«جائحة الديون» تنتظر دول العالم الفقيرة بعد «كورونا»

40 مليون شخص مهددون بالعودة إلى دائرة الفقر بسبب الجائحة

نساء يرتدين الأقنعة الواقية في نيجيريا (أرشيفية - أ.ف.ب)
نساء يرتدين الأقنعة الواقية في نيجيريا (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«جائحة الديون» تنتظر دول العالم الفقيرة بعد «كورونا»

نساء يرتدين الأقنعة الواقية في نيجيريا (أرشيفية - أ.ف.ب)
نساء يرتدين الأقنعة الواقية في نيجيريا (أرشيفية - أ.ف.ب)

إذا كانت جائحة فيروس «كورونا» المستجد قد ألحقت بالعالم خسائر بشرية ومادية باهظة وأودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص، فإن تداعياتها سوف تستمر لسنوات طويلة قادمة وبخاصة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، حتى في الدول التي كانت أقل تضرراً من آثارها الصحية.
وإذا كانت برامج التطعيم والإجراءات الاحترازية التي تم تطبيقها ساعدت في السيطرة النسبية على الجائحة، فإن المحللين والخبراء يؤكدون أن العديد من دول العالم وبخاصة الفقيرة منها ستواجه جائحة ربما تكون أشد خطورة من جائحة الفيروس بسبب تراكم الديون على تلك الدول.
وتقول سيدني ماكي، محررة الشؤون الاقتصادية، في تقرير نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، إن الجائحة تسببت في خسائر صحية واقتصادية فادحة في بعض أفقر دول العالم. وأنفقت الحكومات المثقلة بالديون على امتداد العالم من أميركا اللاتينية إلى أفريقيا أموالاً لم تكن تمتلكها لدعم الأنظمة الصحية المتهالكة وتوفير شبكة أمان للمواطنين، مما أدى إلى تدهور مواردها المالية. وفي ظل مؤشرات على أن الضغوط المالية تؤجج الاضطرابات السياسية، تصاعدت الدعوات الدولية لتخفيف الضغط على تلك الدول التي تكافح لخدمة ديونها الخارجية.
وعن الدول الأشد عُرضة للمخاطر المالية، تقول ماكي إن دول أميركا اللاتينية سجلت نحو ثلث إجمالي عدد الوفيات الناجمة عن فيروس «كورونا» المستجد على مستوى العالم حتى منتصف العام الحالي، في حين أنها تمثل فقط 8% من سكان العالم. في الوقت نفسه فإن دول المنطقة وبخاصة الأرجنتين والبرازيل وإكوادور وسورينام تواجه صعوبة في سداد ديونها في ظل الجائحة مما أثار المخاوف من تكرار الكارثة الاقتصادية التي شهدتها تلك الدول في ثمانينات القرن العشرين عندما توالى إفلاسها على طريقة «نظرية الدومينو» لتدخل مرحلة ركود اقتصادي طويلة.

وتضيف ماكي أن الأمر لا يختلف كثيراً في دول أفريقيا جنوب الصحراء حيث يمكن أن يعود نحو 40 مليون شخص إلى دائرة الفقر بسبب الجائحة. وكانت زامبيا قد أعلنت في العام الماضي توقفها عن سداد ديونها. والآن تحاول إثيوبيا وتشاد الوفاء بالتزاماتها بصعوبة بالغة. وهناك أيضاً كثير من الدول التي تزيد العائد على سنداتها الدولارية على 10% وهو ما يشير إلى الصعوبات الهائلة التي تواجهها في توفير احتياجاتها التمويلية.
وفي ظل هذا الوضع القاتم، يصبح السؤال المطروح هو مَن الذي يمكنه محاولة مساعدة الدول المثقلة بالديون لتجاوز الكارثة؟ تقول ماكي إن الدول الأغنى بقيادة الولايات المتحدة ضخت في اقتصاداتها تريليونات الدولارات عبر برامج شراء السندات خلال الجائحة. وقدمت هذه الدول جزءاً يسيراً للغاية من تلك الأموال للدول الأفقر من خلال مؤسسات التمويل الدولية. كما أوقفت دول مجموعة العشرين الكبرى مؤقتاً تحصيل أقساط الديون الحكومية لدى الدول الفقيرة ثلاث مرات، ومددت إجراءات تخفيف عبء الديون حتى نهاية 2021. كما وافق صندوق النقد الدولي على منح أكثر من 80 دولة تمويلات طارئة. ويستعد الصندوق لزيادة ما تُعرف باحتياطيات حقوق السحب الخاصة بمقدار 650 مليار دولار حتى يتيح للدول الفقيرة الاقتراض بشروط ميسرة.
وترى ماكي أن أزمة ديون الدول الفقيرة تعد مشكلة ضخمة ويمكن أن تصبح أكبر. ففي حين كانت بعض الدول مثل الأرجنتين ولبنان وفنزويلا وزامبيا تعاني لسداد ديونها قبل الجائحة، جاءت إجراءات الإغلاق والقيود على الأنشطة الاقتصادية بسبب «كورونا» لتضيف مزيداً من الدول إلى قائمة المتعثرين.
وفي أميركا اللاتينية انكمش الاقتصاد خلال العام الماضي بنسبة 7% وهو ما يزيد على معدل الانكماش في أي منطقة أخرى من العالم. كما أن 22 مليون شخص إضافيين أصبحوا غير قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية في هذه الدول. وباعت حكومات الدول النامية سندات مقومة بالدولار أو باليورو خلال العام الماضي أكثر مما فعلت في أي عام سابق.
وتتوقع شركة «فيرسك مابلكروفت» للاستشارات وتقييم المخاطر أن ارتفاع أعباء الديون وتزايد «السخط الشعبي» نتيجة الأزمة الصحية يعني احتمال حدوث اضطرابات سياسية في 88 دولة على الأقل من بين 130 دولة تتابع الشركة أوضاعها.

