Confessions of a Nazi Spy (1939)
***
في بيتنا نازيون
«اعترافات جاسوس نازي» لأناتول ليتڤاك مأخوذ عن وقائع فعلية دارت في رحى العام 1938 التي انتهت في أواخر تلك السنة بتقديم متهمين بالتجسس لصالح دولة أجنبية (ألمانيا). أثارت القضية اهتمام شركة «وورنر» فأوفدت مندوباً لها (ملتون كريمس) ليتابع محاكمة المتورطين تمهيداً لكتابة السيناريو.
قضت المحكمة على أربعة متهمين بالسجن، وأصدرت حكماً غيابياً بحق أربعة عشر متهماً لم تتمكن السلطات الفيدرالية من القبض عليهم. قسم كبير منهم كانت لديه الفرصة ليفر من الولايات المتحدة عائداً إلى ألمانيا.
عاد كريمس إلى لوس أنجليس، حيث باشر كتابة السيناريو. آنذاك كان هناك مكتب اتصال ألماني في هوليوود مهمته قراءة ومراقبة كل سيناريو يتناول مسألة ألمانية، وهذا المكتب استمر في عمله خلال الثلاثينات وحتى قرار واشنطن الاشتراك في الحرب العالمية الثانية في مطلع الأربعينات. عندما قرأ المكتب السيناريو أرسل خطاباً إلى ما كان يعرف بمكتب PCA (برودكشن كود أدمنستريشن) الذي كان أُنشئ لمراقبة الأفلام المُنتجة، يطالبه فيها بالتدخل لمنع «وورنر» من تنفيذ الفيلم على أساس أنه يشوه العلاقات الألمانية - الأميركية. في الوقت ذاته، تسلم ذلك المكتب رسالة من مؤسسة حكومية مركزها نيويورك (اسمها Paramount Foreign Department) تعلن فيها أن إنتاج فيلم ضد هتلر خطأ يجب ألا يُرتكب خوفاً من إثارة النعرات.
لكن «وورنر» لم تذعن للأمر وأقدمت على البدء بتصوير مشروعها في فبراير (شباط) سنة 1939 تحت قيادة المنتج المعروف هال ووليس وإخراج ليتڤاك.
يبدو الفيلم اليوم شاهداً على عصره بلا ريب. يدور حول مؤسسة نازية قائمة في الولايات المتحدة تجند الشباب الأميركيين من ذوي الأصول الجرمانية باثة فيهم الروح النازية وتدعوهم لخدمة ألمانيا - الوطن الأم. بعض مستمعي الخطاب النازي ينتقدون فحواه لكنهم قلة يتم طردهم خارج القاعة. الأحداث تنطلق من هنا لتروي أساليب التأثير على الجمهور من الألمان الأميركيين بالخطب الرنانة وبعث روح الانتماء إلى القومية الألمانية والحزب النازي، خصوصاً بعدما قررت الحكومة الألمانية (حسب الفيلم) القيام، عبر وكلائها، بحملة دعائية كبيرة تشمل كل مدن الولايات المتحدة. في الوقت ذاته، وقفت الآلة الألمانية وراء خلية من الجواسيس النشطين لخدمتها.
يسرد الفيلم هذه الأحداث كوقائع وعلى شكل تقريري كانت بعض أفلام هوليوود اشتهرت به حينها. لكن الفيلم لا يستمر على هذا المنوال بعد الدقيقة الخمسين منه، بل يبدأ بإدخال أحداث درامية خيالية إلى نسيجه حال تقديم شخصية أحد أبرز مسؤولي «إف بي آي» (قام به إدوارد ج. روبنسن) وهو يتابع بنفسه التحقيقات. نراه في مكتبه يوجه التعليمات ويستوجب الشهود والمتهمين (وهذا طبيعي) لكننا نراه يقوم بنفسه بإلقاء القبض على المتورطين ووضع القيود في أيديهم (وهذا يبدو غير محتمل لرجل في مثل منصبه الإداري).
روبنسون ممثل جيد وماهر لكنه يمارس إجادته ومهارته بمنأى عن أسلوب الفيلم وإدارته لباقي الممثلين الذين جسّدوا شخصيات أكثر قابلية للتصديق. حال يدخل التمثيل المنفرد على خط الأحداث يتراجع الفيلم عن أسلوبه التقريري المعتمد متبنياً شكلاً بوليسياً، ما يخلق وضعاً غير متوازن. في الفيلم أيضاً البريطاني جورج ساندرز في أداء أنجح كالمشرف على الملف النازي في أميركا.
بعد 82 سنة على إنتاجه، يتردد صدى هذا الفيلم مع انتشار النازية الجديدة في أميركا وسواها ليس من باب التأييد لها، فرسالته كانت معادية، بل كفرصة للتذكير بوعود عنصرية ما زالت متوارثة.