اتّجه الوضع الوبائي في روسيا نحو تدهور غير مسبوق منذ أشهر طويلة، بعدما تجاوزت حصيلة الإصابات اليومية بفيروس كورونا عتبة الـ20 ألفاً لأول مرة منذ نهاية العام الماضي.
وبدا أن التدابير التي اتخذتها الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم الروسية لم تنجح في حثّ الروس على الإقبال بشكل واسع على حملات التطعيم المجاني، وحذرت سلطات موسكو من «انفجار كامل للوضع» رغم التدابير المشددة التي اتخذتها لوقف تدهور الوضع.
وأعلنت غرفة العمليات الخاصة بمكافحة تفشي الفيروس التاجي في روسيا، أمس، أنها سجلت 20182 إصابة جديدة بالفيروس خلال الساعات الـ24 الماضية (مقابل 17594 إصابة في اليوم السابق)؛ ما يمثل أكبر حصيلة يومية منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.
وتم رصد أكبر عدد من الإصابات الجديدة في العاصمة موسكو (8598 إصابة)، ومقاطعة ضواحي موسكو (2308)، تليهما سان بطرسبورغ بواقع (1143) إصابة. كما شهدت روسيا لليوم الثالث على التوالي قفزة غير مسبوقة في حصيلة الوفيات جراء مرض «كوفيد - 19» الذي يسببه فيروس كورونا. إذ تم تسجيل 568 حالة وفاة (مقابل 548 وفاة في اليوم السابق)، ما يمثل أكبر حصيلة منذ يناير، فيما تماثل 13505 مرضى للشفاء. وبذلك تكون روسيا سجلت منذ بداية الجائحة خمسة ملايين و388695 إصابة مؤكدة بـ«كورونا»، بما في ذلك 131463 حالة وفاة، و341617 حالة نشطة، وأربعة ملايين و915615 حالة شفاء.
ويأتي التطور الذي وصف بأنه «الموجة الثالثة والأقسى للانتشار» في وقت بادر فيه عدد من أقاليم روسيا، في مقدمتها موسكو، إلى تشديد القيود المفروضة لكبح جماح الجائحة، بما يشمل فرض التطعيم الإلزامي لبعض الفئات الاجتماعية.
وأقر عمدة موسكو، سيرغي سوبيانين، بأن تفشي الفيروس التاجي في العاصمة الروسية بلغ ذروته خلال الأيام الأخيرة، مشيراً في الوقت نفسه إلى تفعيل حملة التطعيم ضد العدوى في المدينة. وأوضح، أن نحو 60 ألف شخص سجلوا أنفسهم للتطعيم خلال اليوم السابق، ما يمثل عدداً غير مسبوق يتجاوز بأكثر من عشرة أضعاف مؤشرات الفترة السابقة. ورأى أن هذا الأمر «يبعث على الاطمئنان ويعني أن سكان موسكو قد يحصلون في غضون الأشهر القليلة المقبلة على الحصانة الراسخة من الجائحة وتطبيع الوضع والعودة إلى الحياة الطبيعية».
لكن هذه التصريحات جاءت مخالفة لمعطيات هيئة الرقابة الروسية التي انتقدت ضعف إقبال الروس على حملات التطعيم.
وأصبحت موسكو أول إقليم روسي فرض التطعيم الإلزامي للموظفين في قطاع الخدمات الاجتماعية، على خلفية القفزة الأخيرة في الإصابات بـ«كورونا». ورأى خبراء، أن التطعيم الإجباري للموظفين في بعض المهن، والذي تم إدخاله بالفعل في أكثر من 10 مناطق، قد يمتد إلى مناطق أخرى. وأعلنت نائبة رئيس الوزراء تاتيانا غوليكوفا عن تسجيل زيادة معدل التطعيم بمقدار 1.7 مرة، في حين قال نواب في مجلس الدوما، إنه «يجب دعم اهتمام السكان بالتطعيم من خلال سياسة معلومات واضحة». وعكست هذه التصريحات انتقادات مبطنة لأداء الحكومة في التعامل مع ملف التطعيم الشامل.
