«كل اللقاحات التي تمت الموافقة على استخدامها في الاتحاد الأوروبي فعالة ضد كل الطفرات الفيروسية المعروفة، شريطة تناول الدورة الكاملة»، هذا ما تكرره الوكالة الأوروبية للأدوية منذ أيام في محاولة لتهدئة المخاوف المتزايدة من موجة وبائية رابعة بدأت تدق على الأبواب، بعد أن سجلت الإصابات الجديدة في أوروبا ارتفاعاً بنسبة 10 في المائة خلال الأسبوع الفائت وحده، ولتحفيز المواطنين على الإسراع في تناول اللقاحات التي باتت السلاح الوحيد في المعركة ضد «كوفيد - 19»، بعد رفع قيود العزل والوقاية واستئناف الحركة العادية للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية.
كانت منظمة الصحة العالمية حذرت من أن الاستمرار في التراخي، إلى جانب عدم التقيد بتدابير الوقاية خلال السفر والتجمعات في الأماكن العامة والأنشطة الترفيهية، «وصفة أكيدة لظهور موجة جديدة قبل حلول الخريف المقبل»، فضلاً عن المفاجآت المحتملة التي يمكن أن تحملها طفرة «دلتا» التي ما زالت مواصفاتها غير محددة بشكل نهائي، خصوصاً ما يتعلق منها بمدى خطورتها، التي يرجح الخبراء أن تكون الطفرة السائدة في أوروبا مع بداية الشهر المقبل.
لكن يرى بعض الخبراء أن فاعلية اللقاحات تبقى نسبية في أحسن الأحوال، لا سيما وأن باب ظهور طفرات جديدة ما زال مفتوحاً على مصراعيه، حيث إن «انتقال الفيروس من الحيوان إلى الإنسان لم يحصل منذ فترة بعيدة، وبالتالي فهو ما زال في طور التكيف الذي يؤدي إلى التحور وظهور طفرات أسرع سرياناً وربما أشد فتكاً»، كما يقول الخبير في التكنولوجيا الحيوية أليساندرو كارابلي، في حديث خاص مع «الشرق الأوسط».
وينبه كارابلي الذي يشرف على مجموعة بحوث بريطانية ترصد تحور الفيروسات التاجية، لأن البيانات المتراكمة منذ ظهور الفيروس للمرة الأولى في ووهان تبين بوضوح أن سرعة سريانه لم تتوقف عن الارتفاع، ويضيف: «لم يتجاوز مؤشر سريان السلالة الأولى من (كوفيد) 2.5 خلال المرحلة الأولى من الجائحة، أما طفرة (ألفا) التي تعرف أيضاً بالطفرة الإنجليزية فقد بلغ مؤشر سريانها 4، بينما ارتفع مؤشر سريان طفرة (دلتا) إلى 7 استناداً إلى آخر البيانات التي ليست نهائية».
ويقول كارابلي، وهو من مدينة بيرغامو الإيطالية التي كانت أشد المناطق في أوروبا تأثراً بالوباء خلال المرحلة الأولى من الجائحة، «هذه الظاهرة ليست مفاجأة، وقد شهدناها في السابق خلال أزمة (إيبولا) ومع طفرات الإنفلونزا التي تظهر كل سنة. عندما يرسو الفيروس في فصيلة حية جديدة، يحتاج إلى التكيف من أجل البقاء والتكاثر، وازدياد قدرته على السريان هو من الجوانب المهمة لهذا التكيف».
لا يستبعد كارابلي أن يستمر الفيروس في التحور، ويقول: «لا نعرف متى سيتوقف (كوفيد) عن التحور. وما يمكن أن يحصل، هو أن يتحد التحور الذي يمده بسرعة أكبر على السريان مع تحور يزيد من قدرته على الإفلات من دفاعات جهاز المناعة، أي من اللقاحات. ويبدو في ضوء البيانات المتاحة حالياً، أن طفرة (دلتا) التي تزيد سرعة سريانها بنسبة 60 في المائة عن الطفرة الأصلية للفيروس، تتمتع أيضاً بقدرة على التهرب من جهاز المناعة أو الالتفاف عليه. لكن علينا أيضاً مراقبة طفرات أخرى تحمل مواصفات مشابهة، أو أسوأ من (دلتا)».
وكشف كارابلي أن خبراء المجموعة التي يديرها يتابعون عن كثب منذ فترة طفرة أخرى ظهرت في عدد من المناطق الأوروبية بأعداد ما زالت إلى الآن محدودة جداً، بينت التحاليل الأولية أنها متحور من طفرة «غاما» البرازيلية التي اندثرت أواخر العام الماضي، والتي كانت تحمل قدرة على الإفلات من مضادات الأجسام واللقاحات. ويقول إن هذا التحور يقسم إلى اثنين البروتين الذي يستخدمه الفيروس للدخول إلى الخلايا، «الأمر الذي يسهل عليه عملية الانقضاض، كما يحصل مع طفرتي (ألفا) و(دلتا)».
ويشدد كارابلي على أهمية إجراء تحاليل التسلسل الوراثي للإصابات الجديدة لرصد الطفرات وتحديد مواصفاتها، لكنه يقول إنه يمكن الاكتفاء بتحليل 25 في المائة من هذه الإصابات، علماً بأن هذه النسبة تصل إلى 50 في المائة حالياً في بريطانيا.
وإذ يحرص كارابلي على عدم المجازفة بإطلاق توقعات حول مستقبل المشهد الوبائي في أوروبا والعالم، يحذر من أن «الوضع قد يتفاقم مع نهاية الصيف بعد شهرين من رفع قيود الوقاية والعزل وعودة الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية إلى سابق وتيرتها، وبالتزامن مع العودة إلى المدارس». ويضيف: «صحيح أن شركات الأدوية لم تبدأ بعد بإنتاج اللقاحات المعدلة وفقاً لمواصفات الطفرات الجديدة، وربما يعود ذلك إلى أنها تتريث لمعرفة المزيد عن هذه الطفرات وتحديد مواصفاتها النهائية. لكن اللقاحات الحالية توفر حماية جيدة، خصوصاً ضد الإصابات الخطرة، أو التي تستدعي العلاج في المستشفى».
اللقاحات سلاح الحكومات الوحيد ضد «كوفيد ـ 19»
تشديد متزامن على تدابير الوقاية لمنع انتشار المتحورات
اللقاحات سلاح الحكومات الوحيد ضد «كوفيد ـ 19»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة