معرض لندني لتطور الفن الإيراني

معروضات تجمل خمسة آلاف عام في «فيكتوريا آند ألبرت»

في قسم الفن المعاصر لوحة «الغفور» للفنان محمد إحسائي
في قسم الفن المعاصر لوحة «الغفور» للفنان محمد إحسائي
TT

معرض لندني لتطور الفن الإيراني

في قسم الفن المعاصر لوحة «الغفور» للفنان محمد إحسائي
في قسم الفن المعاصر لوحة «الغفور» للفنان محمد إحسائي

مع عودة الحياة للمتاحف في لندن افتتح متحف «فيكتوريا آند ألبرت» معرض «ملحمة إيران»، والذي يهدف لعرض تاريخ موجز للفن في إيران يختصر فيه آثار وثقافة على مدى 5000 عام. الهدف طموح جداً، والتنفيذ كان على مستوى محترف وممتع بصرياً في أحيان كثيرة. غير أن المتحف فقد بوصلته قليلاً؛ إذ إن المعرض ككل يبدو مثل المعارض التي يقدمها المتحف البريطاني، فهو يركز على التاريخ والآثار والمخطوطات وغيرها، في حين أن مكامن القوة في عروض «فيكتوريا آند ألبرت» كانت ولا تزال في التصميم والأزياء والمجوهرات.
بحسب تريسترام هنت، مدير المتحف، فالمعرض الذي يعد الأول في موضوعه والذي يتناول فنون إيران يحاول تحقيق المعادلة الصعبة في الجمع بين الآثار والفن الإسلامي، وصولاً إلى الفن المعاصر. ويضيف، أن المعرض يستكشف رحلة البلاد إلى القرن الحادي والعشرين، بدءاً من النحت والسيراميك والسجاد إلى المنسوجات والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، مروراً بنماذج من المعمار وتركيز واضح على الشعر.

أقسام العرض
ولكن لنعد للعرض الذي قسم لعشرة أقسام ولنعطه حقه، فالعرض استخدم تقنيات حديثة، من الأفلام الغامرة التي تدخلنا لإيران التاريخية، إلى إضفاء الألوان، إلى الجداريات المنحوتة، إلى عرض مبهر لأنماط أعمال القرميد من قباب المدينة عبر تثبيت أقواس مزخرفة في السقف لتوحي بوجود قبة داخلية.
في البداية، وعبر الأقسام الأولى نرى نماذج للجداريات والمنحوتات المختلفة والتي تذكرنا بالآثار الفرعونية مع اختلاف التفاصيل وطريقة تصوير الأشخاص. تدهشنا جداريات محفورة تمثل أشخاصاً واقفين ويظهر عدد من الحيوانات في الجداريات مثل الغزال والأسد وبعض الطيور، ونرى هذه الأشكال مكررة أيضاً على الفخاريات، مثل الآنية ومقابض الفؤوس والاكواب الذهبية.
في قسم «الإمبراطورية الفارسية الأولى» نستكشف حضارة مدينة «برسيبوليس» من خلال النقوش الحجرية المضاءة بالألوان في تخيل بصري لشكلها الأصلي. هنا أيضاً المشغولات المعدنية مثل المجوهرات والنقود والذهب والفضيات. وتشمل المعالم البارزة أسطوانة قورش - المُعارة من المتحف البريطاني.
من الأقسام الممتعة قسم بعنوان «كتاب الملوك» والذي يقدم نماذج من المنمنمات والمخطوطات التي تصور مشاهد من ملحمة «الشاهنامة» للشاعر الفردوسي، وهي تعتبر من أعظم القصائد الملحمية في العالم وأنجزها الشاعر في نحو عام 1010 م.
مع قسم «تغيير العقيدة» نرى معروضات تكشف تأثير دخول الإسلام لإيران في القرن السابع الميلادي. يقدم القسم نسخاً نادرة من المصاحف والخزفيات التي تحمل نقوشاً للقرآن. هنا أيضاً نستكشف دور اللغة العربية والتي أصبحت اللغة المشتركة للحياة الفكرية في البلاد، بينما أصبح فن الخط العربي متطوراً للغاية وعنصراً مهماً في التصميم الإيراني.
من النقاط البارزة في العرض، التركيز الواضح على الشعر الفارسي، حيث نعاين كيف ظهرت اللغة الفارسية المكتوبة بالخط العربي كلغة أدبية في البلاط الملكي في شرق إيران. هنا نرى كيف أصبح الشعر جزءاً من الفنون البصرية بسبب استخدام النقوش الشعرية على الخزف والسجاد التي نرى مثالاً في سجاد بديعة الصنع تحمل أبيات للشاعر الشهير حافظ. عدد من القطع الأخرى تحمل أبياتاً من الشعر مثل الأواني الخزفية والأعمال المعدنية.
لإعادة إضفاء روعة العمارة الإسلامية في أصفهان تم تعليق ثلاث لوحات طولها عشرة أمتار تكرر أنماط أعمال القرميد في قباب المدينة على هيئة أقواس تنتظم معاً لتوحي بوجود قبة داخلية. الرسومات المعمارية الفنية من القرن التاسع عشر ومجموعة مختارة من البلاط تكمل اللوحات تأثير اللوحات المعلقة أعلى. ينظر القسم في كيفية استفادة إيران من التأثيرات من العالم الأوسع - من الصين على وجه الخصوص - كما هو واضح على سبيل المثال، من تطور استخدام اللون الأزرق على قطع السيراميك أبيض.