ويتعين على الحكومات الاحتفاظ بتوازن دقيق في أثناء محاولة إخراج الاقتصاد من الحفرة العميقة التي سقط فيها. فالحكومات ستواجه الاختيار بين المحافظة على استمرار تدفق المساعدات المهمة للفقراء أو استمرار سداد ديونها. وهناك اعتبارات سياسية أخرى تحكم قرارات الحكومات. ففي كولومبيا أدت محاولات زيادة الضرائب للحد من العجز المتضخم في الميزانية إلى موجة احتجاجات شعبية خلال مايو (أيار) الماضي، مما أدى إلى مقتل 20 شخصاً على الأقل وتراجع الحكومة عن الفكرة. كما شهدت العاصمة الاقتصادية لنيجيريا، لاغوس، احتجاجات ضد عنف الشرطة وتحولت إلى اضطرابات على مستوى البلاد بسبب ارتفاع معدل البطالة وارتفاع أسعار الغذاء مما أسفر عن مقتل 69 شخصاً على الأقل، وفقاً لوكالة «بلومبرغ».
وفيما يتعلق بكبرى العقبات التي تواجه الدول الفقيرة في طريق الخروج من الأزمة، ترى ماكي أنه في حين تتزايد الدعوات لتأجيل سداد ديون الدول الفقيرة مرة أخرى، قالت مجموعة العشرين إنها لن تمدد وقف تحصيل أقساط ديونها إلى ما بعد نهاية العام الحالي. كما أن صياغة أي اتفاقيات جديدة بشأن تخفيف أعباء الديون ستتوقف بدرجة كبيرة على الصين التي أصبحت أكبر دولة دائنة في العالم، حيث تستحوذ على نحو 60% من ديون الدول الفقيرة، التي كان مقرراً سدادها خلال 2020. وتقول الصين إنها خففت أعباء الديون عن نحو 20 دولة في العالم، في حين أن مؤسسات القطاع الخاص الدائنة والمؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي لم تفعل ما يكفي للتخفيف عن الدول الفقيرة.
ويمكن أن يؤدي فشل الدول الفقيرة في سداد ديونها إلى حرمانها من الاقتراض من أسواق المال العالمية، وهو ما يزيد من صعوبة تعافي اقتصاداتها. وعلى سبيل المثال، قالت إثيوبيا إنها لن تطلب من دائنيها من القطاع الخاص نفس الإعفاءات التي تحصل عليها من دول دائنة مثل فرنسا وإيطاليا حتى لا تثير خوف مجتمع المال العالمي.


مقالات ذات صلة

ما يقرب من مليوني إسرائيلي تحت خط الفقر خلال عام 2023

شؤون إقليمية ما يقرب من مليوني إسرائيلي تحت خط الفقر خلال عام 2023

ما يقرب من مليوني إسرائيلي تحت خط الفقر خلال عام 2023

كشف تقرير سنوي صادر عن المعهد الوطني للتأمين في إسرائيل عن أرقام صادمة تتعلق بمعدلات الفقر في البلاد خلال عام 2023.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية متظاهرون يرفعون لافتات خلال احتجاجات مناهضة لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تل أبيب (أرشيفية - أ.ف.ب)

ربع سكان إسرائيل ونحو 40 % من الأطفال يواجهون انعدام أمن غذائي

يعيش في إسرائيل 2.756.000 مليون شخص فقير، أي 28.7 في المائة من إجمالي السكان، بينهم 1.240.000 مليون طفل يشكلون 39.6 في المائة من الأطفال.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الاقتصاد سيدة تسير أمام مقر البنك الدولي في العاصمة الأميركية واشنطن (أ.ف.ب)

البنك الدولي يعلن تخصيص 100 مليار دولار للدول الأشد فقراً

قدمت دول مانحة تعهدات قياسية بإجمالي 100 مليار دولار على مدى 3 سنوات للصندوق التابع للبنك الدولي المعني بمساعدة البلدان الأكثر فقراً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد فلسطينيون يتجمّعون في مواقع الغارات الإسرائيلية على المنازل والمباني السكنية في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (رويترز)

تقرير أممي: آثار الحرب أدت إلى تراجع التنمية في غزة بما يناهز 69 عاماً

توقع تقرير أممي جديد أن يرتفع معدل الفقر في دولة فلسطين إلى 74.3 في المائة في عام 2024، ليشمل 4.1 مليون من المواطنين.

