بغداد تستضيف اليوم قمة «استعادة الثقة» بين العراق ومحيطه العربي

العلاقة الجديدة تعتمد لغة المصالح المشتركة بخلاف الروابط مع إيران وتركيا

TT

بغداد تستضيف اليوم قمة «استعادة الثقة» بين العراق ومحيطه العربي

عشية استضافة العاصمة العراقية بغداد القمة الثلاثية مع مصر والأردن اليوم، حرص رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على بعث رسائل هامة إلى المحيط العربي للعراق لخصه بعبارة ذات دلالة وهي «استعادة الثقة».
الكاظمي اختار «الشرق الأوسط» منبراً عربياً واسع الانتشار لبعث هذه الرسائل عبر مقال حمل عنوان «ضرورة تاريخية كلمة سرها: استعادة الثقة» نشرت أمس. الحكومة العراقية التي حرصت على عدم الإعلان عن موعد القمة حتى قبل يوم واحد من انعقادها بحضور الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هيأت كل المستلزمات اللازمة لانعقادها. فعلى مستوى الإجراءات الأمنية يلاحظ حضور واضح لمختلف الأجهزة في مواقع حيوية في العاصمة بغداد، وبالذات في المنطقة الخضراء المحصنة، حيث مكان انعقاد القمة في القصر الحكومي. وانتشرت صورة ثلاثية تجمع الكاظمي مع العاهل الأردني والرئيس المصري مع عبارة «قمة الأخوة».
وطبقاً لما حمله مقال الكاظمي من عناوين ورسائل عمادها استعادة الثقة، فإن العراق وفي ظل الخطوات التي قطعها رئيس وزرائه منذ وصوله إلى السلطة قبل عام واحد على صعيد العلاقات مع المحيط العربي، بدءاً من دول الخليج ومصر والأردن، يسعى مثلما أكد الكاظمي إلى استعادة الثقة التي كانت مفقودة بين العراق والمحيط العربي منذ الاحتلال الأميركي له نتيجة تزايد وتغول النفوذ الإيراني. ويرى الكاظمي أن هناك «بوادر إيجابية» تلوح في المنطقة، وفي مقابل هذه البوادر هناك مساعٍ تبذل لتخفيف أزماتها وصولاً إلى تصفيرها.
واستبق الكاظمي القمة بالتشديد على ضرورة «تغليب المشتركات التي تجمع شعوبنا باستعادة عمقها التاريخي وما عكسه من تفاعل كان في أساس إنتاج قيم أخلاقية وإرث علمي وفلسفي ومعارف في اللغة والثقافة والفنون والفلك أغنت الوجود البشري».
ولعب الكاظمي عبر المقال على أحد أوتار التوتر المهمة التي كانت عائقاً أمام أي محاولة لتجسير العلاقة مع المحيط العربي بقوله إن «العراق خاض تجارب مريرة لم تقتصر في انعكاسها السلبي علينا فحسب، بل طالت دول المنطقة وأدت إلى ارتدادات إقليمية ودولية لا تقل خطورة في تداعياتها وتعقيداتها عن تعقيد المشهد العراقي». ومضى في اللعب على هذا الوتر عبر التذكير بدور العراق وأهمية الحفاظ عليه كونه يمثل نقطة توازن مهمة، قائلاً: «إن تغييب ثقل العراق في السنوات الأخيرة، أدى إلى تصدعات عميقة في المشهدين العربي والإقليمي».
وإذا كان الكاظمي يتحرك في مساحة قلقة مثلما يرى بعض المراقبين على صعيد اندفاعه نحو المحيط العربي بسبب عمق النفوذ الإيراني، فإن مما يشفع له هو أن الشارع العراقي بات مؤيداً بقوة لخطوات من هذا النوع انطلاقاً من كون العراقيين لم يستفيدوا على الأصعدة الاقتصادية والاستثمارية من العلاقة مع إيران أو حتى تركيا من منطلق أن الميزان التجاري يميل لصالح طهران وأنقرة. وفي مقابل ذلك فإن العلاقة الجديدة التي من المتوقع أن تجمع العراق مع محيطه العربي تعتمد لغة المصالح المشتركة بوصفها تقوم على الاستثمار ودخول واسع للشركات العربية والربط الكهربائي وإقامة المناطق الحرة والمدن الصناعية.
ويقول مستشار رئيس الوزراء، الدكتور حسين علاوي، لـ«الشرق الأوسط» إن «القمة الثلاثية تمثل تطوراً نوعياً في إدارة السياسة الخارجية العراقية لنقلها نحو أسلوب الفضاءات الجديدة من أجل تعزيز المصلحة الوطنية العراقية وتعزيز التعاون المشترك وبناء مفهوم الأمن المشترك الشامل على البعد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني». وأضاف علاوي أن «حكومة الكاظمي تعمل على تطوير العلاقات العراقية - الأردنية - المصرية بهدف تعزيز التعاون المشترك في مواجهة الجماعات الإرهابية ومواجهة التطرف ببرامج مشتركة إقليمية، وتطوير التعاون الأمني المشترك في مجال الجانب العسكري والاستخباري وبرامج التدريب المشترك ونقل الخبرات العسكرية والأمنية والاستخبارية».
وبشأن الجانب الاقتصادي الذي هو أحد البنود المهمة على جدول أعمال هذه القمة، يقول علاوي إن «الجانب الاقتصادي سيتبلور عبر برامج اقتصادية في ميادين نقل الخبرات والشراكات الاقتصادية بهدف بناء سياسات اقتصادية مشتركة بهدف تشجيع الاستثمارات المشتركة والمشاريع بين الشركات للدول الثلاث، بالإضافة إلى مناطق التجارة الحرة والمناطق الصناعية وخطوط النقل وتبادل الكهرباء والطاقة ومشاريع تكرير النفط ومرافئ تصدير النفط العراقي الجديدة في العقبة وغيرها من المنافذ الجديدة».
أما سياسياً، وكما يرى مستشار الكاظمي فإنه في ضوء القمة «هنالك تنسيق سياسي بين وزارات الخارجية للدول الثلاث تجاه المواقف والأزمات السياسية والقضايا المشتركة في المنطقة العربية وتعزيز المبادرات المشتركة تجاه الدول العربية الأخرى في سوريا واليمن وليبيا، فضلاً عن المواقف الدولية في المنظمات الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.