فوضى في سوق المحروقات في لبنان بانتظار جدول الأسعار الجديد

بعد قرار رفع سعر دعم دولار استيراد المحروقات مقابل الليرة إلى 3900

زحمة على محطة وقود في بيروت (أ.ب)
زحمة على محطة وقود في بيروت (أ.ب)
TT

فوضى في سوق المحروقات في لبنان بانتظار جدول الأسعار الجديد

زحمة على محطة وقود في بيروت (أ.ب)
زحمة على محطة وقود في بيروت (أ.ب)

تفاقمت أزمة المحروقات في لبنان بعد قرار المديرية العامة للنفط بإقفال جميع الشركات النفطية المستوردة إلى حين صدور جدول لأسعار المحروقات على أساس سعر دعم جديد للدولار من قبل مصرف لبنان، ما دفع محطات الوقود إلى إقفال أبوابها، فيما توقفت المحال عن بيع غاز المنازل الذي نشط بيعه في السوق السوداء بأسعار مضاعفة.
وأوضحت المديرية العامة للنفط أنّ إقفال جميع الشركات النفطية المستوردة الخاصة ومنشآت النفط في طرابلس والزهراني والامتناع عن تسليم أي بضاعة للسوق المحلية منذ يوم الجمعة الماضي يهدف إلى بيع وتصريف مخزون المشتقات النفطية الحالي المتوفر في السوق المحلية على أساس سعر الصرف الرسمي المدعوم (1500 ليرة للدولار الواحد بدلا من 18 ألفا كسعر السوق الموازية) كخطوة احترازية لعدم تحقيق أرباح على حساب المواطن اللبناني، لا سيّما بعدما أصدرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء قرارا يجيز لمصرف لبنان استعمال الاحتياطي الإلزامي لفتح اعتمادات المحروقات من بنزين ومازوت وغاز منزلي لمدة ثلاثة أشهر على أساس سعر صرف 3900 بدلا من 1500 للدولار.
وبالتوازي، طلبت مديرية النفط من المديرية العامة للجمارك القيام بجردة للمخزون في كل مخازن شركات الاستيراد في القطاع الخاص ومخزون المنشآت النفطية في طرابلس والزهراني، والإعلان الواضح عن أرقام المخزون الحالي المتوفر لاحتساب فرق ثمن الكميات المتوفرة، وذلك بغية استعادته لصالح مصرف لبنان.
ومن المقرّر أن يصدر جدول جديد لأسعار المحروقات على أساس سعر صرف الدولار 3900 مقابل الليرة اليوم (الثلاثاء) أو بحد أقصى غدا (الأربعاء) مما يساعد في حلحلة الأزمة، حسب ما يشير مصدر متابع، لا سيّما أنّ مصرف لبنان أعلن أمس أنّه سيبدأ ببيع الدولار الأميركي للمصارف التي تتقدم بفتح اعتمادات لاستيراد كل أنواع المحروقات على سعر 3900 ليرة لبنانية للدولار الواحد.
ومن المتوقع أن يصل سعر صفيحة البنزين إلى حدود الـ70 ألف ليرة بدلا من 43 ألفا، وسعر صفيحة المازوت لحدود الـ50 ألفا بعدما كان لا يتجاوز الـ30 ألفا.
ورفعت معظم محطات الوقود في لبنان خراطيمها منذ السبت الماضي، مرجعة الأمر إلى نفاد كميّات المازوت والبنزين، فيما تسبّب الازدحام على المحطات القليلة جدا التي فتحت أبوابها بإشكالات دفعتها إلى الطلب من القوى الأمنية التدخل سريعا، مشيرة إلى أنّ الوضع بات خطيرا.
وشهدت إحدى المحطات في منطقة طرابلس (شمال لبنان) إشكالا تخلله إطلاق نار في الهواء من دون تسجيل إصابات على خلفية تعبئة الوقود.
