رسالة حب فنية ضد «بريكست»

معرض جديد في باريس يجمع رسامين فرنسيين وبريطانيين

غضبة الموناليزا للفنان البريطاني برين هوارث
غضبة الموناليزا للفنان البريطاني برين هوارث
TT

رسالة حب فنية ضد «بريكست»

غضبة الموناليزا للفنان البريطاني برين هوارث
غضبة الموناليزا للفنان البريطاني برين هوارث

تجمع باحة مرصوفة بالحجر، لمبنى قديم في قلب باريس، مجموعة من اللوحات والرسوم والملصقات التي نفذها فنانون إنجليز وفرنسيون للتعبير عن علاقات الود التي تربط الأمتين، كنوع من الاحتجاج الشعبي على قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
فتح المعرض أبوابه، أمس، للزوار والمارة الذين يزدحم بهم حي «الماريه» التاريخي. وأسهم الرذاذ المنعش في إضفاء جو ربيعي على المناسبة، ينسجم وتسمية المعرض المؤلفة من جملتين إنجليزية وفرنسية: «أحبك، ولا أنا»، وهي استعارة لعنوان الأغنية الشهيرة التي أدتها المغنية والممثلة البريطانية المولودة في لندن والمقيمة في باريس جين بيركن.
في ورقة التقديم، يأسف الفنانون المشاركون في المعرض لأن «بريكست» لم يتح لهم الفرصة لتوديع بعضهم، رغم الجيرة التي تجمع البلدين. وقد جاءت هذه اللوحات تلبية لدعوة وجهها لهم عدد من المؤسسات الفنية في لندن وباريس، أبرزها «سامرسيت هتوس» في لندن، وهو مركز ثقافي يوفر إقامات للفنانين ويدير مهرجانات عدة.
قدمت الأعمال المعروضة رؤية كل فنان لليوم الذي يعقب مغادرة بريطانيا لموقعها الذي كان يربطها بالعائلة الأوروبية منذ 1986. ونظراً للمغزى السياسي الذي يؤطر الفكرة، فقد جاءت أغلب الأعمال موقعة بالأسماء الأولى لأصحابها، دون ألقاب، وبمثابة ملصقات بسيطة سريعة التنفيذ، تحمل رسالة واضحة دون أن تتخلى عن جماليات الفن وذكاء الفكرة. هذا مع ملاحظة تفاوت بين مستوى المعروضات. فالرسامة سالي وشحت لوحتها بعبارة: «شيء ثمين ضاع منا». ورسمت الفنانة لين صيادين في زورق ورقي يستقر داخل علبة للسمك المحفوظ مع عبارة: «هاتوا السردين ونحن سنجلب الخبز المحمص ونقيم الاحتفال معا». واختارت الفنانة فيونا أن ترسم فراشتين متجاورتين في حالة تصدع. أما آمي فقدمت صورة لكفين تمسكان بقضبان عازلة وكتبت على الأصابع عبارة: «من أجل ماذا؟».
في مستوى مختلف فنياً، يشارك الرسام البريطاني برين هاوارث بلوحة تستلهم «موناليزا» دافنشي المعروضة في «اللوفر»، غير أن ابتسامتها الشهيرة قد غابت واكتسب وجهها ملامح الغضب. وفي خلفية اللوحة يبدو نفق بحر المانش مقفلاً، وهناك على الساحل المقابل كتبت كلمة «الوداع».
هناك فنانون عرب شاركوا في المعرض، هم من المقيمين في البلدين، منهم عبد الملك من فرنسا، وزميله محمد الخطيب الذي عرض لوحة على شكل ورقة العقوبات المدرسية التي تفرض على التلميذ كتابة عبارة محددة لمائة مرة. والعقوبة هنا هي تكرار جملة: «لا يجب أن أقول كلاماً سيئاً عن بوريس جونسون»، في إشارة إلى سخط الفنان على موقف رئيس الوزراء البريطاني الذي أيد «بريكست».
تجدر الإشارة إلى أن المعرض اتخذ من الساحة الأمامية لفندق «كولانج» مكاناً له. وهو واحد من تلك القصور القديمة التي تحفظ للعاصمة الفرنسية طابعها المتحفي، جرى تشييده في عام 1627 ليكون مسكناً لعائلة كولانج، حيث أقامت فيه الكاتبة ماري رابوتان شانتال قبل زواجها من ماركيز دو سافينييه وحملها لقب مركيزة. ومع حلول القرن الثامن عشر تحول المبنى إلى منزل لأبناء الملك لويس الرابع عشر من محظيته مدام دو مونتسبان. وإذا دفعك الفضول إلى تخطي عتبة القصر فستجد في الداخل تشكيلات فنية مرتجلة وشاشة تعرض مقابلات مع الرسامين، نساء ورجالاً.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».