«داون تاون»: اللعب بالأفاعي ومداعبة فحيحها

مَن المنتصر في مواجهات الدم؟

أخرج الوباء مسلسل «داون تاون» من السباق الرمضاني
أخرج الوباء مسلسل «داون تاون» من السباق الرمضاني
TT

«داون تاون»: اللعب بالأفاعي ومداعبة فحيحها

أخرج الوباء مسلسل «داون تاون» من السباق الرمضاني
أخرج الوباء مسلسل «داون تاون» من السباق الرمضاني

أخرج الوباء الكوفيدي «داون تاون» من السباق الرمضاني الفائت، فانطلق عرضه منذ 6 يونيو (حزيران) عبر منصة «جوي». توقف التصوير لأكثر من شهر، وأصيب ممثلون بالفيروس القابض على المشاريع والخطط. يحاكي المسلسل الجانب السفلي للمدينة، مقدماً إلى المائدة صنفاً يبدو «غريباً» عن المطبخ العربي. أكشن من نوع خاص، ورومانسية تتداخل مع المصير النازف. على الخط، إشكاليات تطل برأسها: أيهما أقوى، الغفران أم الانتقام؟ المنطق أم العنف؟ وما هو أشد تعقيداً: لمن الكلمة الأخيرة، للظرف أم للقلب؟ للفرصة الثانية أم للرحيل؟
البطولة لبنانية سورية جزائرية، لأسماء في مكانها، تشكل معاً وزن المسلسل. لكلٍّ صوتٌ خارجي وأصوات داخلية. ثلاثون حلقة من تأليف كلود أبي حيدر، سيناريو وحوار محمود إدريس، إخراج زهير قنوع وإنتاج «فالكون فيلمز» اللاعبة في عالم الدراما بعد أعمال سينمائية. المستور أكثر توحشاً من المكشوف، والنار تحت الأقدام تلتهم الرؤوس الكبيرة.
نلخص، كما يردد سامر إسماعيل في دور «نوح»: مافيات تدفع الملايين في رهاناتها على رجلين يتقاتلان. أهلاً بكم في عالم الـ«Fight Club»، والمسلسل يتخذ من بيروت مسرحه. يحمل القدر الشاب «نوح» التائه من سوريا إلى الحلبة، حيث الكبار أمام لعبة الدم. مقتل أخيه في مواجهة مميتة، تحمله مسؤولية الاقتصاص ورد الاعتبار. وبينما ينجرف تماماً في العنف، يلملمه حبٌ يهز مفاهيمه. وجهان وجهاً لوجه: الثأر والذنب. فـ«نوح» يتسبب بموت عائلة حبيبته «تمارا» (ستيفاني صليبا) بعد ليلة مواجهات حامية تنتهي بإطلاق رصاص وحادث سير مفجع. هنا، تتدخل المُثل، فتشكل صراعاً بحجم الدم والنار، وقوده الضمير والقلب.
الملعب ضيق، لاعبوه متقلبون، تقريباً كالحياة، حين يخفق المرء في توقع قدره. لم يعتقد عادل بيك (جورج شلهوب)، أحد الرؤوس المتورطة في المراهنات وتهريب الآثار، أن الفجر لن يزوره بعد ليل زفاف ابنته. موتٌ من خارج الحسابات، بالسم خلال العرس - الجنازة، يقضي عليه وعلى العريسين ووالد العريس. تجرع من كأس خالها بعيدة عنه. في المناسبة، أدت ميا سعيد شخصية «رلى» بمهارة ومر وسام صليبا بلطف.
يأكل الكبار ولا يشبعون. شراهة تكلف رصاصة في رأس اللاعب الأصغر. هكذا يموت متري (محمد عقيل) بعد الظن أنه المسيطر على اللعبة. يمتلك المسلسل مفاتيح التشويق ويؤجل مفتاح حبس الأنفاس حتى الحلقة الأخيرة. لديه أوراق أكثر مما لديه مفاجآت. قوته في فكرته على الورق، تفوق قوته في واقعه، من دون أن يعني ذلك إدانته بسوء التنفيذ. لم يبخل بالـ«Fights» على المُشاهد، فقدم مواجهات مقنعة بديكور مقنع. لكنه أبقى على شعور بأن هناك حلقة ناقصة، مُرفقة ببعض التطويل المضر. استطاع الحب التعويض، من دون أن يسد كامل النقص. المسلسل جيد كمحاولة في الظرف الصعب.
تمرّ إشكالية تجارة الآثار خجولة بعض الشيء، كأنها مطروحة لمجرد الطرح، ولمراكمة أصناف الجدل. وتكاد لا تُحسب من أحصنة المسلسل الرابحة، لعلامات «فقر» تطول المعالجة. حتى مَن وُصفوا بـ«الأنياب»، لم يقنعوا حد الإبهار بمواقف تُسقط أقنعتهم. الثقل كان سامر إسماعيل بمنحه العمل وزناً فارقاً. لم يحد مرة عن الخط المرسوم للشخصية وملامحها وغضبها الداخلي. قدم المفارقات: غليان الدم والأخلاق؛ الماضي المأساوي وإرادة التجاوز؛ العنف والحب. خطوط متوازية، أمسكها من دون إفلات، كإمساكه نبرته ولغة جسده والتشويق من ألفه إلى يائه.
وأمل بوشوشة حرّيفة، تقبض بإحكام على تقلبات شخصية «جولي» ومواقفها. سيدة الدور، بالدهاء والرغبة في خلط الأوراق وإعادة فرزها وفق مصلحتها. شخصية متطلبة، تشاء ابتلاع الحياة كشربة.
للأمانة، يترك المسلسل مساحات لأبطاله، فلكل شخصية ضوءٌ (متفاوت) تلمع فيه: عباس جعفر بشخصية «بلال» الرائع؛ جنيد زين الدين بإتقان أدائه دور «ناجي»؛ سارة أبي كنعان برقة النهايات السعيدة؛ هبة نور بدهاء الأنثى المفترسة وسلطان ديب بقبح التزلم. وأيضاً، لين غرة بالمحاولة حتى الخيبة الأخيرة؛ إلسا زغيب بأوجاع الخذلان الأبدية؛ ويوسف حداد بالرجوع المتأخر عن الخطأ. تبقى له آماله العريضة بعودة المياه إلى مجاريها وإخلاص عاملة المنزل (إيفون خويري بشخصية «مروة» الوحيدة). جميعهم في معركة تكسير عظم، مرة بصفعات الحب ومرة بالأطماع وثالثة بالطموح وأثمان الوصول.
دور «تمارا» يُبقي ستيفاني صليبا في دائرتها الآمنة. هي هنا برقتها نفسها وحضورها الـ«كلاسي» نفسه. لا تخوض معركة مع «الشكل»، في مقابل معارك نفسية متعلقة بالصدمة والصفح. «تمارا» في «دقيقة صمت» لا يزال أفضل أدوارها.
ينتهي دور عبد المنعم عمايري «فجأة». «هشام» كاراكتير انتهازي، يدوس على الناس ويكمل طريقه. «خروجه» من السياق تقريباً «مبتور». يقدم الدناءة البشرية بفظاعتها وبشاعتها، وهو أينما يحل يترك بصمته. تبقى كارمن لبس، ضيفة الحلقات الثماني الأولى. تخفف حيواناتها عذاباتها، فيغلبها السرطان بعد أن تغلب بإنسانيتها تشتُّت العائلة وتعيد الحق إلى من يستحقه.
المسلسل خارج «كليشيه» الدراما المشتركة، عصبُه جرأته. يلعب بالأفاعي ويداعب فحيحها. صورة عن إنسان المدينة، ظالماً كان أم مظلوماً، وهو ممضوغ في فم الغول الاستهلاكي. عصر لا يشبع من الابتلاع والالتهام، كلما أوشك على الاكتفاء، اشتهى المزيد من العنف. «كلنا مننجر» يغني وائل كفوري الشارة. صوتٌ من جمال عطاءات الله يلخص ضريبة الحياة: «بدك للحق الناس بتكره كلمة لأ»... أكمِل الدندنة وراجع نفسك.


