مَن منّا لا يحب الطعام؟... لا أعتقد بأن هناك من لا يحب الأكل والتمتع بالنكهات والتمعّن بالوصفات واكتشاف خباياها، ولكن كم من شخص يتقن فن الطهي؟
الجواب قد يكون صادماً، لأن النسبة قد ازدادت في غضون السنوات العشر الماضية بعدما اجتاحت برامج الطهي شاشات التلفزيون. وأصبح الطبخ فناً معترفاً به عالمياً، في أعقاب تطور أساليبه، وتوجه العديد لدراسة الطهي، وانتشار أفضل معاهد التدريس حول العالم. واليوم، بعد عام ونيف على هيمنة جائحة «كوفيد - 19». تربّعت برامج الطهي بصورة كاملة على المنابر الإعلامية، بجميع أنواعها، في العديد من الدول الغربية والعربية بسبب إقفال المطاعم واضطرار العديد من الناس للأكل في المنازل.
في الماضي كان يشاهد الناس برامج الطهي من دون تطبيق الوصفات في المنزل، لكن اليوم اختلف الوضع بعدما أصبح الطهي والأكل في المنزل متعة حقيقية لم يكتشفها كثيرون في الماضي بسبب ضغوط الحياة والعمل في المكاتب. فاليوم تعمل نسبة عالية من الموظفين من منازلهم، وبالتالي تعلم هؤلاء الطهي على يد مدوّني الطعام على شبكات التواصل الاجتماعي والطهاة المحترفين على قنوات التلفزيون، وباتت هذه مع المجلات والصحف، هي الحل.
لقد أصبحت القنوات التلفزيونية التي تقدم برامج الطهي تنافس بقوة في نجاحها القنوات المتخصصة الأخرى، سواءً في مجالات الرياضة أو المنوّعات والفنون. وصار الطهاة نجوماً حقيقيين تتردد عباراتهم التي يستخدمونها في برامجهم والتي ساعدتهم على تحقيق نجاحات هائلة على حساباتهم الشخصية على مواقع «إنستغرام» و«تيك توك» وغيرها من المنصات الإلكترونية. وبين أهم وأشهر هؤلاء في مصر اليوم «الشيف» شربيني، مقدم برنامج «الشيف» على قناة «سي بي سي»، ومن قبل ذلك برامج أخرى عدة في فنون الطهي والطعام. كذلك هناك الطاهية الفلسطينية المقيمة في مصر «الشيف» مي يعقوبي واللبنانية «الشيف» ليلى فتح الله، المعروفة بخفة دمها ووصفاتها السهلة واللذيذة التي كانت بدايتها من شاشة «فتافيت».
عنصر «الكاريزما»
يعتمد نجاح برامج الطهي على كاريزما الطاهي وتلقائيته ومهارته بالتأكيد. وشهدت الفترة الأخيرة أيضاً بزوغ عدد من النجوم الشابة من شاشة برامج الطبخ، فهناك سالي عبد السلام، وبرنامج «سنة أولى طبخ» على قناة بانوراما فوود، وبرنامج «دوّقيني يا ماما» من تقديم مروة إمام على شاشة القناة نفسها.
أيضاً، هناك مجموعة أخرى من البرامج يقدمها عدد من الشباب، ولكن هذه المرة على القناة المتخصصة أيضاً في برامج الطعام «سي بي سي سفرة»، ومنها «على قد الإيد» من تقديم نجلاء الشرشابي، و«عيش وملح» من تقديم ماجي حبيب، و«مطبخ 101» من تقديم وسام مسعود، و«الأكيل» من تقديم مراد مكرم.
وأصبحت هذه البرامج تحقق نسب مشاهدة عالية للغاية، مما دفع العديد من القنوات لتخصيص ساعات وساعات من البث لبرامج مخصصة للطهي لطهاة عرب وأجانب. وبالفعل، عرضت قناة أبوظبي برنامج «مطبخ مي» المستوحى من حياة «الشيف» مي يعقوبي، وهو الأول من نوعه في المنطقة الذي يقدم وصفات من كل المطابخ العالمية، ويستضيف في كل حلقة أحد المشاهير العرب، إلى جانب أصدقاء الشيف مي. بالإضافة إلى برنامج «مدرسة الطبخ» الذي تقدّمه مارثا ستيوارت التي تقدم خلال 13 حلقة مجموعة من الوصفات المتنوعة من عدد من المطابخ العالمية، مثل الإيطالي والإنجليزي والفرنسي والهندي، فضلاً عن مشاركتها للنصائح حول مقادير الطهي للأكلات المشابهة لتلك التي تعدها خلال الحلقة.
