الإجراءات الأمنية والأزمة الاقتصادية تقلص زراعة الحشيش شرق لبنان

تراجع المساحات المزروعة 40 %... وتحول نحو البطاطا والخضار

TT

الإجراءات الأمنية والأزمة الاقتصادية تقلص زراعة الحشيش شرق لبنان

أدت الإجراءات الأمنية وإقفال الحدود أمام تجار المخدرات، إلى تقلص المساحات المزروعة بالمخدرات في وادي البقاع في شرق لبنان، حيث تراجعت المساحات المزروعة بالحشيش بنسبة 40 في المائة، بحسب ما يقول مزارعون وأمنيون، عما كانت عليه في العام 2020.
في المناطق السهلية الواقعة غرب بعلبك وصولا إلى الجبال والأراضي الوعرة من مناطق وجرود الهرمل في أقصى شمال شرق لبنان، تنتشر حقول واسعة مزروعة بالقنب الهندي (الحشيش)، إضافة إلى بعض المرتفعات والمناطق السهلية من البقاع الشمالي، ومناطق تشهد زراعات محدودة ضمن حدائق صغيرة متناثرة قرب المنازل السكنية في الأحياء الغربية لمدينة بعلبك وبعض قرى شرق بعلبك...
لكن هذه المساحات لا تتعدى الستة آلاف دونم (6 ملايين متر مربع)، خلافاً للأراضي التي كانت مزروعة في العام الماضي، والتي فاقت الـ10 آلاف دونم، وهي «الحد الأدنى من حيث المساحات المزروعة قياساً بالمساحات التي زُرعت في السنوات الماضية»، بحسب ما يقول مزارعون في المنطقة.
ويقول مصدر أمني في شرق لبنان لـ«الشرق الأوسط» إن الإجراءات الأمنية، فرضت قيوداً، حيث لم يعد المزارعون يتمكنون من الزراعة في مناطق كثيرة كانت تقليدياً تزرع بالحشيش، مشيراً إلى أن الملاحقات الأمنية قوضت هذا النشاط.
والواقع نفسه، يتحدث عنه المزارعون وأبناء القرى الواقعة في غرب بعلبك التي كانت بمثابة سهول أساسية لإنتاج القنب الهندي. يقول مصدر محلي إن «كساد الأسواق وانعدام تصريف مادة الحشيش المصنعة، ووقف عمليات التهريب، وضبط الحدود البرية الشرعية عن طريق المصنع والبقاع والعبودية في الشمال والبحرية في المرافئ بيروت وصيدا وطرابلس، كلها عوامل ساهمت بتراجع المساحات المزروعة بشكل قياسي في الأراضي المزروعة في سهول وجبال محافظة بعلبك - الهرمل.
وساهمت الأزمة الاقتصادية في تراجع الإقبال على زراعة القنب الهندي، فلم تعد تجارة رابحة في الأسواق المحلية، بحسب ما يقول المصدر المحلي في غرب بعلبك. ويشير إلى أن سعر كتلة الحشيش وزن 625 غراما تدنى إلى أقل من أربعين دولاراً، بعدما كان يبلغ السعر مائة دولار في السوق المحلية. كذلك تراجع سعر القنطار الواحد من العروق الخضراء التي تُباع قبل التصنيع إلى أقل من 25 دولارا أميركيا.
وفي ظل تغاضي الدولة وغياب نوايا التلف، ازدهرت الزراعة والتجارة غير الشرعية في السنوات الماضية، وانتشر الحشيش والأفيون في سهل البقاع، وذلك بعد فشل خطة ترويج الزراعات البديلة التي أطلقت في التسعينات.
ولم تصدر المراسيم التنفيذية لقانون تشريع زراعة الحشيش لأغراض طبية الصادر في أبريل (نيسان) 2020 عن مجلس النواب اللبناني.
ويأمل المزارعون البقاعيون بأن يأخذ تشريع نبتة الحشيش طريقه القانوني نحو التنفيذ بعد إقراره في مجلس النواب العام الماضي لقوانين التشريع. يشكو هؤلاء من عدم صدور المراسيم التنفيذية للقانون، ويرون أنه «لو أتيح للقانون الذي صدر عن مجلس النواب أن يُنفذ بشكله القانوني بموجب رخص تُعطى للمزارعين، أن يعود على خزينة الدولة الأموال الطائلة»، في إشارة إلى تقديرات بأن يعود على خزينة الدولة بمليار دولار أميركي سنوياً بعد خمس سنوات من إطلاق المشروع، وذلك «بدل أن يعود المردود على كبار المهربين والتجار الذين يستغلون المزارعين من أصحاب الحيازات الصغرى، عبر شراء محاصيلهم بأسعار زهيدة ورخيصة».
وسمح تراجع المساحات المزروعة بالحشيش هذا العام، بازدهار زراعات بديلة، حيث زُرعت مساحات جديدة من البطاطا والبصل والخضار في أراضٍ كانت تزرع بالحشيش. ويقول المزارع ع. ح. من غرب بعلبك: «لقد توقفت عن هذه الزراعة بعدما كنت أزرع سنوياً في بلدة كفردان حوالي 200 دونم من الحشيش عن طريق الري، وذلك بسبب تراجع الطلب والأسعار وكساد المحصول».
وتحول هذا المزارع من مزارع للحشيش إلى مزارع للبطاطا والخضار. يقول إن «الدونم الواحد من البطاطا يعطي ثلاثة أضعاف ما ينتجه الدونم الواحد من الحشيش وفق أسعار اليوم»، في إشارة إلى أن كل ألف متر مربع (1 دونم) ينتج من 3 إلى 4 أطنان من البطاطا. ويقول إن ما ينسحب على البطاطا ينسحب على الثوم والخضار والبصل.
هذا الواقع كانت أثبتته تجارب الاتحاد الأوروبي في العام 2013 حين طبقت مبدأ الزراعات البديلة على 400 دونم في سهل عين السودا في إحدى قرى غرب بعلبك، وساهمت في نجاح الزراعات البديلة.
غير أن الزراعات البديلة، تحتاج إلى دعم رسمي وتوفر المواد الأولية مثل المازوت الذي يستخدمه المزارعون في تشغيل آليات الحراثة والحصاد، وتشغيل مولدات استخراج المياه والريّ. ويحذر رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع إبراهيم الترشيشي المسؤولين من التلاعب بمادة المازوت، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن فقدان وارتفاع أسعار هذه المادة «بات يشكل تهديدا لكل القطاعات الزراعية والإنارة والنقل الداخلي والخارجي والري الذي يهدد بيباس وتلف المواسم وتصغير المساحات المزروعة وخفض كميات الإنتاج وارتفاع الأسعار».
وعن سعر البطاطا في ظل تراجع الصادرات وانحسار المساحات المزروعة بالحشيش، يرى ترشيشي أن البطاطا محافظة على أسعارها، «لكن مردودها يتآكل بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وفقدان مادة المازوت وارتفاع تكلفة اليد العاملة».
ويرى ترشيشي أن إقفال الحدود وتوقف التصدير إلى المملكة العربية السعودية، «هو تاريخ مفصلي في القطاع الزراعي»، قائلاً: «قبل القرار كانت الزراعة شيئا، وبعدها أصبحت شيئا آخر».
ويطالب الترشيشي بأفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية «لأن كل مصدّر يرى أن المملكة هي مملكة للخير وباب من أبواب الأمان للمزارع اللبناني، ولا نقبل بأن يتحول لبنان إلى منصة لتصدير المخدرات إليها»، داعياً القوى الأمنية اللبنانية للتشدد بإجراءاتها في ملاحقة تجار المخدرات».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».