مقالات ذات صلة

«إقامة جبرية» يراهن على جاذبية «دراما الجريمة»

يوميات الشرق هنا الزاهد بطلة المسلسل (الشركة المنتجة)

«إقامة جبرية» يراهن على جاذبية «دراما الجريمة»

يراهن صناع مسلسل «إقامة جبرية» على جاذبية دراما الجريمة والغموض لتحقيق مشاهدات مرتفعة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق خالد النبوي ويسرا اللوزي مع المخرج أحمد خالد خلال التصوير (الشركة المنتجة)

خالد النبوي يعوّل على غموض أحداث «سراب»

يؤدي خالد النبوي في مسلسل «سراب» شخصية «طارق حسيب» الذي يتمتّع بحاسّة تجعله يتوقع الأحداث قبل تحققها.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد زكي مجسداً شخصية عبد الحليم حافظ (يوتيوب)

دراما السيرة الذاتية للمشاهير حق عام أم خاص؟

تصبح المهمة أسهل حين تكتب شخصية مشهورة مذكراتها قبل وفاتها، وهذا ما حدث في فيلم «أيام السادات» الذي كتب السيناريو له من واقع مذكراته الكاتب الراحل أحمد بهجت.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد مكي يقدم شخصية «شمس الغاوي» في رمضان 2025 (حسابه بموقع فيسبوك)

«الغاوي» رهان أحمد مكي الجديد في الدراما الرمضانية

يراهن الفنان المصري أحمد مكي على خوض ماراثون «الدراما الرمضانية» المقبل بمسلسل «الغاوي» الذي يشهد ظهوره بشخصية مختلفة عما اعتاد تقديمه من قبل.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تخرج أمل بوشوشة من ذلك الصندوق الذي يصوّر الحياة بحجم أصغر (حسابها في «فيسبوك»)

أمل بوشوشة... «شوطٌ كبير» نحو الذات

تعلم أمل بوشوشة أنّ المهنة قد تبدو جاحدة أسوة بمجالات تتعدَّد؛ ولا تنتظر دائماً ما يُشبع الأعماق. أتاح «المهرّج» مساحة لعب أوسع. منحها إحساساً بالخروج من نفسها.