ومن البرامج العالمية الأخرى على تعرض على شاشة عربية «ديليشوس ميس دال» الشهير لصوفي دال، إذ تقوم صوفي في كل حلقة من حلقاته الست بإعداد قائمة متنوعة من المأكولات لتشمل المقبلات، والوجبة الرئيسية وطبق الحلوى. أما قناة دبي فعرضت موسماً كاملاً لبرنامج «ذا لندن شو» خصّصت فقرة طويلة منه لإلقاء الضوء على مشهد الطعام وأبرز مطاعم لندن وأشهر الطهاة في العاصمة البريطانية.
نِسب مشاهدة وإعلانات
نجاح برامج الطهي على قنوات التلفزيون يترجَم في حجم نسبة المشاهدة العالية وحجم الإعلانات، مما دفع الكثير منها للتخصص في عرض برامج الطهي. وفي بريطانيا، بينت إحصائية جديدة أجرتها شركة «لورباك» أن نسبة مشاهدة برامج الطهي التي تعرض على الشاشات البريطانية تفوق مشاهدة أي نوع من البرامج الأخرى. وثمة نسبة عالية من المشاهدين الذين يكتفون بمشاهدة تحضير الوصفات على يد طهاة ذوي قدرة على جذب المشاهد من خلال حِرَفيتهم إلا أنهم لا يطبقون تلك الوصفات في المنزل مكتفين بلذّة المشاهدة... وليس التذوق.
كذلك أشارت الإحصائية أيضاً إلى أن المشاهد البريطاني يمضي أكثر من خمس ساعات أسبوعياً في مشاهدة برامج الطهي ومطالعة المجلات وملاحق الطعام في الصحف ومتابعة صور للطعام على أبرز الحسابات المتخصّصة بالطعام على «إنستغرام». وأكثر من ثلاثين مليون شخص في بريطانيا يتوجه لمشاهدة أهم عشرة برامج للطهي أسبوعياً، في حين تفوّق برنامج «ذا غريت بريتش بايك أوف» الذي يُعرَض على «القناة البريطانية الرابعة» على أي برنامج بريطاني آخر بحيث حقق نسبة مشاهدة فاقت الـ10 ملايين مشاهد ليصبح بذلك البرنامج الأعلى مشاهدة منذ عام 1985. وللعلم، فإن أشهر برامج الطهي في بريطانيا وأنجحها هي «ذا غريت بريتيش بايك أوف» و«كَم داين ويذ مي» و«ماستر شيف». ووفق الإحصائية نفسها هناك شغف غير مسبوق من قبل المشاهدين لمتابعة برامج الطهي والتمعّن بصور الأطباق الجذابة على الإنترنت، وتبقى هناك نسبة كبيرة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضي الذين يحرصون على تصوير الطعام وعرض الصور على حساباتهم. وهذه الموضة دعمتها تقنية الهواتف الجوّالة التي عملت على تشجيع المستهلك على اكتشاف مزايا جديدة تساعد على التقاط أجمل الصور.
ومن ناحية ثانية، تبين أيضاً بأن البريطاني يمضي 19 دقيقة لمشاهدة الصور على موقع «بينتريست» و«إنستغرام» وبعدها 34 دقيقة يشاهد فيها مقاطع فيديو على «يوتيوب» و58 دقيقة قراءة لموقع متخصص بالطهي أو «بلوغ». وتقول إيما كيني، وهي طبيبة نفسية متخصصة في الإعلام، أن برامج الطهي وشغف المشاهدين بها «ليس بالأمر الجديد، فهي موجودة منذ عام 1950. غير أن تعزيز مكانة برامج الطهي على قنوات التلفزيون منذ عام 2016 جعل الاهتمام أكبر ونسبة المشاهدة أعلى بكثير». وتابعت كيني: «أن الطهي في الماضي كان حكراً على المحترفين، وكان يعطي الانطباع بأنه فن معقّد ولا يمكن تطبيقه في المنزل، غير أن البرامج المتخصّصة ومدوّنات الطعام ساعدت على تغيير هذه النظرة وتسهيل الأمر وجعل الطهي في متناول الجميع».
وللعلم، كانت برامج الطهي في الماضي تعتمد فقط على الوصفة، أما اليوم فهي تعتمد على العديد من التأثيرات الإضافية، مثل ديكور المطبخ - الأمر الذي زاد من نسبة بيع المطابخ العصرية - وشخصية الطاهي وجماله كما هو الحال مع الطاهية البريطانية نايجيلا لوسن التي سرقت قلوب المشاهدين والمشاهدات لشدة جمالها وطريقة طهيها المثيرة... وهي بالمناسبة ابنة وزير المالية السابق اللورد نايجل لوسون.
وقد تكون شهرة لوسون، خريجة جامعة أكسفورد العريقة، ترتكز على جمالها وثقافتها ولكنتها الإنجليزية الراقية، من العوامل التي ساعدتها على الانتشار، ودفعت الرجال على متابعة برامجها قبل النساء، إلا أنها تبقى من أبرز وألمع الطهاة على الساحة البريطانية وتملك في جعبتها أكثر كتب الطهي مبيعاً في العالم.