الأمم المتحدة تدعو إلى وقف صادرات الأسلحة إلى ميانمار

المبعوثة الخاصة تحذر من «خطر نشوب حرب أهلية واسعة النطاق»

TT

الأمم المتحدة تدعو إلى وقف صادرات الأسلحة إلى ميانمار

تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً غير ملزم يطالب بوقف صادرات الأسلحة إلى ميانمار، التي يعصف بها العنف، فيما حذرت مبعوثة الأمم المتحدة الخاصة إلى ميانمار، كريستين شرانر بورغنر، من «خطر نشوب حرب أهلية واسعة النطاق». وقالت بورغنر بعد أن تبنت الجمعية العامة القرار: «الوقت حاسم. الفرصة لردع الانقلاب العسكري تتضاءل». وصوتت الجمعية التي تضم 193 دولة بأغلبية كبيرة لصالح مشروع القرار، الذي يدين أيضاً الانقلاب العسكري الذي حدث في أول فبراير (شباط)، وطالب بإطلاق سراح الزعيمة التي تمت الإطاحة بها أون سا سو تشي وغيرها من السجناء السياسيين. وصرح دبلوماسيون لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» بأنه في الاجتماع المغلق لمجلس الأمن الذي عقد بمبادرة من بريطانيا، لم يتم تبني إعلان مشترك بسبب الانقسامات المستمرة بين أعضائه. ورأت منظمة «هيومن رايتس ووتش» المدافعة عن حقوق الإنسان، وتدفع منذ فبراير باتجاه فرض حظر على الأسلحة، أن قرار الجمعية العامة «يدعو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى أمر واضح، هو وقف تزويد ميانمار بالأسلحة». وقال مدير شؤون الأمم المتحدة في «هيومن رايتس ووتش» ويس شاربونو إن «الفظائع والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات المجموعة العسكرية الحاكمة مراراً كشفت أن على كل حكومة أن تمتنع عن إرسال أي رصاصة لها». وأضاف: «على مجلس الأمن الدولي الآن أن يتدخل ويتبنى قراره الخاص بفرض حظر عالمي للأسلحة على ميانمار». وحصل إعلان الجمعية العامة على تأييد 119 دولة، بينما امتنعت 36 دولة عن التصويت، من بينها الصين وروسيا وبروناي وكمبوديا ولاوس وتايلاند ومالي وإيران ومصر. وصوتت بيلاروس فقط ضد مشروع القانون. وقال سفير الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة أولوف سكوغ: «إنها أوسع إدانة عالمية للوضع في بورما حتى اليوم»، معتبراً أن القرار «يوجه رسالة قوية وحازمة، وينزع الشرعية عن المجلس العسكري، ويدين انتهاكاته والعنف الذي يمارسه بحق شعبه، ويثبت عزلته في نظر العالم».
وتعاني ميانمار من الفوضى والعنف منذ الانقلاب. ويقمع الجيش كل مقاومة بقوة وحشية. وتشير تقديرات لمنظمة «إيه إيه بي بي» لمساعدة السجناء إلى أن 858 شخصاً قتلوا، وتم اعتقال نحو ستة آلاف شخص.
ويطالب القرار أيضاً بتطبيق خطة من خمس نقاط وضعتها رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) في أبريل (نيسان) تشمل تعيين موفد إلى البلاد، وتحض القوات المسلحة على «أن توقف فوراً كل أعمال العنف بحق المتظاهرين السلميين». ويدعو النص أيضاً إلى تأمين إيصال مساعدات إنسانية من دون عوائق وزيارة مبعوثة الأمم المتحدة كريستين شرانر بورغينير. ونادراً ما تتبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات تدين الانقلابات العسكرية أو تدعو إلى الحد من تسليم البلد المستهدف أسلحة. فبين الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) التي شاركت في التفاوض حول نص القرار المقدّم بمبادرة من لشتنشتاين ودعم من الدول الغربية. وصوت مندوب ميانمار كيواي مو تون الذي أقيل بعد الانقلاب في فبراير لكنه لا يزال يمارس مهامه متحدياً المجلس العسكري، لصالح القرار. وعبّر بعد التصويت عن أسفه لأن ثلاثة أشهر مرت قبل أن تتخذ الجمعية العامة هذا القرار، ولأنه لا يعتمد صيغة أوضح بشأن فرض حظر على الأسلحة.
وتخضع سو تشي للإقامة الجبرية منذ الانقلاب، وكانت في نفس الوضع لعدة سنوات خلال الديكتاتورية العسكرية السابقة. ووجهت لها السلطات القضائية ستة اتهامات، من بينها انتهاك قوانين التجارة الخارجية وانتهاك إجراءات فيروس «كورونا»، بما في ذلك الفتنة والفساد. ويُشتبه في أن المجلس العسكري الحاكم يرغب في استغلال هذه التهم لإبعاد رئيسة الحكومة السابقة الشعبية بعيداً عن السياسة بشكل دائم.
وفي الأمس، وضع مؤيدو سو تشي زهوراً على رؤوسهم وتدفقوا على الشوارع، في اليوم الذي يوافق عيد ميلادها السادس والسبعين. وتشهد ميانمار احتجاجات يومية تقريباً منذ أن أوقف الانقلاب إصلاحات ديمقراطية بدأت منذ عشر سنوات، وأدى إلى إضرابات معرقلة، وجدد الصراع في البلاد.
ومن بين مَن خرجوا إلى الشوارع بزهرة على الرأس، أمس (السبت)، الناشط تيت سوي وين الذي كان على خلاف مع سو تشي بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان خلال فترة زعامتها. قال: «أطالب بالحرية لكل الناس، بمن فيهم أونج سان سو تشي... هناك انتهاك لحقوقها الشخصية وحقوقها السياسية». وسو تشي حائزة على جائزة نوبل للسلام عام 1991. لكن مكانتها لدى الدول الغربية انهارت في 2017 لدفاعها عن الجيش، بعد نزوح 700 ألف من أقلية الروهينغا المسلمة فراراً من حملة عسكرية صارمة. لكن الأمر لم يؤثر على شعبيتها في ميانمار التي تقطنها غالبية بوذية.


مقالات ذات صلة

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي نازحون فلسطينيون يسيرون في شارع غرب مدينة غزة الاثنين (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار في لبنان وإسرائيل وغزة

دعت الأمم المتحدة، اليوم (الثلاثاء)، من جديد إلى «وقف دائم لإطلاق النار» في لبنان وإسرائيل وغزة، في حين يتوقع إعلان هدنة بين إسرائيل و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي جنود لبنانيون يتجمعون في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت موقعاً للجيش في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الهجمات التي تستهدف الجيش اللبناني «انتهاك صارخ» للقرار 1701

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أنها «تشعر بالقلق» إزاء تصاعد الأعمال القتالية بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي، والهجمات التي تعرض لها الجيش اللبناني.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

البرهان يسمح للمنظمات الإغاثية باستخدام 3 مطارات لتخزين مواد الإغاثة

وجه رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، بالسماح لمنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة باستخدام 3 مطارات بوصفها مراكز لتخزين مواد الإغاثة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
المشرق العربي صورة تظهر لحظة قصف إسرائيلي لمبنى في منطقة الشياح بالضاحية الجنوبية لبيروت... 25 نوفمبر 2024 (رويترز)

الأمم المتحدة تدعو «الأطراف» إلى «الموافقة على وقف إطلاق النار» في لبنان

دعا مسؤول في الأمم المتحدة، الاثنين، الأطراف المعنية إلى «الموافقة على وقف إطلاق النار» في لبنان حيث تتواصل الحرب بين إسرائيل و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.