اعتمدت هيلاري كلينتون بشكل كامل على بريدها الإلكتروني الشخصي أثناء الاضطلاع بعملها الحكومي وزيرة للخارجية، الأمر الذي قد يشكل انتهاكا للقواعد الفيدرالية التي تلزم بالاحتفاظ بمراسلات المسؤولين بصفتها جزءا من سجلات الوكالة المعنية، وفق ما أفاد مسؤولون بالوزارة. واتضح أنه لم يكن لدى كلينتون حساب بريد إلكتروني حكومي طوال فترة السنوات الأربع التي ترأست خلالها وزارة الخارجية. وواضح أن مساعديها لم يتخذوا أي إجراء للاحتفاظ برسائلها عبر البريد الإلكتروني الشخصي على أجهزة الخادم التابعة للوزارة في ذلك الوقت، حسبما يفرض قانون السجلات الفيدرالية.
ومنذ شهرين فقط واستجابة لجهود جديدة تبذلها وزارة الخارجية للالتزام بالممارسات الفيدرالية، تولى مستشارو كلينتون مراجعة عشرات الآلاف من الصفحات الخاصة برسائل جرى تبادلها عبر بريدها الإلكتروني، وحددوا أيا منها ينبغي تسليمه لوزارة الخارجية. وبالفعل، تم تسليم 55.000 صفحة من رسائل البريد الإلكتروني للوزارة. يذكر أن كلينتون استقالت من منصبها وزيرة للخارجية مطلع عام 2013.
واضح أن استخدامها المكثف لحسابها الشخصي أثار قلق المسؤولين الحاليين والسابقين بالإدارة الوطنية للأرشيف والسجلات وعدد من الأجهزة الرقابية الحكومية، الذين رأوا في هذا الأمر انتهاكا خطيرا. ودافع المتحدث الرسمي باسم كلينتون، نيك ميريل، عن استخدامها لحسابها الشخصي، قائلا إنها التزمت بـ«نص وروح القانون».
ومع ذلك، فإنه تبعا للقانون الفيدرالي، تعد الخطابات ورسائل البريد الإلكتروني التي يكتبها ويتلقاها مسؤولون فيدراليون، مثل وزير الخارجية، سجلات حكومية ومن المفترض الاحتفاظ بها بحيث يمكن للجان التابعة للكونغرس والمؤرخين والإعلاميين الاطلاع عليها. إلا أن القانون يسمح باستثناءات تتعلق بمواد سرية وحساسة معينة.
واللافت أن كلينتون ليست أول مسؤول حكومي، ولا أول وزير خارجية، يستخدم بريده الإلكتروني الشخصي في الاضطلاع بأعمال رسمية. ومع ذلك، فإن اعتمادها الحصري على حسابها الشخصي في القيام بجميع أعمالها الرسمية يبدو أمرا غير عادي، حسبما أفاد جيسون آر. بارون، وهو محام لدى «درينكر بيدل آند ريث»، وترأس من قبل شؤون الدعاوى لدى الإدارة الوطنية للأرشيف والسجلات.
وأشار خبراء إلى أن استخدام حسابات البريد الإلكتروني الشخصية من المفترض أن تقتصر على حالات الطوارئ، مثلا حين يفشل جهاز الكومبيوتر الخادم بالوكالة في العمل.
وقال بارون، الذي عمل بالوكالة بين عامي 2000 و2013: «لا أتذكر أي موقف طيلة الفترة التي قضيتها داخل الإدارة الوطنية للأرشيف اعتمد خلاله مسؤول رفيع المستوى داخل وكالة تتبع السلطة التنفيذية، فقط على حساب بريد إلكتروني شخصي في الاضطلاع بالشؤون الحكومية».
يذكر أن القواعد المنظمة لعمل الإدارة الوطنية للأرشيف والسجلات حينذاك فرضت الاحتفاظ بأي رسائل بريد إلكتروني يجري إرسالها أو استقبالها عبر حسابات شخصية للبريد الإلكتروني على أنها جزء من سجلات الوكالة.
بيد أن كلينتون ومساعديها أخفقوا في القيام بذلك. وليس واضحا عدد الرسائل الإلكترونية التي كانت في حساب كلينتون، وكذلك العملية التي اعتمد عليها مستشاروها لتحديد الرسائل المرتبطة بعملها بوزارة الخارجية قبل تسليمها.
وأعرب توماس إس. بلانتون، مدير «أرشيف الأمن الوطني»، وهي جماعة تتخذ من جامعة جورج واشنطن مقرا لها وتؤيد الشفافية الحكومية، عن اعتقاده أنه «من العار أن هذا الأمر لم يجر تلقائيا عندما كانت وزيرة للخارجية كما كان ينبغي. هناك في وزارة الخارجية من يستحق الشكر لاتخاذه المبادرة بطلب استرداد هذه السجلات». وأوضح بلانتون أنه يتعين على المسؤولين رفيعي المستوى العمل بالصورة التي يعمل بها الرئيس باراك أوباما، حيث يبعث برسائل البريد الإلكتروني عبر حساب حكومي آمن، مع الاحتفاظ بكل رسالة لأغراض تاريخية. وأضاف: «رسائل البريد الإلكتروني الشخصي ليست آمنة، ولا ينبغي أن يعتمد عليها المسؤولون رفيعو المستوى».
يذكر أنه من النادر تطبيق عقوبات على من لا يلتزم بمتطلبات الاحتفاظ بالسجلات الفيدرالية، وذلك لافتقار الإدارة الوطنية للأرشيف والسجلات لسلطات تمكنها من فرض قواعدها.
في المقابل، رفض ميريل، المتحدث الرسمي باسم كلينتون، الكشف عن سبب اختيارها إجراء أعمال وزارة الخارجية عبر حسابها الشخصي. وقال إنه نظرا لأن كلينتون كانت تبعث برسائل بريد إلكتروني لمسؤولين آخرين بوزارة الخارجية على حساباتهم الحكومية، فإنها «توقعت أنه سيجري الاحتفاظ بها». ولم يتناول في حديثه الرسائل التي قد تكون كلينتون قد أرسلتها لقيادات أجنبية أو أفراد من القطاع الخاص أو مسؤولين حكوميين خارج وزارة الخارجية.
يذكر أن خليفة كلينتون، وزير الخارجية الحالي جون كيري، اعتمد على حساب حكومي للبريد الإلكتروني منذ توليه مهام منصبه، ويجري الاحتفاظ بمراسلاته على الفور بصفتها جزءا من سجلات وزارة الخارجية، تبعا لما ذكره مساعدوه.
وقبل إقرار القواعد الحالية، اعتمد وزير الخارجية كولن باول، الذي تولى المنصب بين عامي 2001 و2005، على بريده الإلكتروني الشخصي في التواصل مع مسؤولين وسفراء أميركيين وقيادات أجنبية.
في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وفي إطار جهودها لتحسين مستوى جهودها في الاحتفاظ بالسجلات، طلبت وزارة الخارجية من جميع وزراء الخارجية السابقين حتى مادلين كيه. أولبرايت تقديم أي سجلات بحوزتهم تعود لفترة توليهم مسؤولية الوزارة، للاحتفاظ بها. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، جين بساكي: «تتضمن هذه الخطوات الاحتفاظ بانتظام بجميع رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بكيري لضمان احتفاظنا بجميع السجلات الفيدرالية».
يذكر أن وجود حساب بريد إلكتروني شخصي لكلينتون، المرشحة المحتملة لانتخابات الرئاسة المقبلة، تم اكتشافه من قبل لجنة تابعة لمجلس النواب كانت تتولى التحقيق في الهجوم ضد القنصلية الأميركية في بنغازي، في خضم مساعيها للاطلاع على المراسلات بين كلينتون ومساعديها بخصوص الهجوم. ومنذ أسبوعين، وبعد مراجعة رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بكلينتون، قدمت وزارة الخارجية للجنة قرابة 300 رسالة بريد إلكتروني، تصل لقرابة 900 صفحة، حول هجوم بنغازي. وقد رفضت كلينتون واللجنة التعليق على محتويات رسائل البريد الإلكتروني أو ما إذا كان سيتم الكشف عنها علانية.
وقالت بساكي إن وزارة الخارجية «تعمل بنشاط ودأب على الرد على الاستفسارات الكثيرة التي تقدمت بها اللجنة في وقت مناسب، وقدمت أكثر من 40.000 صفحة من الوثائق، ونص أكثر من 20 مقابلة، وشاركت في كثير من الاجتماعات، وفي جميع جلسات الاستماع التي عقدتها اللجنة».
* خدمة «نيويورك تايمز»