فاطمة عبد الله (بيروت)

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
TT

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»

شهدت الرياض وجدة فعاليات مسرحية وغنائية عقب انتهاء شهر رمضان، انطلقت مع عيد الفطر واستقطبت مشاركات مصرية لافتة، منها مسرحية «حتى لا يطير الدكان»، من بطولة الفنانَيْن أكرم حسني ودرة، في موسمها الثاني على مسرح «سيتي ووك جدة»؛ إلى عرض ستاند أب كوميدي «ذا إيليت» المقام على «مسرح محمد العلي» بالرياض، بينما شاركت الفنانة المصرية أنغام بحفلات «عيد القصيم»، والفنان عمرو دياب بحفلات «عيد جدة».
وتشهد العاصمة السعودية حفل «روائع الموجي»، الذي تحييه نخبة من نجوم الغناء، بينهم من مصر، أنغام وشيرين عبد الوهاب ومي فاروق، بالإضافة إلى نجوم الخليج ماجد المهندس وعبادي الجوهر وزينة عماد، مع صابر الرباعي ووائل جسار، بقيادة المايسترو وليد فايد وإشراف فني يحيى الموجي، ومشاركة الموسيقار رمزي يسى.
عن هذا الحفل، يعلّق الناقد الفني المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «نشجّع تكريس الكلمة الرائعة والنغم الأصيل، فحضور نجوم مصر في فعاليات المملكة العربية السعودية، يشكل حالة تكامل من الإبداع»، معرباً عن غبطته بمشهدية الزخم الفني، التي يواكبها في الرياض وجدة.
ووفق «جمعية المؤلفين والملحنين الرسمية» في مصر، ورصيد محمد الموجي، صاحب مقولة «أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئاً فتخرج لحناً؛ إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت ليخرج اللحن إلى النور»، قد وصل إلى 1800 لحن، ليعلّق رئيسها مدحت العدل لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ «الاحتفاء بالرموز الفنية من (الهيئة العامة للترفيه)، كاحتفالية الموجي، أمر غاية في الرقي ويدعو للفخر»، موجهاً التقدير للجميع في المملكة على النهضة الفنية الكبيرة.
واستكمالاً لسلسلة الفعاليات الفنية، فإنّ مدينة جدة على موعد مع حفلين للفنان تامر عاشور يومي 5 و6 مايو (أيار) الحالي، بجانب حفل الفنانَيْن محمد فؤاد وأحمد سعد نهاية الشهر عينه. وعن المشاركات المصرية في الفعاليات السعودية، يشير الناقد الموسيقي المصري محمد شميس، إلى أنّ «القائمين على مواسم المملكة المختلفة يحرصون طوال العام على تقديم وجبات فنية ممتعة ومتنوعة تلائم جميع الأذواق»، مؤكداً أنّ «ما يحدث عموماً في السعودية يفتح المجال بغزارة لحضور الفنانين والعازفين والفرق الموسيقية التي ترافق النجوم من مصر والعالم العربي». ويلفت شميس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «هذا التنوع من شأنه أيضاً إتاحة مجال أوسع للمبدعين العرب في مختلف الجوانب، التي تخصّ هذه الحفلات، وفرصة لاستقطاب الجمهور للاستمتاع بها بشكل مباشر أو عبر إذاعتها في القنوات الفضائية أو المنصات الإلكترونية»، معبّراً عن سعادته بـ«الحراك الفني الدائم، الذي تشهده المملكة، بخاصة في الفن والثقافة وتكريم الرموز الفنية والاحتفاء بهم».
وشهد «مسرح أبو بكر سالم» في الرياض قبيل رمضان، الحفل الغنائي «ليلة صوت مصر»، من تنظيم «الهيئة العامة للترفيه»، احتفالاً بأنغام، إلى تكريم الموسيقار المصري هاني شنودة في حفل بعنوان «ذكريات»، شارك في إحيائه عمرو دياب وأنغام، بحضور نخبة من نجوم مصر، كما أعلن منذ أيام عن إقامة حفل للفنانة شيرين عبد الوهاب بعنوان «صوت إحساس مصر».
مسرحياً، يستعد الفنان المصري أحمد عز لعرض مسرحيته «هادي فالنتين» في موسمها الثاني، ضمن فعاليات «تقويم جدة» على مسرح «سيتي ووك‬» بين 3 و6 مايو (أيار) الحالي. وعنه كان قد قال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة يفتح آفاقاً وفرصاً متنوعة للجميع لتقديم المزيد من الفن الراقي».