دراسة تكشف عن دور الشعاب المرجانية في تأمين السواحل السعودية

باحثو «كاوست» يطورون معايير تصميم عالية الدقة في تخطيط المدن الساحلية

دراسة تكشف عن دور الشعاب المرجانية في تأمين السواحل السعودية
TT

دراسة تكشف عن دور الشعاب المرجانية في تأمين السواحل السعودية

دراسة تكشف عن دور الشعاب المرجانية في تأمين السواحل السعودية

تمكن باحثو جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) من وضع معايير تصميم عالية الدقة في تخطيط المدن بالمنطقة الساحلية لمدينة الملك عبد الله الاقتصادية (KAEC)، التي تسلط الضوء على الضرورة الملحّة للحفاظ على الشعاب المرجانية في البحر الأحمر، على مستويي الاقتصاد والتخفيف من وطأة الكوارث. وقد توصل الباحثون إلى هذه النتائج باستخدام النمذجة الحاسوبية المتقدمة عالية الوضوح للتنبؤ بعرام العواصف وذروة ارتفاع الأمواج باستخدام، الذي يكشف عن الدور المهم الذي تؤديه الشعاب المرجانية في حماية المناطق الساحلية.
وجدير بالذكر أنه ورغم كون الشعاب المرجانية لا تشكل سوى 1 في المائة فقط من سطح المحيطات، فإن ما بين 25 في المائة إلى 50 في المائة من فصائل الكائنات البحرية تعتمد عليها وتشكل ثروة بيئية واجتماعية اقتصادية لما يفوق مليار إنسان، كما أن قيمتها الاقتصادية تفوق تريليون دولار في جميع أنحاء العالم. كما يؤثر تدهور النظم البيئية للشعاب المرجانية على حماية المناطق الساحلية، ومصايد الأسماك، والسياحة.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور سابيك لانجودان، من فريق النمذجة والتنبؤ المعني بمنطقة البحر الأحمر في «كاوست»: «كانت المهمة الأصلية هي إجراء النمذجة الحاسوبية لارتفاعات الأمواج القصوى؛ بغرض تعيين الحدّ الأدنى لارتفاع الأرضيات الآمن، من أجل تصميم الهياكل والطرق في المدينة»، إلا أنه مع وفرة الملحوظات بشأن رصد الأمواج ومستوى المياه وقياس الأعماق الدقيق بالقرب من الساحل، جنباً إلى جنب مع قدرات المحاكاة المتقدمة والحوسبة الفائقة المتاحة لنا في «كاوست»، قمنا بتوسيع نطاق الدراسة من أجل تقصِّي دور الشعاب المرجانية في تغيير المناخ الموجي لهذه المنطقة المحمية بالشعاب».
وللتنبؤ الدقيق بارتفاعات الأمواج العنيفة، من الضروري نمذجة كيفية تحوّل الأمواج في أثناء مرورها عبر الشعاب المرجانية وقاع البحر الضحل، باستخدام بيانات الأمواج على المدى الطويل. وتشترك العديد من المدخلات في المحاكاة الحاسوبية، بما في ذلك نموذج التغير الفيزيائي في شكل الموجة، وقياس الأعماق، والقوى الجوية المؤثرة، ودوران مياه البحر. ومع ذلك، فإن بنية تصميم المحاكاة والمنصة الحاسوبية على القدر نفسه من الأهمية؛ فعليهما يتوقف تحديد وضوح النتائج ودقتها.
يقول لانجودان: «قمنا بتهيئة نموذج عالي الوضوح باستخدام شبكة غير مهيكلة، مما يسمح لنا بتنويع دقة وضوح النموذج على امتداد المنطقة من خلايا تغطي نطاق 60 كيلومتراً في عرض البحر إلى خلايا صغيرة تغطي 60 متراً بالقرب من الساحل».
استخدم الباحثون موجة مقترنة ونموذجاً لدوران المياه لحساب التغيرات في ارتفاعات الأمواج الناتجة عن الاختلافات في مستوى المياه والتيارات المائية، وجمعوا بين ذلك ومجالات الأرصاد الجوية المشتقة من نموذج جوي إقليمي عالي الوضوح.
يقول البروفسور إبراهيم حطيط، أستاذ هندسة وعلوم الأرض وقائد المجموعة البحثية: «دراستنا عالية الوضوح أتاحت لنا مراجعة تخفيض الحدّ الأدنى للارتفاع الآمن في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، من 4 أمتار إلى 2.3 متر، ورغم أنه انخفاض طفيف نسبيّاً، فإنه سيؤدي إلى توفير نحو 90 مليون متر مكعب من مواد الردم، بما يعادل نحو 500 مليون دولار أميركي». ومع ذلك، أظهرت الدراسة أيضاً أن الارتفاع الآمن المُخفَّض يعتمد على وجود شعاب مرجانية قبالة ساحل البحر الأحمر، تعمل باعتبارها حاجز أمواج طبيعيّاً لتوفير الحماية للمناطق الساحلية من المخاطر، مثل أقصى ارتفاع تبلغه الأمواج، وغمر الأمواج للحواجز، والفيضانات، وتآكل الشواطئ.
ويوضح المؤلف المشارك البروفسور عمر كنيو، أستاذ علوم الرياضيات والحساب التطبيقية بالجامعة، أن الشعاب المرجانية تعمل على تخفيض ارتفاع الأمواج بمقدار النصف عند الساحل، ويمكن أن تظل السواحل المحمية بالشعاب المرجانية معرّضة لخطر الأمواج الأكبر إذا انخفضت الحماية الساحلية التي توفرها الشعاب المرجانية بسبب تدهور المرجان أو ارتفاع مستوى سطح البحر.
وتجدر الإشارة إلى أبحاث «كاوست» قد أسهمت في ضمان موقع بارز لحماية الشعاب المرجانية باعتبارها إحدى التوصيات النهائية للسياسات في البيان الختامي لقمة قادة مجموعة العشرين 2020. ونتيجة لذلك، أطلقت مبادرة عالمية لحماية تلك الشعاب بقيادة المملكة العربية السعودية ودعم وتعاون من بلدان مجموعة العشرين. ولقد اختيرت «كاوست» لتكون نقطة التقاطع للمبادرة الجديدة، والاستفادة من البنية التحتية المتطورة للجامعة، ولريادتها في دراسات وأبحاث الشعاب المرجانية خلال العقد الأخير بقيادة البروفسور كارلوس دوارتي، أستاذ العلوم البحرية، إضافة لموقعها الذي يسهل لباحثيها الوصول إلى النظم البيئية القريبة.
وفي أبريل (نيسان) 2020، فصّلت دراسة عن المحيطات الدولية، أجريت بقيادة كارلوس دوارتي والبروفسورة سوزانا أغوستي، أستاذة علوم البحار في «كاوست»، سبل تعافي الحياة البحرية وصولاً إلى الوفرة الكاملة بحلول 2050. وحددت هذه الدراسة تسعة عناصر جوهرية في الأنظمة البيئية البحرية لإعادة بناء الحياة البحرية، وكانت الشعاب المرجانية واحدة منها.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً