«مدينة وامرأة» يجدد أحزان «مرفأ بيروت» بين جمهور «الإسماعيلية»

مخرج الفيلم لـ«الشرق الأوسط»: لا أضع حدوداً فاصلة في أعمالي

لقطات من فيلم «مدينة وامرأة» (الشرق الأوسط)
لقطات من فيلم «مدينة وامرأة» (الشرق الأوسط)
TT

«مدينة وامرأة» يجدد أحزان «مرفأ بيروت» بين جمهور «الإسماعيلية»

لقطات من فيلم «مدينة وامرأة» (الشرق الأوسط)
لقطات من فيلم «مدينة وامرأة» (الشرق الأوسط)

امرأة شابة تجوب شوارع مدينة بيروت، عقب حادث انفجار المرفأ، وهي في حالة من الذهول والحزن لتروي بصوتها «المجروح» ما جرى، هذه هي فكرة فيلم «مدينة وامرأة»، للمخرج اللبناني نيكولاس خوري، الذي يشارك حالياً في مسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة بمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة.
يأخذنا الفيلم التسجيلي الذي تبلغ مدته نحو 13 دقيقة، وسبق له المشاركة في مهرجانات أوروبية عدة، في جولة بين حطام البيوت والمباني، والمشاهد المروعة، ليثير ألف سؤال بشأن ما جرى، ولماذا جرى؟ ومن المسؤول عنه.
وجدد الفيلم شجن وأحزان جمهور مهرجان الإسماعيلية لما شهدته بيروت من معاناة وآلام بسبب الانفجار الهائل، فيما يتوقع عرضه في لبنان مع ذكرى انفجار المرفأ.
ويعد فيلم «مدينة وامرأة»، رابع أفلام خوري الوثائقية، بعد «الحارة»، «بيروت - البلقان»، وفيلم «أصداء» الذي حصل على جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير من مهرجان قرطاج عام 2018.
ويروي المخرج الشاب (31 عاماً) لـ«الشرق الأوسط» تجربته مع تصوير الفيلم قائلاً: «كنت قد قرأت الرواية الفرنسية المأخوذ عنها الفيلم، وتتناول قصة بعض المدن من خلال النساء، وأعجبتني الفكرة لكنني لم أفكر فيها كفيلم سوى مع حادث انفجار مرفأ بيروت، فحينما وقع حملت كاميرتي ونزلت إلى الشوارع مذهولاً مثل كل اللبنانيين، وبعد شهرين من الانفجار قررت تصوير فيلمي، وكتبت السيناريو ولم يستغرق الأمر ترتيبات كثيرة فقد ظلت شوارع المدينة على صورتها برائحة الخوف والألم».
واختار المخرج بطلته الممثلة اللبنانية ماريا تنوري، التي تعيش في فرنسا، مشيراً إلى أن ملامحها ملائمة تماماً فهي صاحبة جمال هادئ، وذات نظرة عميقة، كما اختار أن يتم التعليق بصوتها بالفرنسية، لأن النص مكتوب بالفرنسية: «أردت تقديم رؤية لهذا الحادث من الخارج، فهي رؤية امرأة لا تعيش في المدينة، ولكنها تنتمي إليها، وتحمل كل ذكرياتها».
ويجمع الفيلم بين الوثائقي والروائي، فهو يرصد من ناحية ما حدث للمدينة، كما يعتمد على بطلته الممثلة، وكما يقول نيكولاس خوري: لا أضع في أفلامي خطوطاً فاصلة، بل أقدم رؤيتي بعيداً عن الانشغال بوضعها في قالب محدد، لأن الإبداع لا يجب أن نخضعه لقوالب صارمة، وهذا يحدث في أفلام عديدة عالمية عديدة، مشيراً إلى أنه «أراد أن يكون الحطام والدمار أكثر صدقاً في نقل الصورة»، مؤكداً أن «الصورة القاتمة التي توحي بغياب الأمل تثبت أن التاريخ يعيد نفسه في بيروت، فهذه هي الدائرة التي تحيط بنا، ولا جديد في الأفق، هذا الإحساس للأسف يسيطر على كل لبناني، الثورة كانت بارقة أمل لنا، لذا صورت بعض مشاهدي في المسرح الذي كان شاهداً عليها وكانت تعزف فيه الموسيقى وتعرض فيه الأفلام».
ومثل كل اللبنانيين، تظل لبيروت مكانتها لديه فقدم من خلال فيلمه «بيروت - البلقان» حكايات مدينته: «صورت هذا الفيلم في سراييفو، بعدما لاحظت تشابه بالقصة والتاريخ والأحداث بين المدينتين، كنت أفتش عن بيروت القديمة في البلقان، لأن بيروت تتغير كثيراً، وكان فيلمي عبارة عن بورتريه لها».
وينحاز خوري للسينما الوثائقية قائلاً: «أحب الأفلام الوثائقية لعفويتها، وأحب أن أجرب فيها طريقة التناول وأسلوب التصوير، بعدما قدمت فيلمي الوثائقي الأول عام 2016 (الحارة) عن عائلتي وأيام الدراسة، وصورت فيلمي (أصداء) داخل مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان، راصداً لأوضاع جديدة يعيشونها، فأنا يشغلني الإنسان وسط هذه الأحداث الصاخبة، كيف تمضي حياته في خوف وفزع، ولا أتطرق للسياسة مباشرة، بل بتأثيرها على حياة البشر، وأصور حالياً أحدث أفلامي (فياسكو)، وهو فيلم شخصي عني وعن عائلتي، عن الزواج، وعن الوحدة، أقدمه بطريقة سلسة ومفعمة بالعفوية».
واختتم خوري حديثه بالتأكيد على أن التمويل يعد أحد أبرز الأزمات التي تواجه صناع السينما المستقلة في كل أنحاء العالم، قائلاً: «هذا الفيلم أنتجه (غاليري أليس)، وفيلمي الطويل (فياسكو) حصل على تمويل من (آفاق)، وفي لبنان الأفلام كثيرة، والتمويل محدود لذلك يواجه المخرجون الكثير من الأزمات».


مقالات ذات صلة

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».