«الرسامة واللص»: فهمُ الذات بعد الصدمة ومواجهتها

«وثائقي» حائز جوائز عالمية يُحاكي لقاء الأرواح المعطوبة

TT

«الرسامة واللص»: فهمُ الذات بعد الصدمة ومواجهتها

يطرح وثائقي «الرسامة واللص» (The painter and the thief) أسئلة جوهرية عن النقص الإنساني وحاجة المرء المُلحّة إلى اعتراف الآخرين به. يعرض «شاهدVIP » هذه الروعة الحزينة، القادرة من دون جهد على تحريك الرواسب. بطلان: رسامة تشيكية تشتهر باللوحات الزيتية الكبيرة والواقعية، تدعى باربورا كيسلكوفا؛ ولص نرويجي، مدمن مخدرات، خشن، يدعى كارل بيرتل نوردلاند. في استطاعة المخرج بينجامين ري سرد القصة مع رشّة توابل درامية، تجعلها أكثر رومانسية وأخفّ وطأة على المرء المُرهف. لكنّه فضّل الكي. ينطلق من سرقة بيرتل (ولص آخر مرّ عابراً في الشريط) لوحتين لباربورا ليغوص عميقاً في المأساة البشرية ومحاولة التعويض الشاقة. لمَن لم يتابع «الوثائقي» الحائز على جوائز عالمية (ساعة و42 دقيقة)، نلخّص: تكشف كاميرا المراقبة في الفناء الخلفي لمعرض «نوبل»، جريمة السرقة. بيرتل ولص آخر، أزالا مائتي مسمار بحرفية عن القماش، وفرَّا بلوحتين تزيد قيمتهما على عشرين ألف يورو. «انتقام» فريد من نوعه، تمارسه الرسامة بحق السارق بعد مواجهته في قاعة المحكمة: «ستكون العارض الخاص بي. ستجلس معي ساعات مجاناً». يوافق. ويبدآن رحلة تطهّر تعيدهما إلى حقيقتهما الآدمية المطمورة بالقشور واللحم الميت.
أراد إخبارها كيف أصبح مجرماً، وعن ظروف نشأته القاسية. هنا ثلاثة عناصر: بطلة من تشيكيا، وبطل من النرويج، ومخرج «يُقطّب» جروحهما. يُسلّم الوثائقي نفسه للأصوات الداخلية التي لا يسمعها أحد. غريب جداً ردّ فعل الرسامة وابتساماتها غير المفهومة. تتراءى باردة، كثلوج أوسلو. غامضة، ومغلّفة بالأغطية. مُثقلة بالندوب الكريهة.
يصبح اللقاء مع اللص فرصة لفكّ لغزها، بينما يظنّ المُشاهد أنها مَن تفكّ لغزه. لا يتذكر كيف سرق اللوحتين، بعدما تعاطى 20 غراماً من الأمفيتامين المخدّر. «كانتا جميلتين»، وكفى. باربورا طويلة البال، سكينتها الخارجية إنذار أخير قبل فوران بركانها. امرأة ناجية من العنف، تجد في بيرتل خيطاً يربط بينها وبين نفسها. تُصاب بالتعجب وأنت تشاهد. أي نوع من الصداقات هي علاقتهما؟ أي انجراف؟ أي انجذاب؟ وأي اتّكاء يولد من العدم؟
لحظة الانفجار الأولى، هي بكاؤه كطفل أمام لوحة رأى فيها نفسه بصورة جديدة. أخافته ألوانه الخارجة من ريشتها. «لم أقصد أن أجعلكَ تبكي»، ويتعانقان طويلاً. تُحركش «الصداقة» في فكرة الحاجة إلى الآخر للإحساس بالاكتمال. إفراط باربورا في الاهتمام ببيرتل، وتأمين حاجاته حتى بلوغ مرحلة الإفلاس المادي، ما هو إلا رغبتها في استعادة ذاتها. وفي انتشالها من الضبابية. والماضي الوحش. والصور المظلمة في روحها وفنها. وسوداويتها المنفّرة في اللوحات، حدّ أنّ جميع المعارض التجارية رفضتها.