كما عمد مواطنون كانوا ينتظرون ساعات طويلة لتعبئة البنزين أمام إحدى محطات المحروقات في صيدا إلى ركن سياراتهم وسط الطريق احتجاجا بعد تبلغهم نفاد مخزون البنزين.
إلى ذلك، واصلت دوريات من المديرية العامة لأمن الدولة حملة مداهمات مستمرة منذ 24 ساعة للعديد من محطات المحروقات للتحقق من التلاعب بالأسعار ومن مخزونها، وتم إجبار أصحاب عدد من المحطات على فتح أبوابها وبيع البنزين للمواطنين بعدما تبيّن أن مخزونها لم ينفد.
وكانت المديرية العامة للنفط طلبت من جميع محطات المحروقات أن تبيع مخزونها المتوفر حالياً وعلى أساس سعر الصرف المدعوم، مؤكدة عدم قانونية إقفال المحطات التي لديها مخزون أمام الجمهور، وطلبت مساعدة الأجهزة الأمنية لفتح هذه المحطات مع اتخاذ الإجراءات اللازمة بحقها.
وناشد ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا المعنيين بضرورة التحرك وإصدار جدول الأسعار الجديد بأسرع وقت ممكن لأنّ كميّات البنزين والمازوت الموجودة لدى المحطات وصلت إلى حدّ النفاد، معتبرا في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ تحديد الكميّات الموجودة من المحروقات لا تتطلب كلّ هذا الوقت، فالأمر بحاجة فقط إلى «كبسة زر»، إذ إنّ الدولة تقرض ضريبة على الكميات المستوردة فهي تعرف كمياتها بدقة.
ودفع شحّ مادة المازوت أصحاب المولدات (شبكة الكهرباء البديلة) إلى التوقف عن العمل كليا ما تسبّب بانقطاع كلي للكهرباء في عدد من المناطق في ظلّ استمرار تقنين تغذية كهرباء الدولة لأكثر من 20 ساعة في اليوم.
وعمد بعض أصحاب المولدات إلى التقنين بدلا من الإطفاء الكلي مع مضاعفة فاتورة الاشتراك الشهرية، مبررين الأمر بأنهم يشترون المازوت من السوق السوداء بأسعار مضاعفة.
ودفعت أزمة الكهرباء التي تسبب بها عجز الدولة عن تأمين الأموال اللازمة لاستيراد الفيول والتي ترافقت مع أزمة شح المازوت وتقنين في التغذية البديلة، عددا من أصحاب المحال إلى التوقف عن بيع المواد الغذائية التي تحتاج إلى تبريد بعدما فسدت كميات منها مسببة خلال إجازة نهاية الأسبوع لهم بخسارة مالية.
وكان رئيس تجمع أصحاب المولدات الخاصة عبده سعادة وجه نداء استغاثة إلى جميع المسؤولين ناشدهم فيه إنقاذ وضع المحروقات، معتبرا أنّه لم يعد هناك مبرر لانقطاع مادتي المازوت والبنزين من الأسواق، وخصوصا بعد رفع الدعم على دولار 3900 ليرة.
وحذّر سعادة في بيان من أنّ نفاد مادة المازوت سيوقف العمل بجميع القطاعات، من أفران ومستشفيات وسوبر ماركت، داعيا وزير الطاقة إلى إصدار جدول أسعار النفط سريعا لتفادي الخطر، وعدم الانتظار إلى الأربعاء.
ووصلت أزمة المحروقات إلى غاز المنازل، إذ امتنعت المحال والشركات المخصصة لبيعه عن تأمينه للمواطنين، مبررة الأمر بنفاد الكميات بعدما توقفت الشركات المستوردة عن توزيعه مساء الخميس الماضي، ما أوجد سوقا سوداء لجأ إليها المواطنون لتأمين قوارير الغاز التي وصل سعر الواحدة منها إلى 100 ألف أي أكثر من ضعفي السعر الحقيقي الذي لا يتجاوز الـ30 ألفا.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.