جولة بين أبدع ما أنتجه فنانو الشرق الأوسط في مزاد كريستيز بدبي

أعمال رواد الفن العربي والإيراني

عمل للفنان السعودي عبد الناصر الغارم
عمل للفنان السعودي عبد الناصر الغارم
TT

جولة بين أبدع ما أنتجه فنانو الشرق الأوسط في مزاد كريستيز بدبي

عمل للفنان السعودي عبد الناصر الغارم
عمل للفنان السعودي عبد الناصر الغارم

الانطباع الأول الذي يخامر المرء لدى تصفح كاتالوغ مزاد كريستيز القادم في دبي للفن الحديث والمعاصر في الشرق الأوسط، هو أن المجلد الضخم يضم محتويات متحف بأكمله. ليس ذلك فقط، ولكن الأعمال أمامنا هي لرواد الفن في العالم العربي، وصفة الشمولية هنا معبرة جدا، فهناك تبويب دقيق للأعمال التي تنتمي لبلدان عربية مختلفة، فنرى أعمالا لرواد الفن اللبناني مثل بول غراغوسيان، وشفيق عبود. ومن مصر أعمالا لحامد عويس، وسيف وأدهم وانلي، وراغب عياد، ومحمود سعيد، وغيرهم. ومن العراق شاكر حسن آل سعيد، ومحمود صبري، وضياء عزاوي. ومن سوريا فاتح المدرس، ولؤي كيالي.
أذكر هذا الانطباع لخبيرة دار كريستيز بدبي، هالة خياط، التي تؤكد ذلك وتقول: «هذا المزاد مهم جدا. من وجهة نظري كأكاديمية، يعتبر مزادا أكاديميا ويحكي تاريخ فن، هو أيضا مزاد يتجه للمقتني الذي يريد أن يحمي جزءا من تاريخ بلده ومنطقته، خصوصا في هذا الوقت الذي نرى فيه قوى تمسح وتهدم كثيرا من معالم التاريخ».
يقدم المزاد أيضا مجموعة من الأعمال اللبنانية من مجموعة المقتني اللبناني جوني مقبل الذي وضع مجموعته الفنية على موقع على الإنترنت، وهو ما تعده خياط «توثيقا» للفن اللبناني.
يسلط المزاد أيضا الضوء على المدرسة العراقية كما يقدم 10 أعمال تتناول القضية الفلسطينية. هنا أتساءل عن لوحة «جمل المحامل 2» للفنان الفلسطيني سليمان منصور المعروضة للبيع في هذا المزاد، وما هي قصة «جمل المحامل» الأولى، تشير خياط إلى أن اللوحة الأولى رسمها الفنان في السبعينات واقتناها الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وأنها فيما يبدو فقدت أثناء الغارات على ليبيا قبيل سقوط نظام القذافي. ولكن اللوحة التي تحولت إلى أيقونة للتاريخ الفلسطيني المعاصر إلى درجة تحولها لملصقات ووضعها على الـ«تي شيرت» والأكواب وتحولها لإلهام لفنانين مختلفين، كل ذلك دعا مسؤول الشؤون الفلسطينية بالأمم المتحدة لإقناع الفنان بإعادة رسم اللوحة. «ليس غريبا أن يقوم فنان بزيارة عمل له وإعادة رسمه مرة واثنين»، تشير خياط، وتستكمل أن الفنان قام ببعض الإضافات التي تعكس تغيرات سياسية وزمنية، وحسب تعبير الخبيرة الفنية: «بعد 20 سنة من اللوحة الأولى اختلفت أشياء كثيرة وتغير البعد السياسي، ولهذا فالتغييرات في اللوحة الثانية تمنحها طابعا تاريخيا حقيقيا»، اللوحة مليئة بالشجن الذي يتجسد في الرجل المسن محني الظهر وقد ناء بحمل ثقيل. تشير خياط أيضا لرمزية شكل الحمل المصور على هيئة بؤبؤ العين وداخلها تتبدى معالم مدينة القدس من المسجد الأقصى إلى كنيسة القيامة إلى البيوت الصغيرة المتراصة. أسألها إن كانت تعتبر اللوحة نجمة المزاد، فتجيب: «المزاد به نجوم كثيرون، ولكنها كعمل فني يمكن وضعها في قائمة 10 أعمال علقت بذاكرة الشعوب العربية، مثل لوحة (ثم ماذا) للؤي كيالي، و(صابرا وشاتيلا) لضياء العزاوي»، اللوحة ترمز للوطن المفقود الذي يحمله كل فلسطيني معه أينما ذهب، ومعاناته التي طالت مدتها ويتبدى ذلك من كبر سن الرجل في اللوحة، وإن كان سنه المتقدمة لم تمنع إصراره الواضح على الاستمرار حتى وإن كان طريقه لا يبدو واضحا.