في غضون ذلك، اتجهت الأقاليم الروسية إلى اتخاذ تدابير مشددة بعد مرور أسابيع على تخفيف القيود التي فرضت منذ انتشار الوباء. واعتباراً من 28 يونيو (حزيران)، سيكون محظوراً على المقاهي في العاصمة وعشرات المدن الأخرى فتح أبوابها أمام الزوار مع استثناء الملقحين أو الأشخاص الذين تعافوا ويحملون شهادات تثبت ذلك.
وغدت هذه الإجراءات الموضوع الرئيسي لاجتماع الرئيس فلاديمير بوتين مع المسؤولين الحكوميين أول من أمس. ورأت تإتيانا غوليكوفا، أن «السبب الأول للوضع الحالي هو عدم الامتثال للإجراءات التقييدية من قبل مواطنينا»، وزادت أن أعلى مخاطر الإصابة بالفيروس حاليا بين الروس الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و49 عاماً.
بالتوازي مع الزيادة في عدد الحالات، وفقاً لنائب رئيس الوزراء، تحسن معدل التطعيم، «في أسبوع ارتفع بنسبة 1.7 مرة. وهذا يعني أن أكثر من 20 مليون روسي تلقوا مكوناً واحداً على الأقل من العقار المضاد، بينما أكمل 17 مليوناً منهم الدورة الكاملة. وتم تسجيل أفضل إقبال على اللقاحات في مناطق داغستان، وفلاديمير، وأوليانوفسك، وفولوغدا، وفي مناطق تشوكوتكا ذاتية الحكم، وجمهورية تيفا، ومناطق نينيتس، وبيلغورود، وتيومن».
في المقابل، فقد اعترف عمدة موسكو سيرغي سوبيانين، أن الوضع «أصبح بالفعل متفجراً في العاصمة».
ووصف عمدة العاصمة الإجراءات المتخذة بأنها «قاسية، لكنها ضرورية في الوقت نفسه». وحول معدلات الإقبال على اللقاح في موسكو، قال سوبيانين إنه تم بالفعل تلقيح أكثر من مليوني شخص بالجرعة الأولى، لكن هذا المعدل ليس كبيراً بالنسبة لعدد السكان البالغ نحو 12 مليوناً من السكان، علماً بأن التعداد السكاني في موسكو يزيد نهاراً ليصل إلى 15 مليون نسمة بسبب قدوم موظفين وعمال من مناطق أخرى.
ومع بدء تجربة اللقاح الإلزامي في موسكو وعدد من المدن يقول الخبراء، إنه «إذا تبين أن تجربة موسكو فعالة، فسيتم استخدامها في أجزاء كثيرة من البلاد».
وأوضح فاديم بوكروفسكي، رئيس المركز الوقائي لمعهد الأبحاث المركزي لعلم الأوبئة، أن التطعيم الإجباري للعاملين في بعض المهن، والذي تم إدخاله بالفعل في أكثر من 10 مناطق، قد ينتشر إلى مناطق أخرى. يرجع هذا الإجراء إلى حقيقة، أن العاملين في مجال الصحة والتعليم والتجارة يلعبون دوراً كبيراً في انتشار الفيروس. ومع ذلك، لا ينبغي لأحد أن ينسى أن التطعيم لا يلغي ارتداء معدات الحماية - وهو عنصر مهم آخر في مكافحة الوباء، كما يذكر الخبير.
في المقابل، قال أوليغ شين، عضو لجنة العمل والسياسة الاجتماعية وشؤون المحاربين القدامى في مجلس الدوما (النواب)، إن معدلات التطعيم المنخفضة ترتبط في المقام الأول بضعف الوعي بين المواطنين. وزاد، أن «الروس مرتبكون من تدفق أخبار الوباء. على سبيل المثال، لا يزال الكثير من الناس لا يفهمون لماذا، حتى بعد التطعيم، تحتاج إلى ارتداء معدات الحماية الشخصية. كما أن الوضع يزداد سوءاً بسبب انتشار معطيات مزورة حول مخاطر التطعيم بشكل نشط في الشبكات الاجتماعية». وخلص السياسي إلى أنه يجب على السلطات أن تضع سياسة إعلامية واضحة حتى لا يساور السكان شك في فاعلية وسلامة الإجراء، فضلاً عن ضرورته الواضحة.
مخاوف من «انفجار وبائي» في موسكو وتوجه لتشديد التدابير
مخاوف من «انفجار وبائي» في موسكو وتوجه لتشديد التدابير
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة