الجائحة تُوسع نطاق مشاهدة أفلام مهرجان «رؤى»

الجامعة الأميركية في القاهرة تستضيف {افتراضياً} نسخته الرابعة

الدكتور مالك خوري رئيس المهرجان
الدكتور مالك خوري رئيس المهرجان
TT

الجائحة تُوسع نطاق مشاهدة أفلام مهرجان «رؤى»

الدكتور مالك خوري رئيس المهرجان
الدكتور مالك خوري رئيس المهرجان

عادة ما تكون مهرجانات الأفلام القصيرة فرصة لإلقاء نظرة على الأفكار والتأملات التي تشغل مبدعي هذا العالم الفني، ولعل هذا أحد ما يتيحه مهرجان «رؤى... مهرجان القاهرة للفيلم المصري القصير»، الذي تستضيف الجامعة الأميركية في القاهرة نسخته الرابعة، حتى منتصف الشهر الجاري.
يعد مهرجان «رؤى» محفلاً سينمائياً غير ربحي، بتنظيم وإشراف لجنة أكاديمية من صانعي الأفلام ذوي الخبرة من قبل (برنامج الفيلم) بقسم الفنون في الجامعة الأميركية بالقاهرة، إلى جانب طلاب ونقاد السينما، ويعرض هذا العام 123 فيلماً، يشارك 50 منها في المسابقة الرسمية.
وللعام الثاني على التوالي يُنظم المهرجان «عن بُعد» بسبب إجراءات فيروس «كورونا» الاحترازية، وهو ما أتاح عرض الأفلام على صفحة المهرجان على «فيسبوك»، وهو ما ينطبق عليه المثل القائل «رُب ضارة نافعة»، مع توسيع دائرة المشاهدة والتفاعل مع لون فني عادة ما يوصف أنه قليل الجماهيرية.
ويقول الدكتور مالك خوري، أستاذ الدراسات السينمائية في الجامعة الأميركية بالقاهرة ورئيس المهرجان، لـ«الشرق الأوسط»: «أثبت عرض أفلام المهرجان افتراضياً نجاحها، مع توسيعها نطاق المشاهدة للأفلام القصيرة، وهو ما تُثبته الأرقام اليومية لزيارة موقع الأفلام التي تفوق بمراحل معدل حضور الأفلام في القاعات في السابق»، ويضيف خوري أن هذا النجاح سيُستثمر خلال الدورات المقبلة من المهرجان، بحيث تستمر عروض الأون لاين إلى جانب العروض الحية للأفلام داخل القاعات في الجامعة.
تتراوح أفلام هذه النسخة بين أفلام روائية، وتسجيلية، وأفلام تجارب أولى، إلى جانب أفلام التحريك التي يقول مالك خوري إنها أُدرجت العام الماضي ضمن فروع المهرجان، ومن المنتظر أن تزيد مشاركات هذا الفرع مع الدورات المقبلة. وتعكس عناوين أفلام المسابقة الرسمية في الدورة الرابعة من المهرجان، عشرات من أفكار وهواجس صناعها، عبر أفلام قصيرة تمر على مشاعر متناقضة كالوحدة والمشاركة، والمرض والتعافي، وتواصل الأجيال وتعقدياته، إلى جانب أفلام تسجيلية تلتقط شخصيات من معترك الحياة اليومية.
ووفق الدكتور مالك خوري فإنه رغم حضور نبرة الإحباط لدى العديد من الأفلام المشاركة، بما فيها من موضوعات تمس اليأس والبطالة والفقر وقلة الفرص، فإن أفلام هذا العام تعد أكثر تفاؤلاً من أفلام العام الماضي التي كانت أكثر (سوداوية)، ويأمل خوري أن تنعكس حالة أكبر من الإيجابية في المستقبل على الأفلام القصيرة.
وتشارك في المهرجان أعمال سبق وحصدت الاهتمام بمشاركتها في مهرجانات خارج مصر، منها فيلم «حنة ورد» الذي شارك في مهرجان «كليرمون فيران» الدولي بفرنسا العام الماضي، وحصل على 17 جائزة من مشاركته في أكثر من مهرجان دولي.
ومن بين الأفلام المشاركة في الدورة الجارية «فوق الركبة، وإعادة تدوير، والسندرة، والقفطاوية، وطفل البهجة، وهذه ليلتي، وعم بيومي، وقبل فوات الأوان، و600 كيلو، وفي المكس... البحر غضبان ما بيضحكش».
ويُكرم المهرجان هذا العام الناقد السينمائي وكاتب السيناريو والمخرج المصري سامي السلاموني، الذي عُرضت له ثلاثة أفلام في افتتاح المهرجان تكريماً له ولمسيرته الفنية، وكان من المفترض أن تُنظم ندوة يتحدث فيها المُصور السينمائي سعيد شيمي عن كتابه الجديد عن سامي السلاموني، ولكن أُلغيت بسبب قرار إلغاء النسخة الحية من المهرجان واستبدال نسخة أون لاين بها.
وكان مجلس الوزراء في مصر قد أعلن، قبل أيام، قرارات جديدة تسمح بعقد المهرجانات الفنية، وسط إجراءات احترازية كتقليل الحضور إلى 50 في المائة من سعة المسرح، وارتداء الكمامات، وهو القرار الذي شكل انفراجة فنية للعديد من المهرجانات السينمائية التي كانت مُهددة بالتأجيل، ومنها «مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة»، و«مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة»، و«مهرجان شرم الشيخ السينمائي».


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)