الطهي يتصدّر المشاهدة على شاشات التلفزيون... والجائحة تعزّز مكانته

الإعلام يستمد طاقته من الطعام

نايجيلا لوسون
نايجيلا لوسون
TT

الطهي يتصدّر المشاهدة على شاشات التلفزيون... والجائحة تعزّز مكانته

نايجيلا لوسون
نايجيلا لوسون

مَن منّا لا يحب الطعام؟... لا أعتقد بأن هناك من لا يحب الأكل والتمتع بالنكهات والتمعّن بالوصفات واكتشاف خباياها، ولكن كم من شخص يتقن فن الطهي؟
الجواب قد يكون صادماً، لأن النسبة قد ازدادت في غضون السنوات العشر الماضية بعدما اجتاحت برامج الطهي شاشات التلفزيون. وأصبح الطبخ فناً معترفاً به عالمياً، في أعقاب تطور أساليبه، وتوجه العديد لدراسة الطهي، وانتشار أفضل معاهد التدريس حول العالم. واليوم، بعد عام ونيف على هيمنة جائحة «كوفيد - 19». تربّعت برامج الطهي بصورة كاملة على المنابر الإعلامية، بجميع أنواعها، في العديد من الدول الغربية والعربية بسبب إقفال المطاعم واضطرار العديد من الناس للأكل في المنازل.
في الماضي كان يشاهد الناس برامج الطهي من دون تطبيق الوصفات في المنزل، لكن اليوم اختلف الوضع بعدما أصبح الطهي والأكل في المنزل متعة حقيقية لم يكتشفها كثيرون في الماضي بسبب ضغوط الحياة والعمل في المكاتب. فاليوم تعمل نسبة عالية من الموظفين من منازلهم، وبالتالي تعلم هؤلاء الطهي على يد مدوّني الطعام على شبكات التواصل الاجتماعي والطهاة المحترفين على قنوات التلفزيون، وباتت هذه مع المجلات والصحف، هي الحل.
لقد أصبحت القنوات التلفزيونية التي تقدم برامج الطهي تنافس بقوة في نجاحها القنوات المتخصصة الأخرى، سواءً في مجالات الرياضة أو المنوّعات والفنون. وصار الطهاة نجوماً حقيقيين تتردد عباراتهم التي يستخدمونها في برامجهم والتي ساعدتهم على تحقيق نجاحات هائلة على حساباتهم الشخصية على مواقع «إنستغرام» و«تيك توك» وغيرها من المنصات الإلكترونية. وبين أهم وأشهر هؤلاء في مصر اليوم «الشيف» شربيني، مقدم برنامج «الشيف» على قناة «سي بي سي»، ومن قبل ذلك برامج أخرى عدة في فنون الطهي والطعام. كذلك هناك الطاهية الفلسطينية المقيمة في مصر «الشيف» مي يعقوبي واللبنانية «الشيف» ليلى فتح الله، المعروفة بخفة دمها ووصفاتها السهلة واللذيذة التي كانت بدايتها من شاشة «فتافيت».

عنصر «الكاريزما»

يعتمد نجاح برامج الطهي على كاريزما الطاهي وتلقائيته ومهارته بالتأكيد. وشهدت الفترة الأخيرة أيضاً بزوغ عدد من النجوم الشابة من شاشة برامج الطبخ، فهناك سالي عبد السلام، وبرنامج «سنة أولى طبخ» على قناة بانوراما فوود، وبرنامج «دوّقيني يا ماما» من تقديم مروة إمام على شاشة القناة نفسها.
أيضاً، هناك مجموعة أخرى من البرامج يقدمها عدد من الشباب، ولكن هذه المرة على القناة المتخصصة أيضاً في برامج الطعام «سي بي سي سفرة»، ومنها «على قد الإيد» من تقديم نجلاء الشرشابي، و«عيش وملح» من تقديم ماجي حبيب، و«مطبخ 101» من تقديم وسام مسعود، و«الأكيل» من تقديم مراد مكرم.
وأصبحت هذه البرامج تحقق نسب مشاهدة عالية للغاية، مما دفع العديد من القنوات لتخصيص ساعات وساعات من البث لبرامج مخصصة للطهي لطهاة عرب وأجانب. وبالفعل، عرضت قناة أبوظبي برنامج «مطبخ مي» المستوحى من حياة «الشيف» مي يعقوبي، وهو الأول من نوعه في المنطقة الذي يقدم وصفات من كل المطابخ العالمية، ويستضيف في كل حلقة أحد المشاهير العرب، إلى جانب أصدقاء الشيف مي. بالإضافة إلى برنامج «مدرسة الطبخ» الذي تقدّمه مارثا ستيوارت التي تقدم خلال 13 حلقة مجموعة من الوصفات المتنوعة من عدد من المطابخ العالمية، مثل الإيطالي والإنجليزي والفرنسي والهندي، فضلاً عن مشاركتها للنصائح حول مقادير الطهي للأكلات المشابهة لتلك التي تعدها خلال الحلقة.
ومن البرامج العالمية الأخرى على تعرض على شاشة عربية «ديليشوس ميس دال» الشهير لصوفي دال، إذ تقوم صوفي في كل حلقة من حلقاته الست بإعداد قائمة متنوعة من المأكولات لتشمل المقبلات، والوجبة الرئيسية وطبق الحلوى. أما قناة دبي فعرضت موسماً كاملاً لبرنامج «ذا لندن شو» خصّصت فقرة طويلة منه لإلقاء الضوء على مشهد الطعام وأبرز مطاعم لندن وأشهر الطهاة في العاصمة البريطانية.

نِسب مشاهدة وإعلانات
نجاح برامج الطهي على قنوات التلفزيون يترجَم في حجم نسبة المشاهدة العالية وحجم الإعلانات، مما دفع الكثير منها للتخصص في عرض برامج الطهي. وفي بريطانيا، بينت إحصائية جديدة أجرتها شركة «لورباك» أن نسبة مشاهدة برامج الطهي التي تعرض على الشاشات البريطانية تفوق مشاهدة أي نوع من البرامج الأخرى. وثمة نسبة عالية من المشاهدين الذين يكتفون بمشاهدة تحضير الوصفات على يد طهاة ذوي قدرة على جذب المشاهد من خلال حِرَفيتهم إلا أنهم لا يطبقون تلك الوصفات في المنزل مكتفين بلذّة المشاهدة... وليس التذوق.
كذلك أشارت الإحصائية أيضاً إلى أن المشاهد البريطاني يمضي أكثر من خمس ساعات أسبوعياً في مشاهدة برامج الطهي ومطالعة المجلات وملاحق الطعام في الصحف ومتابعة صور للطعام على أبرز الحسابات المتخصّصة بالطعام على «إنستغرام». وأكثر من ثلاثين مليون شخص في بريطانيا يتوجه لمشاهدة أهم عشرة برامج للطهي أسبوعياً، في حين تفوّق برنامج «ذا غريت بريتش بايك أوف» الذي يُعرَض على «القناة البريطانية الرابعة» على أي برنامج بريطاني آخر بحيث حقق نسبة مشاهدة فاقت الـ10 ملايين مشاهد ليصبح بذلك البرنامج الأعلى مشاهدة منذ عام 1985. وللعلم، فإن أشهر برامج الطهي في بريطانيا وأنجحها هي «ذا غريت بريتيش بايك أوف» و«كَم داين ويذ مي» و«ماستر شيف». ووفق الإحصائية نفسها هناك شغف غير مسبوق من قبل المشاهدين لمتابعة برامج الطهي والتمعّن بصور الأطباق الجذابة على الإنترنت، وتبقى هناك نسبة كبيرة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضي الذين يحرصون على تصوير الطعام وعرض الصور على حساباتهم. وهذه الموضة دعمتها تقنية الهواتف الجوّالة التي عملت على تشجيع المستهلك على اكتشاف مزايا جديدة تساعد على التقاط أجمل الصور.
ومن ناحية ثانية، تبين أيضاً بأن البريطاني يمضي 19 دقيقة لمشاهدة الصور على موقع «بينتريست» و«إنستغرام» وبعدها 34 دقيقة يشاهد فيها مقاطع فيديو على «يوتيوب» و58 دقيقة قراءة لموقع متخصص بالطهي أو «بلوغ». وتقول إيما كيني، وهي طبيبة نفسية متخصصة في الإعلام، أن برامج الطهي وشغف المشاهدين بها «ليس بالأمر الجديد، فهي موجودة منذ عام 1950. غير أن تعزيز مكانة برامج الطهي على قنوات التلفزيون منذ عام 2016 جعل الاهتمام أكبر ونسبة المشاهدة أعلى بكثير». وتابعت كيني: «أن الطهي في الماضي كان حكراً على المحترفين، وكان يعطي الانطباع بأنه فن معقّد ولا يمكن تطبيقه في المنزل، غير أن البرامج المتخصّصة ومدوّنات الطعام ساعدت على تغيير هذه النظرة وتسهيل الأمر وجعل الطهي في متناول الجميع».
وللعلم، كانت برامج الطهي في الماضي تعتمد فقط على الوصفة، أما اليوم فهي تعتمد على العديد من التأثيرات الإضافية، مثل ديكور المطبخ - الأمر الذي زاد من نسبة بيع المطابخ العصرية - وشخصية الطاهي وجماله كما هو الحال مع الطاهية البريطانية نايجيلا لوسن التي سرقت قلوب المشاهدين والمشاهدات لشدة جمالها وطريقة طهيها المثيرة... وهي بالمناسبة ابنة وزير المالية السابق اللورد نايجل لوسون.
وقد تكون شهرة لوسون، خريجة جامعة أكسفورد العريقة، ترتكز على جمالها وثقافتها ولكنتها الإنجليزية الراقية، من العوامل التي ساعدتها على الانتشار، ودفعت الرجال على متابعة برامجها قبل النساء، إلا أنها تبقى من أبرز وألمع الطهاة على الساحة البريطانية وتملك في جعبتها أكثر كتب الطهي مبيعاً في العالم.


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».