الفن الحديث والمعاصر
القسم الأخير في المعرض يقدم نماذج من الفن الحديث والمعاصر، وبرأيي الشخصي، يعد أفضل أقسام العرض. تجذبنا هنا أعمال فنانين عاشوا الأحداث السياسية والاجتماعية التي مرت على البلاد في القرنين العشرين والـ21، كثير منهم هاجر خارج البلاد هرباً من الرقابة والقمع. وتتعالى في أعمالهم نغمات الحب والحرية والحنين للوطن.
يعالج هذا القسم والمعنون «إيران الحديثة والمعاصرة» فترة من التغيير الاجتماعي والسياسي الديناميكي في إيران، بما في ذلك السفر الدولي المتزايد وكذلك المعارضة السياسية، والثورة الإسلامية، والحرب الإيرانية - العراقية، والتأسيس للجمهورية الإسلامية. تُظهر هنا أعمال سراك ملكونيان، وبارفيز تانافولي، ومنير شاهرودي فرمانفرمايان، وبهمان محصص.
تقول المنسقة المشاركة للمعرض إينا سركهاني ساندام، إن الفن الإيراني المعاصر يتميز بـ«الحيوية والإثارة، فهو مثقف ومداعب أيضاً، وهناك تعدد ثري وجودة».
لا نملك هنا سوى الانغماس في خطوط محمد إحسائي الحمراء في لوحته العملاقة حجماً وجمالاً «الغفور»، هنا نرى التمازج ما بين اللوحات الزيتية المتفجرة بالألوان والمشاعر مثل لوحة للفنان علي بني صدر يظهر فيها أسلوب الفنان الفائق في الإبداع والجمال البصري أيضاً.
هنا أيضاً لوحة شهيرة للفنان فرهاد موشيري بعنوان «عشق» المكتوبة بذرات الكريستال البراقة على خلفية سوداء، تعرض التناقض ما بين رفعة المشاعر في الكلمة ومعناها وما بين المادية البحتة في الكريستال الرخيص ثمناً وبريقاً. التعليق على تأثير الحضارة الحديثة على الثقافة الإيرانية المعاصر تطرحه الفنانة شيرين علي آبادي من خلال صورة فوتوغرافية بعنوان «هايبريد 3»، تصورة فتاة إيرانية بشعر أشقر وضمادة على أنفها في إشارة إلى انتشار جراحات تجميل الانف في إيران.
المعرض يستمر حتى 12 سبتمبر (أيلول) المقبل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».