة النور»... حكاية فنية لبدايات الإنسان مع الطبيعة

المعرض المصري يضم 3 أسماء تشكيلية بارزة منهم الراحل راغب عياد

لوحة للفنان الراحل راغب عياد
لوحة للفنان الراحل راغب عياد
TT

«رحلة النور»... حكاية فنية لبدايات الإنسان مع الطبيعة

لوحة للفنان الراحل راغب عياد
لوحة للفنان الراحل راغب عياد

تقترب تجربة زيارة معرض «رحلة النور» من حالة التنزه بين مفردات الطبيعة، التي التقطها خيال ثلاثة من كبار الفنانين التشكيليين المصريين، منهم اثنان راحلان وهما راغب عياد وجميل شفيق، بالإضافة للنحات إسحاق دانيال.
المعرض الذي يستضيفه غاليري «نوت» بالقاهرة، ويستمر حتى منتصف يوليو (تموز) الجاري، يصيغ عبر تجربته البصرية أنساقاً وتكوينات تجمع بين النحت والتصوير، تنحاز للبدائية وسنوات الإنسان الأولى، وتماهيه مع الطبيعة وأيقوناتها، باحثاً عن جماليات تخص تلك البدائية والفرادة الإنسانية، قبل أن يتحول الإنسان لعُنصر تائه في زحام المُدن، فتقتفي «رحلة النور» أثر الارتباط الوثيق الذي أسسه الإنسان بالطبيعة من حوله، التي منحته الصُحبة والإلهام.
يبدو الجمع بين أسماء الفنانين المشاركين الثلاثة لافتاً، وهو الاختيار الذي تُعلق عليه مها فخر الدين، مديرة غاليري «نوت» في حديثها لـ«الشرق الأوسط» بأن المعرض يسعى لتسليط الضوء على الارتباط الوثيق في تناول موضوعات تخص الإنسان وتعلقه بمفردات الطبيعة في مشاريع الفنانين الثلاثة، وتقول: «فكرة المعرض قائمة في الأساس على اقتفاء رحلة الإنسان في تتبع واستكشاف الكائنات من حوله، بكل ما تحمله هذه الرحلة من حالة تأملية وروحانية، وهي ثيمة حاضرة بقوة في أعمال الفنانين الثلاثة على اختلاف أساليبهم الفنية».
تسكن الطبيعة في أعمال الفنان التشكيلي الرائد راغب عياد (1882 - 1982) التي تظهر ملامحها الواقعية التعبيرية في تسليطه الضوء على حياة الفلاحين والحيوانات التي تحرث الأرض كالبقر والثور والحصان، في علاقة فطرية تجمعها في أفق من أحلام الحصاد الذهبية، وكذلك نسج في أعماله التصويرية علاقة الإنسان بالبحر، والفُلك القديم والشراعات التقليدية التي كانت سبيله في ترويض الرياح، كما تظهر في واحدة من لوحات المعرض، التي يمكن بها تخيل الحالة الشعورية القلقة التي كانت تُواكب الإنسان في رحلته الأولى مع ارتياد البحر.
وفي حين يحتل البحر حجر الزاوية في أعمال الراحل جميل شفيق (1938 - 2016)، إلا أنه كان يُطل عليه من منظور أكثر حميمية، فكان مشغولاً بتشكيل الأسماك في لمسة فنية تُقارب الأسطورة، ويمكن في المعرض الاقتراب من منحوتات شفيق الخشبية لأسماكه التي وكأنها خرجت من بحار الأحلام، وتحمل منحوتات جميل شفيق حكايات الأخشاب التي كان البحر يقذفها على شاطئ المرسم الخاص بشفيق، فارتبط نحته بتعبير «طرح البحر»، حيث كان يستعين بتلك الأخشاب المُهداة له من البحر كخامة رئيسية تميز بها، ومنها منحوتات تُعرض في «رحلة النور» أغلبها للأسماك والخيول، كما تُعرض لوحات تصويرية له ما بين لوحات بالأبيض والأسود «حبر على ورق وفحم على ورق»، وأخرى مُلونة تتماهى وثيمة المعرض الضاربة في الحكايات الأولى للإنسان.
وتتجسد تلك الثيمة كذلك في أعمال النحات إسحاق دانيال، الذي تشارك أعماله الأقرب للأيقونات البدائية للإنسان في معية الطبيعة الحُرة، فهي أقرب للتمائم القديمة التي تُعد أحد أبرز ملامح مشروعه في النحت المعاصر، التي يجمع فيها بين الحس التعبيري والتجريبي في النحت، عبر تشكيلات فانتازية جمع فيها بين وجوه بشرية وأيقونات من الطبيعة كأنهما أصحاب حكاية واحدة، وتميل منحوتات دانيال لدرجات اللونين الأخضر والأزرق اللذين «يُعانقان تلك الحالة الروحانية لرحلة النور في المعرض»، على حد تعبير مها فخر الدين.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».