«الشرق الأوسط» (عمان)
الاقتصاد أطفال ينتظرون الغداء في كوخهم بصنعاء (رويترز)

البنك الدولي: 26 من أفقر الدول تعاني ديوناً غير مسبوقة منذ 2006

أظهر تقرير جديد للبنك الدولي أن أفقر 26 دولة بالعالم، التي تضم 40 في المائة من أكثر الناس فقراً، تعاني أعباء ديون غير مسبوقة منذ عام 2006.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تايوان: استثناؤنا من القيود الأميركية على الرقائق يعزّز الثقة بضوابطنا القانونية

رقائق «ميديا تك» على لوحة تطوير خلال معرض «كومبيوتكس» في تايبيه (رويترز)
رقائق «ميديا تك» على لوحة تطوير خلال معرض «كومبيوتكس» في تايبيه (رويترز)
TT

تايوان: استثناؤنا من القيود الأميركية على الرقائق يعزّز الثقة بضوابطنا القانونية

رقائق «ميديا تك» على لوحة تطوير خلال معرض «كومبيوتكس» في تايبيه (رويترز)
رقائق «ميديا تك» على لوحة تطوير خلال معرض «كومبيوتكس» في تايبيه (رويترز)

قالت حكومة تايوان، يوم الأربعاء، إن استثناءها من القيود الأميركية الجديدة على صادرات رقائق وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي سيُسهم في «تعزيز الثقة» بضوابط تايبيه واحترامها للقانون.

وأعلنت الولايات المتحدة، يوم الاثنين، فرض قيود إضافية على صادرات الذكاء الاصطناعي، في إطار سعيها للحفاظ على تفوّقها في مجال الحوسبة المتقدمة على الصعيدَيْن الداخلي والدولي، وفق «رويترز».

وتحد هذه القواعد الجديدة من عدد رقائق الذكاء الاصطناعي التي يمكن تصديرها إلى معظم البلدان، في حين تحافظ على حظر الصادرات إلى الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية.

ومع ذلك، تسمح الإجراءات لأقرب حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك تايوان، بالوصول غير المحدود إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأميركية.

وفي بيان لها، أكدت وزارة الاقتصاد التايوانية أن إدراج تايوان شريكاً «من الدرجة الأولى»، مما يسمح لها بالوصول الكامل إلى التكنولوجيا؛ «سيسهم في تعزيز الثقة بإدارة حكومتنا وضوابطها، وكذلك في احترام الشركات للقانون».

وأضافت الوزارة أنها تواصل دعوة المسؤولين الأميركيين وغيرهم من المتخصصين في الصناعة إلى تايوان، لمساعدة الشركات على «فهم القوانين والاتجاهات التنظيمية ذات الصلة» في ظل القيود الأميركية المستمرة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي فُرضت منذ عام 2022.

وتُعد تايوان موطناً لشركة «تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة» (تي إس إم سي)، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، التي تُعد مزوداً رئيسياً للرقائق لشركة «إنفيديا» التي تتمتع بشعبية كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي.

من جانبها، تخشى الحكومة التايوانية التي تواجه ضغوطاً مستمرة من بكين، من أي تأثير في صادراتها إلى الصين. وقد أكدت تايوان، مراراً وتكراراً، التزامها بتطبيق القيود الأميركية.

وفي العام الماضي، علّقت شركة «تي إس إم سي» شحناتها إلى شركة صينية تُدعى «صوفجو»، بعد اكتشاف دمج إحدى شرائحها بصفة غير قانونية في معالج للذكاء الاصطناعي تابع لشركة «هواوي».

تجدر الإشارة إلى أن شركة «هواوي» الصينية، المتخصصة في تصنيع معدات الاتصالات والتكنولوجيا، قد تمت إضافتها إلى قائمة الولايات المتحدة للأنشطة التي تُهدد الأمن القومي الأميركي ومصالح السياسة الخارجية في عام 2019.

وبناء على ذلك، يُحظر على المصدرين شحن البضائع والتكنولوجيا إلى هذه الشركات دون الحصول على ترخيص، وهو ما يُحتمل أن يُرفض.