ومن الحياة الفلسطينية إلى لوحة أخرى تصور آمال وطموحات شعب كامل، هي لوحة «حماة الحياة» للفنان المصري حامد عويس التي تظهر في السوق الفنية للمرة الأولى. درج عويس على تصوير الطبقة العاملة في مصر خصوصا الفلاحين والعمال والمزارعين. «حماة الحياة» رسمها الفنان في عام 1967 وتصور رجلا أسمر الملامح قوي البنية يحمل سلاحا، وأسفل اللوحة الأمامي لقطات من حياة المجتمع المصري مارا بمشهد زفاف، وأطفال يمرحون وأم وطفلها، ومزارعين يحملون الفأس وأدوات الزراعة، وفي الخلفية السد العالي، والمصانع، والمساجد، والمزارع، بينما تبدو وكأنها صورة قوية من الماضي تختصر فترة الستينات في مصر.
أما الفنان اللبناني أيمن بعلبكي، فنرى من أعماله لوحة بعنوان «بابل» وهي من أجمل ما قدم الفنان المتميز. اللوحة تحمل تشابها واضحا مع لوحة الفنان الشهير بيتر برويغل الأب «برج بابل» التي رسمها في عام 1563، ولكن بعلبكي يخرج من التصوير الواضح الملامح الدقيقة التفاصيل، خصوصا في الأشخاص والبناء التي يشتهر بها برويغل. برج بابل لدى البعلبكي هو برج غائم الملامح، خال من الأشخاص، وكأنما يعكس تأثير حرب مدمرة. تعكس اللوحة أيضا إحساسا واضحا بالفقد والفوضى.
الفنان المصري الشهير محمود سعيد له حضور في هذا المزاد عبر لوحة «بورتريه نيفين مظلوم» وهي ابنة أخت الفنان، كذلك الفنان محمد ناجي، والأخوان سيف وأدهم وانلي، وراغب عياد، ضمن ما أطلق عليه مدرسة الإسكندرية وهي ترمز لفناني عروس البحر الأبيض المتوسط.
وانتقالا لوجه نسائي معروف في الفن المصري تشير خياط للوحة «فرحة النوبة» للفنانة تحية حليم التي تصور «غزارة الحياة وفيضان النهر». اللوحة تبتعد عن الجدل حول تأثير السد العالي على أهل النوبة الذين اضطروا لترك منازلهم بعد أن أغرقتها مياه بحيرة ناصر، ولكن الفنانة تتجه للتعبير عن فرحة أهل النوبة بالسد الذي غير وجه الاقتصاد المصري.
يضم المزاد أيضا عددا من المنحوتات الهامة، منها: «صبيحة» للمثال ميشال بصبوص (أبو النحاتين اللبنانيين) كما تشير خياط. وتضيف: «من الصعب الحصول على عمل لميشال بصبوص، فكل أعماله إما في مجموعات خاصة أو بمتاحف». هناك أيضا 3 منحوتات للفنان برويز تنافولي، و«مفتاح الحياة» للنحات المصري أحمد عبد الوهاب، و«العمل» لآدم حنين. كما يقدم المزاد منحوتة «السيدة الجالسة» للفنان عمر النجدي الذي عرض في الجناح المصري ببينالي البندقية في عام 1968.
ومن الفن الإيراني، يضم المزاد مجموعة من الأعمال لكبار الفنانين الإيرانيين، منهم: تشارلز حسين زندرودي، ومحمد إحسائي، وبرويز تنافولي.

* مزاد الفن العربي الحديث والمعاصر والفن الإيراني والتركي يقام في دبي يوم 18 مارس (آذار) الحالي.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».