قلق سوري من «سيناريو دنماركي» في اليونان

بعدما عدّت أثينا تركيا «بلداً آمناً» لإعادة طالبي اللجوء

مهاجرون وراء أسلاك شائكة في جزيرة لسبوس باليونان يوم 29 مارس الماضي (أ.ب)
مهاجرون وراء أسلاك شائكة في جزيرة لسبوس باليونان يوم 29 مارس الماضي (أ.ب)
TT

قلق سوري من «سيناريو دنماركي» في اليونان

مهاجرون وراء أسلاك شائكة في جزيرة لسبوس باليونان يوم 29 مارس الماضي (أ.ب)
مهاجرون وراء أسلاك شائكة في جزيرة لسبوس باليونان يوم 29 مارس الماضي (أ.ب)

أكدت وزارة الهجرة اليونانية، الاثنين، أن «تركيا بلد آمن» لغالبية طالبي اللجوء الموجودين بالجزر اليونانية في بحر إيجه، عادّةً أن ذلك يمكن أن يساهم في تسريع إعادتهم؛ الأمر الذي أقلق سوريين في اليونان من تكرار تجربة الدنمارك.
وقالت الوزارة إن «تركيا بلد آمن لطالبي اللجوء من سوريا وأفغانستان وباكستان وبنغلاديش والصومال بحسب مرسوم مشترك اعتمدته وزارتا الخارجية والهجرة». وتابعت في بيان أنهم «ليسوا في خطر بسبب دينهم أو جنسيتهم أو آرائهم السياسية أو انتمائهم إلى فئة اجتماعية، ويمكنهم طلب اللجوء في تركيا بدلاً من اليونان».
وقال وزير الهجرة نوتيس ميتاراخي: «ستكون هذه خطوة مهمة للحد من تدفق المهاجرين بشكل غير قانوني» وإرغام تركيا على إعادة قبول طالبي اللجوء المرفوضين في الجزر اليونانية.
بحسب الاتفاق المبرم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا الموقع عام 2016؛ فعلى أنقرة أن تقبل اللاجئين السوريين الذين تعيدهم أثينا بعد مراجعة ملفاتهم تهدف إلى تحديد ما إذا كانوا سيكونون بأمان في تركيا أم لا.
لكن منذ أكثر من 15 شهراً، لم تقبل تركيا بإعادة أي من اللاجئين الـ1453 الذين تريد اليونان إعادتهم.
في فبراير (شباط) 2020، أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنه سيسمح بمرور المهاجرين الراغبين في دخول الاتحاد الأوروبي. وتدفق حينذاك عشرات آلاف المهاجرين في اتجاه اليونان، عند نقطة كاستانييس الحدودية (بازاركولي، الجانب التركي) حيث وقعت صدامات لأيام عدة. ومنذ ذلك الحين، يبقى إجراء مناقشات حول ملف الهجرة بين البلدين الجارين، في جمود.
بحسب منظمة «دعم اللاجئين في إيجه» غير الحكومية، فإن مبدأ «دولة ثالثة آمنة» يخالف القانون الأوروبي، والبلد الآخر الوحيد في الاتحاد الأوروبي الذي ينسب هذا التوصيف إلى تركيا هو المجر.
من جهتها؛ عدّت منظمة «متطوعو ساموس» غير الحكومية أن «هذا المبدأ لا يتطابق مع المادة الثالثة من اتفاقية جنيف (الخاصة بحماية اللاجئين) والتي تشرح أن الدول الموقعة تطبق بنود الاتفاقية دون تمييز يستند إلى العرق والدين أو بلد (المنشأ)».
وبين يناير (كانون الثاني) وأبريل (نيسان) 2021، وصل أكثر من ألف طالب لجوء إلى اليونان عبر البحر؛ بحسب المفوضية السامية للاجئين. يذكر أن 47 في المائة من طالبي اللجوء الموجودين في مخيمات جزر بحر ايجه هم أفغان، و15 في المائة سوريون، و9 في المائة صوماليون؛ بحسب وكالة الأمم المتحدة.
وكان سوريون في الدنمارك أعربوا عن القلق من ترحيلهم إلى «بلد ثالث» بعد إقرار قانون يسمح بفتح مراكز يُرسل إليها طالبو اللجوء طوال فترة معالجة ملفاتهم، وحتى بعد ذلك، في دول أخرى مثل رواندا أو إريتريا.
في الوقت الراهن هناك 900 سوري مهددون بالترحيل إلى بلادهم منذ أن أصدرت وزارة الهجرة والاندماج في الدنمارك عام 2019 تقريراً بعنوان: «سوريا: الوضع الأمني في محافظة دمشق وقضايا تتعلق بالعودة إلى سوريا»، حيث يبدو أن الحكومة الدنماركية عازمة على تطبيق سياسة «صفر طلبات لجوء».
وهناك أكثر من 250 حالة سورية تنتظر قرار «مجلس تظلم اللاجئين» في الدنمارك. وأشارت مصادر إلى احتمال توسيع القرار ليشمل حلب والحسكة.
وفي آخر مستجدات الحكومة الاشتراكية الديمقراطية؛ برئاسة ميتي فريدريكسن، المعادية للهجرة، لردع طالبي اللجوء عن التوجه إلى الدولة الشمالية الغنية، أقرت القانون على أن يبقى المهاجر في البلد الثالث حتى في حال حصوله على وضع اللجوء في نهاية الآلية.
وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية؛ أدالبرت يانتس، إن النص «يطرح أسئلة جوهرية تتعلق بالوصول إلى آليات اللجوء، كما بالحصول الفعلي على الحماية».
وأشار إلى أن نقل إجراءات اللجوء إلى الخارج «غير ممكن» بموجب القوانين الأوروبية، موضحاً في المقابل أنه ينبغي تحليل القرار الدنماركي «بشكل معمق أكثر» على ضوء الإعفاءات التي يستفيد منها هذا البلد في مسائل الهجرة.
وتنتهج حكومة وسط اليسار الدنماركية حالياً سياسة هجرة هي من الأكثر تشدداً في أوروبا، وتتضمن سحب الإقامة من بعض السوريين بحسبان أن المناطق التي يتحدرون منها باتت آمنة، وتشديد قانون مضاد لقيام «غيتوات» يرمي إلى تحديد سقف لعدد السكان «غير الغربيين» في الأحياء، واعتماد هدف رسمي يقضي بالتوصل إلى «صفر مهاجرين». ولم توافق أي دولة في الوقت الحاضر على استقبال المشروع، غير أن الحكومة تؤكد أنها تجري محادثات مع ما بين 5 و10 دول لم تحددها.
وتتحدث الصحف الدنماركية عن مصر وإريتريا وإثيوبيا، لكن المفاوضات وصلت على ما يبدو إلى مرحلة متقدمة مع رواندا التي نظرت في فترة ما في استقبال طالبي لجوء لحساب إسرائيل.
وتفيد أرقام «المعهد الوطني للإحصاءات» بأن 11 في المائة من سكان الدنمارك (5.8 مليون نسمة) من أصل أجنبي، و58 في المائة منهم يتحدرون من بلد «غير غربي».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.