احتضنته من دون إدانة، وأصغت إليه بلا أحكام مسبقة. ربما لأنه مثلها، آتٍ من صقيع الذاكرة، يحمل في روحه قائمة طويلة من صدمات الأمس. وثائقي حميمي، مجرّد من الأقنعة، عن شخصين يلتقيان بعد تيه دروبهما، فيجمعهما ما يتجاوز الحب بمفهومه النمطي. هو بوشومه الدالّة على الطفولة المشوّهة، وهي بالدوائر المرسومة في أسفل عنقها للإشارة إلى الأقدار الرهيبة. تعيده إلى الحياة، ويعيدها إلى أعماقها. تلهمه وتعلّمه، وتلملم شيئاً مما فاتهما. لم يره أحد ضعيفاً كما فعلت. ظنّت أنها وحدها من يفهمه، ونسيت أنه أيضاً يفهمها. هنا الكي الذي تحدّثنا عنه في المقدمة: فهمُ الذات بعد الصدمة ومواجهتها. لكل منهما جانب من القصة يسرده ليُخفف حملها. أخبرها عن أصدقائه الموتى بفعل الانتحار أو المخدرات، وإحساسه الهائل بأنّ الجميع يريد التخلّي عنه. وجودها بمثابة «تكذيب» لهذه «الحقيقة». يحاكي «الوثائقي» المسار الطويل نحو الشفاء، حين تتسنّى للمرء الفرصة. ثمة ما هو أنبل من الانتظار: اللحظة المناسبة لطي الصفحة.
يُقطّع المخرج كادراته وفق منطق «الوجبة»، لا «المائدة». لا يعطي كلّ شيء دفعة واحدة. هناك دائماً موعد مع الصبر. ماذا جرى في تلك اللحظة؟ انتظر قليلاً. يُسجن بيرتل بعد سرقة سيارة وقبض الشرطة عليه هارباً، ولإدمانه المخدرات، فتفصله عن باربورا سنة كاملة، بشقائها وطول لياليها. ثم يخرج «إنساناً آخر» بعد إعادة التأهيل، قادراً على العطاء من دون عقبة. يجمعهما عناق طويل بعمق الشوق. عوضٌ على هيئة ضمَّة.
فجأة يهزّها صديقها باستفهام أخلاقي: أيحقّ لكِ مطاردة المأساة في حياة الآخرين لتحويلها إلى أعمال جمالية؟ لم يسبق أن فكّرتْ بالأمر. عندما نظرتْ إلى بيرتل للمرة الأولى في المحكمة، لم تستطع رؤية اللص فيه. «شاهدت روحاً عارية تقف هناك». أنقذها شريك حياتها من الموت في برلين، حين أراد صديقها السابق التخلّص منها. والآن، يناقشها في المسائل الأخلاقية المتعلّقة بالغاية من الاهتمام بالآخرين ومساعدتهم. لمَ الانجذاب نحو الدمار؟
كلّما بكى، عاد الطفل الذي لم يعشه. أدركتْ ذلك، فلم ترد منه سوى الجوانب المظلمة، الأمر الذي يعطيها المساحة التي تحتاجها للرسم. عندها أنّبها صديقها: «ألم تناقشي المسألة مع صوتكِ الداخلي؟ البحث عن الإلهام بتحريك مآسي الآخرين، لا يبدو فكرة أخلاقية». كل ما في الأمر أنّ باربورا منهارة ولا تجرؤ على الاعتراف. شبّه صديقها حالها، بطفلة تريد اللهو، فترمي نفسها وسط السيارات المسرعة. لم تفكّر بوضعها السيئ من قبل. ظلّت ترسم فيما العالم ينهار من حولها. وجدت بيرتل، فطابقَ صورتها المُعتِمة عن نفسها. تمسكت به، كأنها تتمسك بالطلقة الأخيرة قبل إعلان موتها. إلى أن «التحما» في لوحة شكّلت المشهد الأخير للفيلم: وجعان (روحان وجسدان) معاً إلى الأبد. «وثائقي» عن الشكل الآخر للتعاطف حين يتمخّض من دمعة صامتة. إنسانيته صافية، لا تلوّثها موبوءات مادية ونفعية. هو السؤال المشروع عن صراع الإنسان مع الجدوى، في عالم متوحّش، يتربّص بالسعادة. لقاء الأرواح حقيقي، يخفف لوعة العُمر.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».